بعد أعوام قليلة من الحقّ بقيادة السيّارة، تقود المرأة السعودية الآن القطار أيضاً. وتقدّمت آلاف النساء لشغل وظائف كسائقات لقطار الحرمين السّريع الذي يصل مكة بالمدينة.
حتى وقت قصير، كانت تقتصر تجربة "ثراء علي" في القيادة على التنقّل بسيارة أسرتها في مدينتها الساحليّة جدّة. أمّا الآن، فتجلس المرأة السعودية في مقعد القيادة في قطار فائق السرعة ينقل الحجاج إلى مكّة، مستفيدة من سعي المملكة المحافِظة، وفي إطار جهودها لتعزيز نموها الاقتصادي، إلى توفير الوظائف لعدد متزايد من السعوديات اللواتي يُقبلن على سوق العمل.
تجربة المرأة السعودية في قيادة المركبات تعتبر حديثة جداً، إذ لم تحصل السعوديات على حق قيادة السيارات إلّا في عام 2018 فقط. لكن 28 ألف امرأة تقدّمن في العام الماضي، بينهن ثراء علي، لشغل 32 وظيفة كسائقات قطار الحرمين السريع الذي يقطع المسافة البالغة 450 كيلومتراً بين مكة والمدينة بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة.
كانت ثراء علي، وهي معلّمة سابقة للغة الإنكليزية، ضمن عدد قليل من المحظوظات اللواتي وقع الاختيارُ عليهن، وقد أنجزت رحلتها الأولى الشهر الفائت. وقالت لوكالة "فرانس برس" إنّ "أوّل يوم عمل ودخول القطار ومقصورة القيادة كان أشبه بالحلم". وتابعت "عندما تكون في المقصورة، ترى الأشياء تتّجه نحوك بسرعة فائقة. انتابني شعورُ الخوف والرهبة قليلاً، لكنني - والحمد لله - مع الأيام والتدريب المكثف أصبحت واثقة في نفسي". وتقول إنّني "في كلّ مرة أُنهي رحلتي أنزل من القطار فأجد المسافرين يحيّونني، ويقولون شكراً لك. الحمد لله على السّلامة"، وتتابع: "يشكرونني لأنّ الرحلة كانت سلسة".
وتروي السائقة رنيم عزوز لوكالة "فرانس برس" أنّ إحدى الراكبات اعترفت لها في نهاية إحدى الرحلات إلى المدينة بأنها لم تكن تصدق أن في استطاعة النساء تولّي هذه المهمّة إلّا بعد أن رأت ذلك بأمّ عينيها. وتضيف عزوز "قالت لي بصراحة، حين رأيت الإعلان (عن الوظائف) كنت ضدّه تماماً، كنت أقول لو أن ابنتي ستقود (القطار)، فلن أركب معها". وبعد الوصول إلى وجهتها بسلام، أكّدت الراكبة لعزوز أنها "أثبتت نفسها"، وأخبرتها بأنها لم "تشعر بأيّ فارق".
وفيما تعمل السائقات الجديدات على ترسيخ أنفسهن في وظائفهن، يركّزن على ردود الفعل الإيجابية التي تُشعرهن "بالسعادة والحماسة"، ومنها مثلاً أن ركاباً يطلبون التقاط صور سيلفي ذاتيّة معهن في نهاية كلّ رحلة.
ويقول نائب الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للسكك الحديدية، ريان الحربيّ، إن السائقات "يتمتعن بكفاية عالية، وأثبتن جدارتهن أثناء التدريب". ويرى أنّ "هذا دليل على أنّ لدى المرأة السعودية قدرة كاملة متى تم تمكينها لأداء المهام أسوة بالرجال".
لكن هذا التغيير الكبير لم يُقنع الجميع بعد، فبالنسبة للموظف الحكومي الإماراتي محمد عيسى، الذي استقلّ القطار السريع حديثاً إلى مطار جدّة، يجب أنّ تهتم النساء بالأعمال المنزلية. ويقول لوكالة "فرانس برس": "إذا غابت المرأة عن البيت، ومن المؤكّد أن العمل يؤدّي إلى ذلك، فمَن يتولى دورها؟"، مشدّداً على أن "من المهم أن تكون المرأة في بيتها".
وترى الباحثة في معهد دراسات الخليج العربي في واشنطن سوزان سيكالي أن مثل هذه الآراء تمثّل على الأرجح وجهة نظر الأقليّة بين السعوديين. أمّا الباحثة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية نجاح العتيبي، فترى أنه "من غير الممكن توقّع دعم جميع السكان كلّ سياسات البلاد"، مؤكّدة أن "أغلبيّة النّاس يدعمون التغيير".