لمرّات عدّة، تصدّرت وزيرة الثقافة رشيدة داتي المعيّنة الخميس 11 الحالي في حكومة رئيس الوزراء غبريال أتال عناوين الصحف ومن أهمها اتهامها بتورّطها بتقاضي رسوم استشارية تلقّتها من التحالف بين شركتي رينو الفرنسية ونيسان اليابانية للسيارات، خلال فترة عملها كعضو في البرلمان الأوروبيّ، وصولاً إلى اتهامها في العام 2021 بالفساد السلبي والإساءة في استخدام المال العام، مع انتظار حكم النيابة العامة المالية الفرنسية في أيلول المقبل بشأن ما إذا كانت القضية ستستمرّ أم لا في فرنسا، رغم نفيها الاتهامات الموجّهة إليها.
إذاً تعيين داتي وفقاً لجريدة لوموند الفرنسية في عددها اليوم جاء مفاجئاً، رغم أنّه حقّق لإيمانويل ماكرون "الانقلاب" الثاني في تعديله الوزاري.
بعد تعيين غابرييل أتال لرئاسة الوزراء، دخلت داتي، وزيرة العدل السابقة النشيطة (2007-2009) في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وزارة الثقافة.
وصفتها " لوموند" أنّها أيقونة حقيقية للسياسة الفرنسية، وهي معروفة على نطاق واسع لدى عامة الناس، مضيفة وفقاً للمصدر نفسه أنّ داتي، وهي عضو في حزب الجمهوريين (من اليسار إلى اليمين)، تجسّد الصيد السياسي الثمين، الذي يضفي فجأة الجاذبية على حكومة أتال الأولى، التي تضمّ الشخصيات ذات الوزن الثقيل في الإدارة السابقة - برونو لو مير أو جيرالد دارمانين أو سيباستيان ليكورنو – الذين بقوا في مناصبهم، في حين أنّه تمّ استبعاد أسماء الصحافيَّين كلير شزال وستيفان بيرن، وهما كانا متداولين لفترة من الوقت.
انتقادات مدوّية
أشارت جريدة " لوفيغارو" إلى أنّ داتي سياسية محترفة وليست لطيفة على الإطلاق. وتتولى منصبها خلفًا لريما عبد الملك، النائبة السابقة لإيمانويل ماكرون، وشغلت مهام مستشارة ثقافية في الإليزيه، ولم يكن لها نفوذ سياسي كبير بمجرّد تعيينها وزيرة.
بالنسبة إلى المشهد الثقافي، فهو موعد مزلزل لأنّه من المتوقّع أن تستخدم كلّ معرفتها السياسية، وكلّ شعبيتها (تمثالها الشمعي يحتل مكانة مرموقة في متحف جريفين الشمعي في باريس)، وكلّ شهرتها العامة ــ وإن كانت مثيرة للانقسام ــ لوضع وزارتها في منصب وزير الخارجية.
وبعيداً عن مزاجها الحازم، فإنّ داتي، 58 عاماً، وهي ابنة مبارك عامل بناء مغربي ووالدتها فاطمة ربّة منزل جزائرية، هي "دخيلة على القضايا الثقافية".
توقّفت مجلة غالا عند حياتها الخاصة مشيرة إلى أنّها تنحدر من عائلة كبيرة، وهي الطفلة الثانية في الـ12 من عمرها، وتساعد والدتها وشقيقتها الكبرى مليكة في رعاية الصغار.
شدّد المصدر نفسه على أنّها درست الاقتصاد والقانون في جامعة ديجون، لتواجه الحياة العملية خارج ساعات الدراسة، وتبني شبكة علاقات مهنية.
شكل لقاؤها في العام 1986، ألبين شالاندون، وزير العدل في حكومة شيراك آنذاك، خلال حفل استقبال في السفارة الجزائرية في باريس، نقلة مفصلية أساسية لأنّ هذا الأخير أذهلته جرأتها، فساعدها في الحصول على منصب كمديرة أبحاث في الإدارة المالية لمجموعة Elf-Aquitaine في العام 1987، وتنقّلت في مناصب عدّة مواصلة دراستها لنيل الماجستير في الاقتصاد في باريس العام 1991، ثمّ حازت درجة الماجستير في القانون العامّ عن طريق التحقّق من الإنجازات المهنية في العام 1996، لتلتحق بالمدرسة الوطنية للقضاء العام 1997، وأدّت اليمين بعد ذلك بعامين. من ساركوزي إلى ماكرون كيف تعرّفت على الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي؟ أشارت معلومات صحافية أنّه في العام 2001، بدأت حياتها المهنية كنائبة للمدّعي العام في محكمة إيفري العليا، وفي العام التالي، عقدت اجتماعًا حاسمًا لبقية حياتها المهنية، مع وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، ما دفعه إلى الطلب منها الانضمام إليه في مكتب الوزارة كمستشار فنّي، إلى أن أصبحت في العام 2004 مستشارة لمكتب وزير الاقتصاد والمالية والصناعة فمتحدثة باسم حملة المرشّح نيكولا ساركوزي خلال الانتخابات الرئاسية العام 2007، وتمّ ترقيتها إلى حارسة الأختام بعد انتخابه في أيار 2007.
اللافت أنّه سرعان ما أصبحت وزيرة تحظى بشعبية كبيرة، وأوّل امرأة من الهجرة تشغل وزارة العدل، وهي تعمل بشكل خاصّ على إصلاح الخريطة القضائيّة.
في آذار 2008، تمّ انتخابها عمدة للدائرة السابعة في باريس. تركت منصبها في وزارة العدل، التي عُيّنت فيه العام 2011، بعد انتخابها عضواً في البرلمان الأوروبيّ في تموز 2009. وفي نيسان 2014، أُعيد انتخابها عمدة للدائرة السابعة في باريس، ثمّ أُعيد انتخابها عضواً في البرلمان الأوروبيّ في الشهر التالي، إلى أن رأست في آذار 2020 رشيدة داتي قائمة الحزب الجمهوريّ في الانتخابات البلدية في باريس.
على الصعيد الشخصي، أنجبت رشيدة داتي طفلة صغيرة اسمها زهرة في 2 كانون الثاني 2009. وهي كانت لا تزال متكتّمة في شأن هوية الأب. في تشرين الأوّل 2012، رفعت دعوى قضائيّة ضدّ مدير مجموعة "كازينو" دومينيك دوسانيه للاعتراف بالأبوّة أمام المحكمة العليا في فرساي. في العام 2009، تصدّرت عناوين الأخبار في الداخل وفي جميع أنحاء العالم بعد عودتها إلى العمل كوزيرة للعدل بعد أقلّ من أسبوع من ولادة طفلها الأوّل والوحيد، معلنة أنّ إجازة الأمومة مخصّصة للجبناء، مع تشديدها على تربية ابنتها بمفردها.