تكشَّفَ عدد من الخبايا والأسرار التي تكمن وراء كمان "إل كانونيه" Il Cannone للملحن الإيطالي الكبير نيكولو باغانيني، بنتيجة مسح بالأشعة أجريَ لهذه الآلة ذات الشهرة العالمية خلال نهاية الأسبوع الفائت بواسطة جهاز السنكروترون، أو المسرّع الدوراني التزامني.
وهدفت الفحوص التي أجريت للكمان إلى تقويم حالة حفظه، وكذلك إلى تكوين فكرة أكثر وضوحاً عمّا يجعله "آلة مميزة"، لا سيّما من خلال تحليل بنية خشبه.
وكانت صفة "إل كانونيه" أو "المدفع" تُطلق على هذا الكمان نظراً إلى قوة صوت الموسيقى التي تصدح منه. وهذه الآلة التي وُلِدَت عام 1743 في مَشغَل صانع الآلات الوترية الشهير من مدينة كريمونا جوزيبي بارتولوميو غوارنيري ديل جيزو، بقيت لدى المايسترو مدى نحو أربعين عاماً، وتركها عند وفاته لمسقط رأسه جنوى.
ونظراً إلى قيمته العالية، يُعد "إل كانونيه" اليوم القطعة الأبرز في متحف جنوى، ونادراً ما يتم إخراجه منه، وتحت إجراءات أمنية مشددة جداً. ومن بين الأشخاص القليلين المسموح لهم بالعزف عليه، الفائزون في مسابقة باغانيني الدولية للكمان التي تقام كل عامين في جنوى.
ومع ذلك، أُحضِر إلى غرونوبل بهدف إخضاعه لما يسمى "فحصاً غير مدمِّر" بواسطة السنكروترون الأوروبي، وهو مسرّع جسيمات من الجيل الرابع.
أ ف ب
ومن باب الحرص على التأكد من أن شروط إجراء الفحص بأمان متوافرة، اختُبرت هذه التقنية المسماة التصوير المقطعي الدقيق بالأشعة السينية على آلتين أخريين. وأوضح المختصون القائمون على المشروع أن الجهاز المتطور يتيح تكوين صورة ثلاثية الأبعاد للكمان وصولا إلى مستوى البنية الخلوية للخشب، مع إمكان تكبيرها موضعياً في أي مكان حتى بلوغ المقياس الميكرومتري.
- "عيوب قليلة" -
وخلال الدراسة التي أجريت بناءً على طلب إدارة مسابقة باغانيني، أُبقيَ الكمان داخل أنبوب زجاجي وُضع على آلة، هي نفسها أحيطت بقفص زجاجي أكبر بحيث تظل ظروف درجة الحرارة والرطوبة مناسبة، وهو ما شكّل "الهاجس الأكبر" للفريق العلمي، بحسب بعض أعضائه.
وشملَ التحليل "مسحاً كاملاً عند 30 ميكرون لوضع خريطة للعيوب المحتملة"، وفق ما شرَحَ العالِم بول تافورو، المسؤول عن قاعة BM18 الواسعة التي تضم الآلات، حيث أجريَ الفحص. وقال تافورو إن الفحص بيّن في النهاية وجود "عدد قليل جدا من العيوب"، مشيراً إلى أن تكبيراً أكثر دقة أُجريَ للمناطق المهمة.
وحرص الفريق الذي استخدم جرعة منخفضة جداً من الأشعة السينية، على عدم تشكيل "أي خطر" على الكمان، بحسب ما أكّد عالم الحفريات السابق الذي تولى في السنوات الأخيرة إجراء دراسات عن قطع أثرية ثمينة أخرى، كجمجمة توماي، أقدم كائن بشري معروف، أو متحجرات نادرة جداً لديناصورات الأركيوبتركس ذات الريش.
وأوضح تافورو أن "الهدف الأول هو الحفظ. وإذا كانت توجد عيوب معينة تتطلب التصليح، فستتوافر عنها كل التفاصيل" التي تتيح ذلك. ورأى عازف الكمان الهاوي هذا أن "العمل على هذا الكمان كان بمثابة حلم".
وأضاف "البُعد الثاني هو أن هذا الكمان آلة مميزة لصفاته الصوتية، وبفضل هذه البيانات، نأمل في أن نكوّن فكرة أكثر وضوحاً عن سبب تمتعه بهذه الجودة الصوتية".
- "حذر شديد" -
واعتبرت القنصل العام لإيطاليا في مدينة ليون، الفرنسية كيارا بيتراكا التي كانت حاضرة أنها "تجربة مؤثرة واستثنائية".
وأشار لويجي باولاسيني الذي أدار المشروع في السنكروترون الأوروبي إلى أن "هذه التجربة الرائعة التي يتقاطع فيها العلم والموسيقى والتاريخ (...) تفتح إمكانات جديدة لدراسة الحفاظ على الآلات الموسيقية القديمة".
وأفاد بأن عملية نقل الكمان كانت "معقّدة جداً"، مشيرا إلى أن الكمان "مؤمّن بمبلغ يصل إلى 30 مليون يورو".
ويُتوقع أن يستغرق ظهور نتائج فحص الكمان شهورا لتحليلها بالتفصيل.
وأياً كانت هذه النتائج، شدّد ألبرتو جوردانو، المسؤول عن حفظ هذه الآلة الثمينة في جنوى، على ضرورة توخي "الحذر الشديد" في التعامل مع الكمان لضمان انتقاله "من دون اضرار إلى الأجيال المقبل".
وقال مازحا "لقد تقدمت في السن لكنه بقي على حاله، وهذا أمر جيد جداً".