في أجواء احتفالية، تخلّلتها رقصات صينية، استقبلت كاليفورنيا، الخميس، حيوانَي باندا جديدَين، هما الأولان ترسلهما بيجينغ إلى الولايات المتحدة منذ 21 عاماً.
وشاءت الولاية الأميركية أن تُخصّص هذا الترحيب الديبلوماسي المميّز لـ"يون تشوان" و"شين باو"، اللذَين يُمثّل تسليمهما إلى الولايات المتحدة خطوة شديدة الرمزية.
وبعد رحلة نقل الحيوانَين بالطائرة من منطقة سيتشوان الجبلية إلى كاليفورنيا، لمسافة أكثر من 11 ألف كيلومتر، أصبح الذكر البالغ أربع سنوات والأنثى البالغة ثلاث سنوات، بلا منازع، نجمَي حديقة سان دييغو للحيوانات.
وقال الفرنسي السويسري غيّوم كوركو، الذي يمضي إجازة في الولايات المتحدة مع ولديه وزوجته: "أراد أطفالي رؤية شيئَين فقط في أميركا: الحيتان القاتلة وحيوانات الباندا". وأضاف بعدما تمكّن أخيراً من اجتياز طابور يضم مئات المنتظرين أنّ نجليه "تأثّرا جداً".
ورحّب حاكم الولاية غافن نيوسوم بما وصفه بـ"هَوَس الباندا"، وأعلن رسمياً تاريخ 8 آب "يوم الباندا" في كاليفورنيا.
وأوضح الحاكم المنتمي إلى الحزب الديموقراطي أنّ الاحتفال "هو بأمر أعمق بكثير وأكثر ثراءً من حيوانَي الباندا هذين". وأضاف: "الأمر يتعلّق بالاحتفال بإنسانيتنا المشتركة والأشياء التي تجمعنا".
حتى الأمس القريب، كان يبدو أنّ إعارة هذين السفيرين غير واردة، نظراً إلى العلاقات المتوترة منذ سنوات بين الصين والولايات المتحدة، إن على مستوى المنافسة التجارية الشرسة، أو لجهة الخلافات في شأن تايوان وحقوق الإنسان.
حتى أن ّ"ديبلوماسية الباندا" التقليدية التي تنتهجها بيجينغ بدَت مهدّدة. ففي حدائق الحيوانات في واشنطن وأتلانتا وممفيس، كانت صلاحية اتفاقات إعارة الباندا تنتهي من دون تجديدها.
لكن خلال قمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ في تشرين الثاني، أعلن زعيم الدولة الآسيوية العملاقة أنّ حكومته ستواصل تعاونها مع الولايات المتحدة، وهو رمز دبلوماسي قوي يساهم أيضاً في الحفاظ على هذا النوع المعرّض للخطر.
وبالإضافة إلى سان دييغو، يُتوقّع أن تستقبل حديقتا الحيوان في واشنطن وسان فرانسيسكو حيوانات باندا جديدة بحلول السنة المقبلة.
"مستقبل مشترك"
قدّمت الصين أول حيوانات الباندا إلى الولايات المتحدة عام 1972، في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون.
ولم تتوانَ بيجينغ أيضاً عن استخدام هذه الحيوانات السوداء والبيضاء في توجيه الرسائل السياسية، إذ استعادت مثلاً اثنَين من "سفرائها" المنتمين إلى "سلك الباندا الديبلوماسي" يوم التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2010 الزعيم الروحي البوذي لشعب التِبت الدالاي لاما الذي تعتبره بيجينغ زعيماً انفصالياً.
وتُقيم حديقة سان دييغو للحيوانات منذ 30 عاماً شراكة مع السلطات الصينية. وقد حصلت على اثنين من الباندا عام 1996، أنجبا ستة أشبال في الأسر. لكن تمت إعادت كل هذه الحيوانات إلى الصين عام 2019، وفقاً للاتفاقات السابقة.
لذلك، تشعر إدارة حديقة سان دييغو بالارتياح لاستضافتها حيواني الباندا الجديدين، إذ من شأنهما جذب آلاف الزوار وفي الوقت نفسه توفير ظروف مناسبة لتكاثر النوع، الصعب أصلاً في البرية، إذ أن إناث الباندا تكون خصبة لمدة يومين إلى ثلاثة أيام فحسب في السنة.
وقال رئيس منظمة "سان دييغو زو وايلدلايف أليانس" (San Diego Zoo Wildlife Alliance) بول باريبولت: "نحن جميعاً متّحدون اليوم حول هدف مشترك هو حماية مستقبلنا المشترك وحمايته".
وأضاف: "لكي يتمتع الناس بصحة جيدة، يجب أن تكون النّظم البيئية بصحة جيدة أيضاً. ولكي تكون النظم البيئية بصحة جيدة، يجب أن تكون النباتات والحيوانات بصحة جيدة".
ومع أنّ حيوانات الباندا لم تَعد مهددة بالانقراض، إلّا أنّها لا تزال من الأنواع المعرضة للخطر. ولم يتبقَّ سوى حوالي 1860 حيوان باندا في البرية في مختلف أنحاء العالم، وفقاً للصندوق العالمي للطبيعة.
ووصفت حديقة الحيوانات "يون تشوان" بأنّه "رقيق ولطيف وظريف"، وهو سُمّيَ كذلك على اسم جدّته، "باي يون"، التي كانت ضمن أول زوج من الباندا أعيرت إلى سان دييغو.
أما "شين باو"، فهي "انطوائية وحساسة وذكية"، واسمها يستحضر "الرخاء" و"الوفرة".
وقال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة شيه فنغ: "نأمل في أن تجلب الحظ السعيد لكاليفورنيا وسان دييغو".
وكتب له طفلان من كاليفورنيا رسائل عدة يقترحان فيها مبادلة حيوانات باندا بدببة بنية شهيرة من كاليفورنيا.
وختم قائلاً: "يسعدني أن أقول لهما (...) إن حلمهما أصبح حقيقة، ولو لم ترسلوا لنا الدببة الرمادية".