ارتفع سعر صرف الدولار في اليومين الماضيين إلى مستويات غير مسبوقة تجاوز عتبة الـ47 ألف ليرة أمس الإثنين. وتدخّل مصرف لبنان اليوم ليرفع سعر منصة "صيرفة" إلى 38 ألف ليرة، في خطوة آنية تشبه خطوات شبيهة قام بها المركزي سابقاً لإبطاء مسار الانهيار. وإثر قرار الحاكم المركزي رياض سلامة، سجّل سعر صرف الدولار في السوق السوداء انخفاضاً كبيراً، وتراوح بين 39,000 و43,000 ليرة بين الصرافين الذين يعيشون حالة من التخبّط والعشوائية.
ماذا يعني أن يرتفع سعر "صيرفة" إلى 38,000 ليرة؟ وهل تتسارع وتيرة ارتفاع سعر الدولار في الأيام القليلة المقبلة؟
يشرح الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو، في حديث لـ "النهار"، أنّ التقلّبات بسعر الصرف هذه متوقَّعة، لكنّها لعبة مؤذية بحيث يضخ المركزي كتلة نقدية كبيرة بالليرة في السوق، تذهب للمضاربين، وبذلك، سعر الصرف من المستحيل أن ينخفض إلى مستوياته السابقة". فالإجراء الذي قام به المركزي يقوم به عادة كل بضعة أشهر، والآن اشترى الدولار من السوق السوداء على سعر حوالي 47 ألف ليرة، وسيبيعه للمصارف والتجار على سعر 38 ألف ليرة.
والهدف من هذا الإجراء، بحسب قانصو، "لجم الانهيار وشراء الوقت". لكن هناك فرق بين تقلّبات سعر الصرف على المدى القصير، والمسار الذي يسلكه الدولار على المدى المتوسط والبعيد. فما نشهده اليوم وما شهدناه في اليومين الماضيين، هو تقلبات على المدى القصير. لكن مسار الدولار، ومنذ العام 2019 حتى اليوم، هو تصاعدي بامتياز، ومن الطبيعي أن نشهد تقلبات قاسية قصيرة المدى.
وعمّا يعنيه ارتفاع "صيرفة" إلى 38 الف ليرة، يؤكّد قانصو أنّ "هذا إقرار غير مباشر للناس بأنّ سعر صرف الدولار من المستحيل أن ينخفض بعد تحت 30 ألف ليرة". أي أنّ حالياً، "المركزي هو الذي يتبع سعر السوق الموازية وليس السوق الموازية التي تتبع منصة "صيرفة".
والهدف من رفع سعر "صيرفة" إلى 38000 ليرة، وفق قانصو، هو تقليص الفارق بين سعر صرف الدولار في السوق الموازية و"صيرفة" لتقليص خسائر المركزي. فهو اشترى الدولارات على 47 و48 ألف ليرة، وسيبيعها على 38 ألف ليرة، أي أنّ هناك خسائر بحدود الـ 10000 ليرة يتحمّلها المركزي.
وبرأي قانصو، لا يمكن أن يستمر المركزي بهذه العملية لوقت طويل، ولم يعد قادراً على التدخّل بالسوق كالسابق، فاحتياطه انخفض وأصبح 9 مليارات دولار. لذلك، "يمكن أن نشهد قفزة جديدة بسعر الدولار في الأسبوعين المقبلين شبيهة بقفزة اليومين الماضيين، وسيصبح ارتفاع سعر الدولار بوتيرة سريعة بدون أي سقوف، كون المركزي غير قادر على المحافظة على استقرار سعر الدولار لفترة طويلة".
وهذا المسار طبيعي ومستمر، يراه قانصو، إلّا إذا شهدنا خرقاً إيجابياً على مستوى تطبيق الإصلاحات وانتخاب رئيس الجمهورية.
وسعر الدولار يتخطى الحواجز النفسية، وكما تأقلم الناس بارتفاعه من 40 إلى 50 ألفاً، يمكن أن يتقبّلوه نفسياً أكثر من قفزته من 1500 ليرة إلى 8000 ليرة، "فالناس دخلوا في لعبة الانهيار كون الاقتصاد أصبح مدولراً تقريباً والمواطنون تأقلموا وهناك شريحة لا بأس بها من الناس الذين أصبحوا يتقاضون ولو جزءاً من رواتبهم بالدولار، ولولا ذلك، لكان الوضع اجتماعياً أسوأ من ذلك بكثير".