بعد هدوء لافت على ساحة المودعين، عادت قضية الأموال المحتجزة في المصارف إلى الواجهة على خلفية الدعوى القضائية الجماعية التي رفعها اللبناني كريم نجار المقيم في الولايات المتحدة في محاكم نيو جيرسي نيابة عن نفسه وعن المودعين المتضررين في عدد من المصارف اللبنانية ضد مصرف لبنان وحاكمه السابق رياض سلامة وعدد من المصارف اللبنانية. كذلك شملت الدعوى عدداً من مدققي الحسابات الذين يتهمونهم بالانخراط في نشاط إجرامي من أجل الاحتيال على المودعين. الدعاوى رُفعت عبر مكاتب كونيو جيلبرت أند لادوكا، تشيكي برودي أند آنيلو، لوكريدج غريندال أند ناوين، ومجموعة باريت للقانون.Cuneo Gilbert & LaDuca, Cecchi Brody & Agnello, Lockridge Grindal & Nauen, and Barrett Law Group.
ووفق نص الدعوى المؤلف من 42 صفحة، يتهم نجار ومن يمثلهم، المدعى عليهم بجرم "سرقة أموال المودعين والتلاعب بأسعار الفوائد، وكذلك باحتجاز المصارف الودائع الأجنبية لمودعيها عن طريق الكذب والاحتيال. كما أن الجهات المتهمة، انخرطت في مخطط دولي للاحتيال على المودعين، وعلى الودائع بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان.
وفي انتظار أن تصادق المحكمة الأميركية على هذه الدعوى، يواجه المتهمون دعاوى تتعلق بتبييض الأموال والاستعانة بمصادر أميركية لتسهيل تبييض تلك الأموال التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني، بمساعدة موظفين عموميين فاسدين، وأنه تم تحويل بعض تلك الأموال إلى مصارف في سويسرا ودول أخرى. وذكرت المكاتب التي تقود الدعوى، أن الجهات المدعى عليها "أفادت من الفوضى الاقتصادية التي حصلت بعد الحرب الأهلية. واستهدفت المصارف مواطنين أميركيين، وتحديداً الأميركيين من أصل لبناني، من خلال تقديم أسعار فائدة مرتفعة بشكل لا يصدّق والترويج للعلاقات القوية مع البنوك الأميركية".
وفيما تؤكد مصادر مصرفية أن لا تأثير لهذه الدعوى على علاقة المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة، مستنداً في ذلك الى دعاوى سابقة أمام القضاء الأجنبي، تستخلص الأستاذة المحاضرة في القانون الدولي الدكتورة جوديت التيني من الادعاء المقدم الى محكمة نيو جيرسي الأميركية نقاطاً عدة منها أنها "دعوى جماعية class action من عدة مودعين في المصارف اللبنانية ولا سيما منهم مغتربين لبنانيين يحملون الجنسية الأميركية ومقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، وليست دعوى فردية، ما يمنحها تأثيراً أكبر أمام القضاء، فضلاً عن أن المطالبة تتعدّى ردّ الودائع المصرفية لتصل حدّ المطالبة بتعويضات كبيرة، وهذا أمر مهم وجدير بالذكر".
وتؤكد أنها "ليست الدعوى الأولى ولن تكون الأخيرة ضد مصارف لبنانية ومصرف لبنان، والحاكم السابق رياض سلامة، أما الجديد فهو أنها مقامة أيضاً بوجه شركات تدقيق ومحاسبة عالميّة تولت التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمصارف اللبنانية المعنيّة بالادعاء".
ويستند المدعون في مطالبهم الى القانون الفيديرالي الأميركي RICO - the racketeer influenced and corrupt organizations act لعام 1970. وهذه المرة الأولى وفق ما تقول التيني التي يُستند فيها الى هذا القانون في الدعاوى المقامة في الخارج. والقانون معرف عنه بأنه قانون المنظمات الاحتيالية والفاسدة ويهدف الى مكافحة الجريمة المنظمة عبر السماح بالملاحقة القضائية وإنزال العقوبات بسبب أنشطة الاحتيال وسواها والتي تُنفّذ في إطار مشروع استمر في الزمن. وفي هذه القضية يدّعي المدّعون وجود عمل مشترك بين مصرف لبنان والمصارف التجارية في إطار مشروع the lebanese banking entreprise استمر لسنوات وكان الهدف منه تضليل المودعين والإيحاء بأن الوضع المالي مستقرّ لجذب الودائع من الخارج.
صحيح أن الدعوى لا تزال في بداياتها، ولكن العبرة برأي التيني هي أولاً لإعلان المحكمة اختصاصها للنظر فيها والبحث في نقاط الشكل، على أن تبت المحكمة بالمضمون، لنرى ما ستكون خلاصة الدعوى".
وتلفت الانتباه الى أن "مداعاة مصرف لبنان قد لا تكون منتجة، لأن المصارف المركزية الأجنبية تتمتع من حيث المبدأ بحصانة سيادية في الولايات المتحدة الأميركية وفقاً للقانون الأميركي، ما يحميها من المقاضاة أمام المحاكم الأميركية".
مع ذلك توضح التيني أن ثمة "بعض الاستثناءات على هذه الحصانة، ومن بينها خروج البنك المركزي عن نشاطه التقليدي كبنك مركزي وقيامه بنشاط يتسم بالصفة التجارية، ولا بد للجهة المدعية أن تثبِّت ادعاءها هذا. ويعني خروج البنك المركزي عن نشاطه التقليدي أي خروجه عما يتعلق بإدارة العملة الوطنية وحفظ الاحتياطات النقدية للمصارف التجارية وحماية المودعين وتعزيز الاستقرار المالي".
وإذ تشير الى أن "الادعاء في الخارج حق لللبنانيين حملة جنسية أجنبية"، بيد أنه في رأيها "بات يشكل امتيازاً أيضاً لهؤلاء مقارنة باللبنانيين المقيمين في لبنان وغير الحاملين لجنسية أجنبية. فالأخيرون ليس لهم سوى الاتكال على القضاء اللبناني الذي أخرت عمله الإضرابات الطويلة وبطء المسار القضائي اللبناني".
وتختم أن "من أوجه الغبن اللاحق بالمودع في لبنان أن عدداً من مشاريع واقتراحات القوانين التي أعدت لمعالجة الوضع المصرفي والمالي سعت الى حجب كل إمكانية لمداعاة المصارف من قبل المودعين، ولحسن الحظ لم نعد نسمع بهذه المشاريع وأُخرجت من التداول".