بعث إفلاس "بنك سيليكون فالي" الذي كان يُعتبر مصرفاً متيناً وغرق في يومين فقط، إشارات إنذار للقطاع المصرفي، غير أنّ مخاطر العدوى المعمّمة تبقى محدودة برأي عدد من المحللين.
أوضح المحلّل في مركز التحليل والبحث المالي (CFRA) كين ليون أنّ المشكلات التي واجهها المصرف "محدّدة للغاية" وليس من شأنها "التأثير على مجمل القطاع المصرفي، وخصوصاً المصارف الكبرى"، لافتاً إلى أنّ الشروط المشدّدة التي فرضتها الهيئات الضابطة بعد الأزمة المالية عام 2008 أدّت دورها.
أبدى محلّلو "مورغان ستانلي" الرأي ذاته مشدّدين في مذكرة: "سوف نكون في غاية الوضوح (...) لا نعتقد أن القطاع المالي يواجه أزمة نقص في السيولة".
بدورها، أكّدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الجمعة أنّ القطاع المصرفي "صامد"، فيما أشارت مستشارة اقتصادية للبيت الأبيض سيسيليا راوس إلى أنّ القطاع "مختلف بصورة جوهرية عمّا كان عليه قبل عشر سنوات".
بعد إفلاس مصرف "ليمان براذرز" والأزمة المالية في 2008 - 2009، فرضت الهيئات الضابطة على المصارف شروطاً مشدَّدة ولا سيما على صعيد الرساميل الواجب رصدها للتعويض عن خسائر محتملة. كما تُنظّم السلطات الأوروبية والأميركية بانتظام اختبارات إجهاد للمصارف الكبرى.
صعوبات في التوقّع
غير أنّ إريك كومتون من شركة "مورنينغستار" للخدمات المالية لفت إلى أنّه "قد يكون من الصعب للغاية توقّع" كيفيّة تطوّر المخاطر المرتبطة بمستويات السيولة خلال فصل و"متى يمكن أن تتحقّق".
يرى محللو "مورغان ستانلي" أنّ بنك "سيليكون فالي" الذي أغلقته السلطات الأميركية الجمعة عانى جرّاء تركيزه على نوع محدّد من العملاء. وذكروا أنّ المصرف كان يمول "بصورة رئيسية شركات في مجالي التكنولوجيا والتكنولوجيا الأحيائية من أجل الصحة، وكان جزءاً من بيئة رأس المال المُخاطر".
لكن بين رفع معدلات الفائدة الذي تسبّب بارتفاع كلفة القروض، وصعوبات قطاع التكنولوجيا نفسه، قام عملاء المصرف بسحب الكثير من الأموال في الأشهر الأخيرة. وتحتّم تالياً على المصرف جمع سيولة بصورة عاجلة، فأعلن مساء الأربعاء عزمه على جمع رساميل من غير أن يتمكّن من ذلك. عمد إلى بيع سندات مالية بقيمة 21 مليار دولار، لكنّه خسر في هذه العملية 1,8 مليار دولار.
وبما أنّ معظم عملاء المصرف لديهم أكثر من 250 ألف دولار في حساباتهم، وهو الحدّ الأقصى الذي تُعيد السلطات الأميركية تسديده عادة في حال الإفلاس، حاول العديد منهم سحب أموالهم، ما سرّع انهيار المصرف.
وبعدما خيّمت موجة ذعر الخميس على "وول ستريت"، عادت المصارف الأميركية الكبرى ووطّدت أوضاعها الجمعة، فيما استمرّت الصعوبات بالنسبة للمصارف الأكثر تخصصاً.
في السياق، تراجعت أسهم مصرف "فيرست ريبابليك بنك" الذي يتوجّه بصورة عامة إلى عملاء أثرياء، بنسبة 15 في المئة، فيما خسر "سيغناتشر بنك" المنكشف بقوة على قطاع العملات المشفرة 23 في المئة من قيمة أسهمه.
620 مليار دولار من الخسائر المحتملة
سلّطت الخسائر المتأتّية عن بيع بنك "سيليكون فالي" سنداته المالية الضوء مجدّداً على المخاطر التي تواجهها المصارف جرّاء زيادة الاحتياطي الفدرالي الأميركي معدّلات الفائدة منذ سنة سعياً لمكافحة التضخّم.
وأوضح كين ليون أنّ المصارف تستفيد من هذه السياسة النقديّة من جهة "لأنّها تزيد صافي دخل الفوائد"، أي الفارق بين الفوائد التي يجنيها المصرف لقاء القروض الممنوحة لزبائنه والفوائد التي يسدّدها للمدّخرين.
لكنّ هذا يزيد كذلك الفوائد على المبالغ التي تقترضها هي نفسها ويؤثّر على "الطلب على القروض"، بحسب المحلل.
كما أنّ زيادة معدلات الفائدة تخفض تلقائياً قيمة السندات التي تملكها المصارف.
حذّرت المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع (FDIC) مؤخراً من أنّ خسائر المصارف المحتملة بهذا الصدد ترتفع حالياً إلى 620 مليار دولار.
ولفت كين ليون إلى أنّه ليس هناك أسباب يمكن أن تدفع المصارف الكبرى التي تملك ودائع "كافية بوفرة" آتية من "مصادر متنوّعة" إلى بيع سنداتها بخسارة قبل بلوغ استحقاقها.