في تقريره السنوي حول توقّعاته للسيارات الكهربائية، أشار فريق "بلومبرغ إن إي أف" إلى كيفية تطوّر وسائل النقل البري المختلفة على مدى العقود المقبلة، وحدد تأثير هذا التطور على أسواق النفط، والطلب على الكهرباء، والبطاريات، والمعادن والموادّ المستخدمة والبنية التحتية للشحن، والانبعاثات.
وأبرز الوقائع المثيرة للاهتمام التي تضمنها تقرير "بلومبرغ":
مبيعات سيارات الاحتراق تتراجع بشكلٍ ملحوظ بعد بلوغها الذروة لا تزال مبيعات السيارات تتعافى من تأثير كورونا ونقص أشباه الموصلات، فضلاً عن عوامل كثيرة. ومن المتوقع أن ينتعش سوق السيارات بشكل عام خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن مبيعات السيارات الكهربائية ترتفع بسرعة تكفي لتعيق عودة مركبات الاحتراق إلى ذروتها السابقة.
وتُقدِّر "بلومبرغ إن إي أف" أنّه بحلول عام 2025، ستتراجع مبيعات السيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي بنسبة تقل عن 19 في المئة من ذروتها في عام 2017. ورغم التحوّل في مجال النقل البري لا يحدث ذلك بالسرعة الكافية للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، إلاّ أنّه لا يزال يشهد تطوراً ملحوظاً بعد مرور أكثر من 100 عام على نمو محركات الاحتراق الداخلي.
تزايد الاعتماد على الطاقة الكهربائية في مختلف وسائل النقل البري تشير بعض الدراسات إلى التحوّل الكهربائي الواسع للمركبات في كلّ من الاقتصادات الغنية والناشئة. ومثلاً، تُسيّر الصين 685 ألف آلية نقل عام كهربائية على الطرقات و195 مليون حافلة كهربائية ذات عجلتين. كما سجّلت مبيعات المركبات الكهربائية في كوريا الجنوبية 17 في المئة خلال العام الماضي. أمّا في الهند، فإن ما يقارب الـ40 في المئة من المركبات الثلاثية العجلات هي بمعظمها كهربائية.
معركة حادّة بين خلايا وقود الهيدروجين والبطاريات المستخدمة في الشاحنات الثقيلة؟ دارت نقاشات، قبل نحو 10 سنوات، حول ما اذا كان الجيل الجديد من السيارات سيعمل بالبطاريات أو خلايا الوقود. وقد تمّ تسوية ذلك إلى حدٍّ كبير الآن، بحيث يقُدِّر عدد السيارات الكهربائية الجديدة بنحو 20 مليون سيارة، بينما يبلغ عدد السيارات التي تعمل بخلايا الوقود أقلّ من 50 ألف سيارة. حتى أنّ "تويوتا"، الداعم الأكبر لاعتماد الهيدروجين لم تبلغ هدفها المتواضع ببيع 30 ألف سيارة تعمل بخلايا الوقود سنوياً حتى الآن، حيث باعت 5 آلاف و930 منها فقط في عام 2021.
وفي هذا السياق تغيّر مجرى النقاشات اليوم ليشمل الشاحنات الثقيلة التي تعتمد حتّى الآن على خلايا الوقود. لكن كلّ هذه البيانات تصب في النتيجة نفسها. حيث كشف إحصاء عالمي في تقرير، أنّ توقعات هذا العام تُشير إلى أن 68 شاحنة ثقيلة كهربائية تتوفّر اليوم، بينما يعتمد طرازان فقط منها على خلايا الوقود.
الطلب المتوقع على الكوبالت لتشغيل السيارات الكهربائية يستمر في التراجع معظم كثافة الليثيوم الموجود في "بطاريات الليثيوم أيون" المستخدمة في المركبات الكهربائية موجودة في عائلة الكوبالت التي تشمل تركيبة المنغنيز والنيكل، أو في بطاريات "أن أم سي" التي تستخدم النيكل والمنغنيز والكوبالت بنسبٍ متفاوتة في القطب الكهربائي للمركبة.
ومن المرتقب أن يزيد الطلب على الكوبالت، ولكن بأقلّ بكثير ممّا كان متوقعاً في السابق. حيث أدى ارتفاع أسعاره مع مخاوف أزمات سلاسل التوريد إلى تسريع استبداله بمواد كيميائية مختلفة، بما في ذلك الفوسفات والحديد والليثيوم، أو ما يعرف بـ"إل أف بي"(LFP) .
ويشير ذلك إلى أنّ الأسعار المرتفعة لا تدفع الاستثمار في إمدادات جديدة فحسب، بل أنّها تحفّز استبدال جانب الطلب أيضاً. وتدعو الحاجة إلى ضخّ كميات كبيرة من الاستثمارات الجديدة في جميع مجالات سلاسل توريد البطاريات، لكن هناك أسباب وجيهة للتشكيك في التحذيرات من استمرار النقص الدائم. ومن المرجح أن تواجه الموادّ الخام التي تدخل في صناعة البطاريات بالتقلبات التّي طرأت على أسواق السلع الأساسية على المدى الطويل. ولذلك فإنّ حلّ ارتفاع الأسعار هو ارتفاع الأسعار نفسه.
صافي الانبعاثات الصفرية يتطلب أكثر من مجرد تغيير نظام الدفع في السيارات مجرد تبديل أنظمة الدفع داخل السيارات ليست الطريقة الأكثر فعالية للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050. ويتضمن تقرير التوقعات لهذا العام سيناريو انخفاض الطلب الذي يبحث في الخطوات التي تعتمدها الحكومات لمكافحة الاعتماد على السيارات. فإنّ خفض المسافات المقطوعة في السيارات ولو بنسبة قليلة أي نحو 10 في المئة على مستوى العالم يمكن أن يُسهّل في الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
ويمكن لبعض التدابير أن تضمن تحقيق ذلك من خلال الاعتماد على وسائل نقل أخرى، تأتي وسائل النقل النشطة (ركوب الدراجات الهوائية، وممارسة المشي) في الدرجة الأولى، فضلاً عن اعتماد وسائل النقل العام.
في هذا السيناريو، ينخفض عدد السيارات العالمي بمقدار 145 مليون سيارة بحلول 2050، ما يساهم بتراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتراكمة بمقدار 2,25 غيغا طن، وخفض الطلب السنوي على البطاريات بمقدار 433 غيغاوات/ساعة. ما يُقلّل بالتالي من الضغط على سلاسل التوريد. ومن الضروريّ تطبيق كلّ ما ورد أعلاه، لنكون على المسار الصحيح نحو هدف صافي الانبعاثات الصفرية.