نقلت وكالة "رويترز" أربعة مصادر مطّلعة أنّ "مسودة البرنامج الانتخابي لـ(حزب العدالة والتنمية)، الذي يتزعّمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تكشف عن عودة إلى سياسات أكثر تقليدية بشأن اقتصاد السوق الحرة".
من المقرّر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في تركيا بتاريخ 14 أيار. وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ إردوغن سيواجه أكبر تحدٍّ انتخابيّ له خلال فترة تولّيه الحكم المستمرّة منذ عقدين. فقد تأثّرت شعبية الرئيس بشكل أساسيّ بسبب تراجع مستويات المعيشة نتيجة انخفاض قيمة الليرة التركية، في وقت بدأت أنقرة اتّباع نموذج اقتصادي مُثير للجدل قائم على خفض أسعار الفائدة.
في العام 2021، شرعت تركيا في تطبيق سلسلة من إجراءات خفض أسعار الفائدة في مواجهة التضخّم المرتفع، متحدّية السياسة النقدية التقليدية، وسارت عكس الاتجاه العالمي المتمثّل برفع الفوائد على القروض.
خفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس في عام 2021، ثمّ مرة أخرى في عام 2022 بعدما دعا إردوغان إلى الخفض.
كما أدّى الارتفاع الحادّ في أسعار الطاقة والغذاء نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022 إلى زيادة التضخّم في تركيا بأكثر من 85 في المئة العام الماضي.
تفاقمت مشاكل تركيا الماليّة أيضاً عندما ضرب زلزال ضخم مناطقها الجنوبية في السادس من شباط، أسفر عن تشريد الملايين وخسائر بمليارات الدولارات.
ووفق مصادر "رويترز" المطّلعة على المسودة، "لن يُشير برنامج (حزب العدالة والتنمية) للانتخابات المقبلة إلى أحدث السياسات الاقتصادية التركية، لكنّه سيعود في المقابل إلى نهجه السابق الأكثر تقليدية".
وقالت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنّها، وفق "رويترز"، "غير مخوّلة بالحديث عن الموضوع"، إنّ إردوغان "يُريد إعطاء دور كبير في إدارة الاقتصاد لنائب رئيس الوزراء ووزير المال السابق محمد شيمشك"، الذي يحظى بتقدير كبير في الأوساط الدولية.
ارتفع التضخّم في تركيا إلى أعلى مستوى له منذ 24 عاماً عندما قفز فوق معدّل 85 في المئة في تشرين الأول مدفوعاً بسلسلة خفض غير تقليدية لأسعار الفائدة سعى إليها إردوغان وأدّت إلى انهيار الليرة في أواخر عام 2021.
ومنذ آب، تشهد العملة التركية استقراراً إلى حدٍّ كبير بفضل قبضة السلطات القوية على السوق.
في الإطار، قال مسؤول حكومي حول المسودة إنّ "النهج الاقتصادي مشابه جدّاً لذلك المنصوص عليه في البرنامج الانتخابي لـ(حزب العدالة والتنمية) لعام 2002. وبعبارة أخرى، يعود الحزب إلى أصوله"، موضحاً أنّ العمل على هذا البرنامج وصل إلى المرحلة النهائية.
وذكر أنّ أولويات البرنامج تشمل القواعد والممارسات لاقتصاد السوق الحرّة بالتوازي مع تلك المطبّقة في الاقتصاد العالمي، مع "عدم وجود أيّ مؤشر على أيّ نوع من الممارسات غير السوقية".
رفض "حزب العدالة والتنمية" التعليق على الأمر. ولم يتسنَّ لوكالة "رويترز" الوصول إلى شيمشك للتعقيب، في وقت قال مسؤول كبير في الحزب إنّ البرنامج لم يُشِر إلى النموذج الجديد للاقتصاد، لكنّه شدّد على المبادئ التي دعا إليها الحزب في السابق، مثل مكافحة التضخّم والمحاسبة في القطاع العام والشفافية في المناقصات.
وأشار إلى أنّه لا بدّ من موافقة إردوغان النهائية على البرنامج، وأنّه لم يُبدِ أيّ رأي مخالف حتى الآن، مضيفاً: "إذا وافق عليه، فسيُحدث ذلك في النهاية تغييرات جذرية في كلٍّ من الحكومة وإدارة الاقتصاد".
يأتي تعيين سيمشك من ضمن أهداف إردوغان، وقد وقال المسؤول إنّ "تركيا كلّها تعرف نهج شيمشك ونجاحه. إذا تولّى المنصب، فلا مفرّ من تغيير جذري في السياسات الاقتصادية والبيروقراطية وسيعمل أعضاء مجلس الوزراء معه في وئام".
بدوره، قال مصدر مطّلع آخر إنّه بالإضافة إلى "حزب العدالة والتنمية"، تريد ثلاثة أحزاب من تحالف المعارضة الرئيسي العمل مع شيمشك.
في العام 2012، عندما شارك شيمشك بنشاط في إدارة الاقتصاد، بلغت حصة الأجانب في سوق السندات المقومة بالليرة ذروتها عند نحو 25 في المئة. وتُظهر بيانات الخزانة أنّها استقرّت عند 0.8 في المئة في نهاية كانون الثاني. وظلّ شيمشك نائباً لرئيس الوزراء حتى عام 2018.
وقالت أربعة مصادر بارزة في تحالف المعارضة لـ"رويترز" في وقت سابق إنّ التحالف يعتزم تعيين نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان نائباً للرئيس للشؤون الاقتصادية إذا فاز في الانتخابات الرئاسية.
ويحظى باباجان، مثل شيمشك، بتقدير المستثمرين الأجانب.
زادت الزلازل المدمّرة، التي أودت بحياة أكثر من 48 ألف شخص في تركيا، من التحدّي الذي تواجهه الحكومة في الفوز بأصوات الناخبين في انتخابات أيار. وفي أعقابه، ارتفع عجز الموازنة إلى 171 مليار ليرة (تسعة مليارات دولار) في شباط، كما قفز عجز الميزان التجاري إلى 12.2 مليار دولار في الشهر نفسه.