منذ الحرب في أوكرانيا، كافحت أوروبا لاستبدال واردات الطاقة الروسية، وتكافح مع ارتفاع أسعار الطاقة. وقبل الحرب، كان الغاز الطبيعي الروسيّ يمثل 40 في المئة من استهلاك أوروبا.
لكن صراعات الصين خفّفت بعض الضغط، فإغلاق المصانع، والاقتصاد المتدهوِر يعني أنّ الصين لا تحتاج إلى قدر كبير من الغاز الطبيعي كما كان من قبل، وبالتالي يمكنها إعادة بيع بعض الغاز الطبيعي المُسال الزائد إلى أوروبا. هذا ما قاله سيمون تاغليابيترا، الخبير البارز في الطاقة وسياسة المناخ في مركز الأبحاث Bruegel الكائن في بروكسيل، لمجلة Fortune.
لكن مع احتمال استمرار أزمة الطاقة لفترة أطول من شتاء واحد فقط، بدأت أوروبا تقلق بشأن ما ستفعله الصين بعد ذلك. فقد يتسبّب الشتاء القاسي في الصين، أو تحسّن الاقتصاد العام المقبل، في ارتفاع الطلب على الطاقة مرّة أخرى، وترك أوروبا تعاني البرد القارس.
المخاطر كبيرة بالنسبة إلى أوروبا، فأيّ تغيير طفيف في إمدادات الطاقة، بشكل أو بآخر، يُمكن أن يؤثّر بشكل كبير على الأسعار، وعلى السياسات المحليّة المتصدّعة بشكل متزايد للدول الفرديّة، وعلى مستقبل القارة.
ومن المتوقَّع بالفعل أن يزيد استهلاك الصين من الغاز الطبيعي بنسبة 5 في المئة في العام 2023، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وبينما يعتمد الكثيرون على اتجاه الاقتصاد الصيني، وعلى سياسات عدم انتشار فيروس كورونا المستجد، بدأت أوروبا في التخطيط للمستقبل.
يقول تاغليابيترا إنّه "خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان هناك إدراك بأنّ الشتاء الحالي قد يكون على ما يرام بالنسبة لأوروبا"، مستشهداً بانخفاض الطلب على الطاقة في القارة بسبب ارتفاع الأسعار، وبسبب الشتاء الذي يُتوقّع أن يكون أكثر دفئاً من المعتاد. لكن العام المقبل قد يكون مختلفاً بالنسبة لأوروبا، إذا أُعيد تشغيل المحرِّك الصناعي الصيني؛ فالتداعيات ستكون "كبيرة للغاية"، بحسب تاغليابيترا. وأضاف أنّ "سيناريو العام المقبل لأوروبا سيكون بالتأكيد أكثر تعقيداً إذا تحسّن الوضع في الصين".
السفينة الدوارة في الصين
في العام 2021، تفوّقت الصين على اليابان لتصبح أكبر مستورِد للغاز الطبيعي المُسال في العالم، إذ أحضرت 79.5 مليون طن منه خلال العام، وفقاً لما قالته ريحانة رسيدي، محلّلة الغاز الطبيعي في شركة تحليلات السلع Kpler، لـFortune.
لكن وارداتها في هذا العام من الغاز الطبيعي المُسال تباطأت بشكل كبير. وخلال الصيف، تراجعت بنسبة 14 في المئة بسبب عمليات إغلاق كوفيد وتباطؤ النشاط الاقتصادي، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأت الصين باستيراد الغاز الطبيعي المُسال في العام 2006، وفقاً لاستشارات الطاقة Wood Mackenzie.
وقالت رسيدي إنّه من المتوقَّع أن تنخفض واردات الصين من الغاز الطبيعي المُسال إلى 65.6 مليون طن بنهاية العام 2022.
وفتح انخفاض الطلب في الصين الباب أمام الدول الأوروبية للانقضاض على بقايا الغاز الطبيعي المُسال العالمي. ووقّعت الدول الأوروبية صفقات كبيرة هذا العام مع مورِّدين بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر. وتمكّنت أوروبا أيضاً من الاستفادة من الصين للحصول على بعضٍ من فائض الغاز الطبيعي المُسال المستورَد. بالنظر إلى ارتفاع أسعار السوق الفورية للغاز الطبيعي هذا العام، تمكّنت شركات الطاقة الصينية في كثير من الأحيان من إعادة بيع إمداداتها بأرباح ضخمة.
لكن وفق توقعات النمو الاقتصادي والاستعداد لموسم التدفئة الشتوي، ورد أنّ الحكومة الصينية طلبت من شركات الطاقة التوقّف عن إعادة بيع الغاز الطبيعي المُسال في الخارج والاحتفاظ به للاستخدام المحلي، حسبما أفادت "بلومبيرغ" هذا الأسبوع نقلاً عن مصادر داخلية.
التحدي الأوروبي على المدى الطويل
بالنسبة لهذا الشتاء، فإنّ أي زيادة في استهلاك الطاقة في الصين لن تلحق الضرر بأوروبا كثيراً على الأرجح، نظراً لأنّ احتياطيّات الغاز الطبيعي في القارة تصل بالفعل إلى أكثر من 90 في المئة من طاقتها، وهذا يكفي لعدّة أشهر شتاءً.
وهناك جانب إيجابيّ آخر محتمَل لأوروبا، في ظلّ الشكّ في مستقبل النمو الاقتصادي الصيني، بالنظر إلى أن فرص الرئيس الصينيّ "شي جين بينغ" في رفع سياسة عدم انتشار فيروس كورونا في البلاد، صغيرة للغاية، تقول إيريكا داونز، الباحثة في أسواق الطاقة الصينية في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، لـFortune.
ورأت أنّ "هذا هو العامل الرئيسي. فلكي يرتفع الطلب على الطاقة، يجب أن نرى تراجعاً في معدل انتشار فيروس كورونا المستدام، وهذا لن يحدث بين عشية وضحاها".