النهار

الاستفادة من طاقة الشباب اللبناني في تحفيز العمل المناخي
المصدر: "النهار"
الاستفادة من طاقة الشباب اللبناني في تحفيز العمل المناخي
يوجين ويليمسن، الرئيس التنفيذى لشركة "بيبسيكو" بأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
A+   A-
مادّة إعلانية*
 
يوجين ويليمسن، الرئيس التنفيذى لشركة "بيبسيكو" بأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
 
كثيراً ما يتردّد على مسامعنا أن طاقة الشباب مهدورة وغير مستغلّة بشكل كافٍ، فالمرء حين يكون يافعًا تنقصه الخبرة التي تأتي مع تجارب الحياة ومصاعبها، وقد تكون الأمور التي نضعها نحن، الأكبر سنًّا، في قائمة أولويّاتنا أقلّ أهمية بالنسبة إليهم.

لكن شباب اليوم يعيشون في سباق مع الزمن، فهم يعيشون تداعيات أزمة ارتفاع حرارة الكوكب المتسارعة، وأيقنوا بأنفسهم الضرر الذي يحدثه ذلك على البيئة. وفجأة، من دون سابق إنذار، وجدوا أنفسهم يخوضون السباق المتسارع لتنظيم العمل المناخيّ، على عكس الأجيال السابقة، التي كان لديها الكثير من الوقت لإيجاد الحلول وتنفيذها، فأصبحوا محطّ أنظار العالم الذي بات يعتمد عليهم.

ومن الطبيعي اليوم أن نشهد تزايد القلق بخصوص القضايا البيئيّة، إذ لا يُمكن لشخص واحد، أيًا كان، أن يحمل عبء "إنقاذ العالم" بمفرده. وقد جاء في تقرير اقتصاديّ حديث أعدّته وحدة "إيكونوميست إمباكت"، بدعم من مركز الشباب العربي، بعنوان "آمال وتوقعات كبيرة: أولويات الاستدامة لدى الشباب العربي"، أنّ 70% من الشباب العربي يشعرون بالقلق حيال مستقبل البيئة وتداعيات تغيّر المناخ. ولكنّهم في المقابل لا يقفون مكتوفي الأيدي، فأغلبيّة الشباب العربي الذين شملهم الاستطلاع (98%) اتخذوا خيارات مراعية للبيئة في أسلوب حياتهم خلال العام الماضي، بما في ذلك الحدّ من هدر الطعام، وترشيد استهلاك المياه والطاقة، وإعادة التّدوير في المنزل.

فهل من المُنصف أن يقع العبء الأكبر على الشباب؟ هم بلا شكّ يشكّلون الجزء الأكبر والأقوى من صنّاع التغيير للتّصدي لأزمة المناخ. إنهم مصدر إلهامٍ لنا، فهم ينظرون إلى الأمور بطريقة مختلفة، ويظهرون للقطاعين العام والخاص مدى أهمية اتّخاذ تدابير عاجلة. وحتى على المستوى الفردي، إنّهم يشجّعون العمل المثمر الذي يترك بصمة إيجابية على البيئة.

وقد أثبت الشباب اللبناني تحديدًا قدرته الكبيرة على مواجهة التحديات، والتكيّف مع الصعوبات بطرق مختلفة، بل واستكشاف فرص متنوعة لمواصلة التطوّر والنموّ، على الرغم من المعوّقات العديدة التي تقف أمامهم، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية. وبات جليًا بأن الشباب اللبناني يتمتعون بهمّة عالية وحافزٍ كبير لمساعدة مجتمعاتهم.

والسّؤال الأهمّ هنا هو: كيف يمكننا أن نستثمر طاقات الشباب وقدراتهم على الابتكار والتجديد لدفع عجلة العمل المناخيّ نحو الأمام؟

تحسين مستويات جودة التعليم

إن الخطوة الأيسر والأهم هي التعليم. إن للتعليم دور محوريّ في الإضاءة على تغيّر المناخ، وهذا ما كشف عنه تقرير منظمة اليونسكو حول الشباب العالمي، إذ إن 70% من الشباب يشكّكون في جودة التعليم الذي يتلقونه حول تغيّر المناخ. بل ترى نسبة أكبر (77%) أنّه يجب أن يتولّى أفراد من خلفيّات مختلفة تعليم الطّلاب حول قضايا المناخ، من أجل التّشديد على مدى تعقيد هذه المشكلة. لم يعد الشباب اليوم مهتمّين بأسلوب التّعليم عن طريق التلقين. إنّهم يرغبون في اكتساب المهارات بطريقة تفاعليّة من خلال الأنشطة التجريبيّة والعمليّة. في لبنان، ابتكرت شركة بيبسيكو برنامجًا مدرسيًّا بالشراكة مع مؤسّستين اجتماعيّتين هما Orenda Tribe ونضيرة، بهدف تثقيف الأطفال حول أهمية اتخاذ خيارات مستدامة وصديقة للبيئة، وتوفير البنية التحتية لتعزيز إعادة التدوير.

وللقطاع الخاص دور لا يقلّ أهميّة في هذه الجهود، سواء كان ذلك من خلال الاستثمار في البرامج الهادفة، أو تطوير البنية التحتيّة المستدامة في المؤسّسات التعليميّة، أو رفع سقف الطموحات لوظائف المستقبل التي تتطلب خبرة أكاديمية في مجالات الاستدامة أو العمل المناخي. نحن نمتلك القدرة على تغيير العقليّات وأنماط السّلوك في سنّ مبكّرة.

وضع الابتكار في صميم جميع مراحل حلّ المشكلات

اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، تبرز أهميّة تقنيات المناخ المبتكرة في إبطاء تداعيات تغيّر المناخ والظروف المناخيّة القاسية وتحسين القدرة على التأقلم معها. وهنا تبرز قدرة الشباب على التّشكيك بطريقة سير الأمور والتّفكير خارج المألوف كأداة مهمّة يمكنها المساهمة في الخروج بأفكار وحلول مبتكرة. ولذلك فإنه من المهمّ أن نشجّع الشّباب ونعطيهم الحافز والدّعم والقدرة على الخروج بحلول تقنيّة قابلة للتطوير والتّنفيذ على نطاق واسع.

ومن الأمثلة المشرقة في هذا الصدد منظومة الشركات الناشئة في لبنان. فمنذ أزمة النفايات في عام 2015، عمل رواد الأعمال بلا كلل لإيجاد حلول قادرة على توفير بيئة صالحة للعيش. وقد رأينا بأنفسنا نتائج عملهم، وعقدنا شراكات مع العديد منهم، بما في ذلك Live Love Recycle ونضيرة وLebanon Waste Management لتوسيع نطاق حلول إعادة التدوير المبتكرة لتستفيد منها المجتمعات ككل.

إنّ تحقيق النجاح يتطلّب سياسيات لتمكين العمل والتجربة من القاعدة، والتعلّم من الشباب ولأجلهم. وهناك العديد من السّبل التي يمكن اتّباعها من أجل تسريع التّحول نحو مستقبل أكثر شمولًا ومراعاة للبيئة، ومن بينها المنصات المعنيّة بمشاركة المعلومات حول المناخ التي يديرها الشباب، والشراكات التي تعزّز الابتكار، والتّمويل الذي يدعم طموحات روّاد الأعمال الشّباب، وصولًا إلى المنصات التي تشجّع الحوار البنّاء.

غالبًا ما نجد الشباب في صدارة مشهد العمل المناخي، ولكن لا يمكن أن نحمّلهم مسؤولية مواجهة هذه الأزمة بمفردهم.

إنشاء شبكة لدعم العمل الشبابي

إن الشراكات وفرص التواصل والعمل المشترك مهمة للغاية في تمكين الشباب. وإذا ما أردنا أن نستخلص أفضل الأفكار والابتكارات من الشباب، فلا بدّ من تمكينهم من الوصول إلى مجموعات أوسع من الجهات المؤثّرة، سواء منها الوزارات أو شركات القطاع الخاص، أو المراكز المجتمعيّة ومجموعات الأعمال والجامعات والمنظمات وشركات الاستشارة المختصّة بالقضايا البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وقادة الفكر، وروّاد الاستدامة.

إن الشراكات الهادفة لدعم ورعاية الجيل المقبل من صنّاع التّغيير، مثل الشراكة بين مركز الشّباب العربي وبيبسيكو، هي السّبيل لغرس بذور الأمل وتنمية دور الشّباب. ويفتح هاكاثون الشّباب العربيّ أبواب الفُرص أمام الشّباب العربي عبر تمكينهم من ابتكار حلول أكثر ذكاءً للتّصدي لتحديّات المناخ، وإيصال أصواتهم إلى الجهات المعنيّة، التي تمتلك الموارد والتأثير اللازم لتعزيز ابتكاراتهم في جميع المجالات، بما يشمل الجامعات وشبكات ريادة الأعمال، والمستثمرين، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص.

إن دعم تمثيل الشّباب وتفعيل مشاركتهم في التّصدي لتغيّر المناخ وإدارة مخاطره الكارثيّة وتشجيع الحملات والمبادرات هو أمرٌ بغاية الأهمية. ويضع مؤتمر الأطراف "كوب 28" عمليّة إيصال صوت الشّباب وطموحاتهم في صميم العمل المناخيّ، حتى أن نسبة المفاوضين الشّباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ضمن فريق "كوب 28" تبلغ نحو 70%. كذلك، جرى تعيين معالي شمّا المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع في منصب رائدة المناخ للشّباب في "كوب 28"، لتتولى قيادة مجموعة المشاركين في برنامج مندوبي الشّباب الدوليّ للمناخ، وعددهم 100 شاب، يمثّلون البلدان الأقلّ نمواً والدول الجُزرية الصّغيرة النامية، والشعوب الأصلية ومجموعات الأقليّات، وذلك بهدف إثراء الحوار في مجال الاستدامة ليشمل الجميع.

لكن إتاحة فُرص الوصول إلى شبكات أوسع وتجارب ومجالات أكثر تنوّعًا لا تكفي. نحن بحاجة إلى بناء مجتمع من الموارد والدعم يكون قادرًا على الاستمرار لفترة طويلة، وإلى عقد التّحالفات وتقديم الدعم بصورة استباقيّة. ولا بدّ أن نعطي الشّباب الوقت للإصغاء إلى أفكارهم، وطرح وجهات نظرهم، ونعطي الأولوية لمنحهم القدرة على بناء علاقات جديدة لضمان استمرارية رحلة الابتكار والاستكشاف.

وضع سياسات مناخيّة "شابّة"

من المهم أن نعطي الشّباب مساحة آمنة للتعبير عن آرائهم والمشاركة في وضع سياسات المناخ المستقبلية، التي لا بدّ لها من أن تعكس روح الشّباب، وتُبنى على أساس حقوق الإنسان، وتتناول المخاطر المحدّدة التي تواجههم في كلّ قطاع، مثل التّعليم، والصّحة، والمياه، وأمن الغذاء، والتّغذية، والطّاقة. والأهم من ذلك كلّه أن تكون شاملة للجميع.

نحن بحاجة إلى بناء بيئة خصبة وغنيّة تسهم في تنمية وتطوير ما يقدّمه الشباب من مساهمات ووجهات نظر فريدة ومتنوّعة. ويمكن - على سبيل المثال - تشجيع الحوار بين الأجيال لتعزيز التفاهم المتبادل، أو تمكين الشّباب من مساءلة الجهات المعنيّة الرئيسية حول التّقدم المُنجز في أهداف المناخ.

إن الشّباب ينمو ويزدهر في عالم من الحوار والتعاون، حيث يكون لديهم الحافز الكافي للمساهمة في طرح الحلول، على اعتبار أنّ جيلهم سيعاني من أشدّ تداعيات تغيّر المناخ. إنّهم يقومون بالفعل بالتأثير على سلوك مجتمعاتهم، ويحثّون صنّاع السّياسات على إجراء تغييرات رسميّة، ويفكّرون بطريقة مبتكرة في كيفيّة التصدّي للتحدّيات البيئيّة المختلفة.

وفي اليوم العالمي للشّباب، لا بدّ من أن نتقبّل مسؤوليّتنا في تقديم الأفضل لهذا الجيل، من أجل تحقيق التغييرات المهمّة التي نطمح إليها. إن هذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا، وهي في المقابل فرصة يجب علينا أن نستغلّها. فرصة لنا جميعًا لوضع الأمور في نصابها الصّحيح وتقديم الأفضل لكوكبنا.
 
 
الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium