أحدثت الأزمة الاقتصادية في لبنان ثورة في اعتماد الطاقة الشمسية بديلاً من كهرباء الدولة التي اختفت وفواتير المولدات والمحروقات التي ارتفعت ارتفاعاً جنونياً. لم يكترث الناس بطبيعة الحال للجانب البيئي لهذا التوجه، لكن تعزّز موقع لبنان في مسار سلوكه على درب الطاقة النظيفة. أين لبنان اليوم من هذا التحوّل العالمي؟
لبنان سلك مسار الطاقة النظيفة منذ عام 2010 وكان يزداد الطلب في السوق على ألواح الطاقة الشمسية كل عام 140 في المئة وهي نسبة ممتازة لبلد يتطوّر في هذا الإطار، هذا ما يؤكّده رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة المهندس بيار الخوري في حديث لـ"النهار". وانتقل لبنان من إنتاج صفر ميغاواط في عام 2010 إلى 100 ميغاواط في عام 2019 قبل الأزمة، وكانت الدولة حينها تضع سياسات تدفع بهذا الاتجاه.
لكن التحوّل الأساسي في هذا المجال جاء نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أثّرت على ارتفاع سعر كهرباء الدولة ومولدات الأحياء وأسعار المحروقات. هذه القفزة جعلت من أنظمة الطاقة الشمسية مربحة لناحية التوفير المالي، لذلك شاهدنا هذه الثورة في اعتماد ألواح الطاقة الشمسية حتى اليوم.
و"ليس صحيحاً أنّ لبنان استفاق الآن على سلوك درب الطاقة النظيفة"، بحسب الخوري، فجميع مشاريع الطاقة التي تُعتمد على أسطح المنازل اعتُمدت بموجب قرار من الدولة صدر في عام 2019 قبل الأزمة بناءً على مسار بدأ منذ عام 2014. كذلك، وُفّرت القروض المدعومة للطاقة الشمسية قبل الأزمة أيضاً ومواصفات ألواح الطاقة الشمسية التي تدخل لبنان وُضعت قبل الأزمة. بالتالي، استفاد الناس خلال الأزمة من جميع الأطر التي كانت قد وضعتها الدولة سابقاً لاعتماد الطاقة الشمسية.
وبحسب الخوري "لا ينبغي الربط بين الوعي تجاه استخدام الطاقة النظيفة بمسار لبنان في هذا الاتجاه، إذ ليس مطلوباً من الناس استخدام الطاقة المتجددة فقط للحفاظ على البيئة وإن كان هذا الجانب الراقي من استخدام الطاقة محبّباً، لكن المطلوب أن يقوموا بما يخدم مصلحتهم والتوجّه نحو فاتورة الكهرباء الأرخص".
لذلك، "لبنان، قبل الأزمة، يسلك طريقه نحو الطاقة النظيفة وبإنجازات عديدة"، يقول الخوري. ففي عام 2012 كان لبنان بين أفضل 10 دول عالمياً في مجال تسخين المياه على الطاقة الشمسية، لكن هذا الزخم انخفض في أعوام 2017 و2018 و2019 لكنّه اشتد في عام 2022.
لكن أين لبنان الآن من الطاقة النظيفة؟
يتحدّث الخوري عن ثلاثة عناصر في هذا الإطار، ولّدتها الأزمة الاقتصادية:
– تغيّر سلوك الناس تجاه استهلاك الطاقة
– التوفير في الطاقة وهي ثقافة سبقها علينا الغرب منذ أكثر من 50 عاماً
– القمع الطاقوي المتمثّل بترشيد استخدام الكهرباء
هذه العناصر الثلاثة جعلت الطلب على طاقة مؤسسة كهرباء لبنان أو ما نسميه "كهرباء الدولة" ينخفض إلى حوالي 50 في المئة، واليوم الطلب في لبنان حوالي 1700 ميغاواط، ولدى كهرباء لبنان حوالي 1800 ميغاواط، "وبكل وضوح ندّعي اليوم أنّه إذا ما شغّلت كهرباء لبنان جميع معاملها مع ما تولّده ألواح الطاقة الشمسية في المنازل، نحصل على كهرباء 24/ 24، بالتالي تُحلّ أزمة الكهرباء اليوم، فانخفاض الطلب هذا بات يمكن تأمينه من معامل الكهرباء"، وفق الخوري.
في عامي 2018 و2019، اعتزم لبنان الوصول إلى 30 في المئة من الطاقة المتجددة في عام 2030. وفي عام 2020 أصدر المركز اللبناني لحفظ الطاقة تقريراً قال فيه إنّ لبنان استطاع إنتاج حوالي 90 ميغاواط من الطاقة المتجددة خلال ذلك العام، يوضح الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب.
وفي حديثه لـ"النهار"، يشرح أنّ ما حدث مع احتدام الأزمة أنّ الطاقة المنتَجة من كهرباء لبنان انخفضت وزاد اعتماد ألواح الطاقة الشمسية بشكل هائل. وما بين عامي 2020 و2022 ارتفع اعتماد ألواح الطاقة الشمسية إلى أن وصل إلى قدرة على إنتاج 1000 ميغاواط أي 10 أضعاف الرقم في العام 2020. وتدلّ هذه الأرقام الصادرة في شهر حزيران 2023 عن المركز على أنّ الطاقة المركبة installed capacity وصلت إلى الألف ميغاواط في نصف سنة.
لكن إن كانت التغذية من الشمس حوالي 20 إلى 25 في المئة يومياً بحسب المناطق، تولّد هذه الكمّية من الألواح الشمسية يومياً حوالي 160 إلى 200 ميغاواط، بحسب أيوب، أي إنّه إن كان إنتاج كهرباء لبنان يومياً من 500 إلى 600 ميغاواط من معملي دير عمار والزهراني، وتنتج الطاقة المتجددة حوالي 160 إلى 200 ميغاواط، يكون إنتاج الطاقة في لبنان وصل إلى أرقام هائلة في ظل الأزمة، بمساهمة الطاقة المتجددة بحوالي 20 في المئة من إنتاج الكهرباء عامةً، أي إنّ ما النسبة التي كانت مقررة لبلوغها عام 2030، سيصل إليها لبنان قريباً.
وعام 2020، أصدرت إحدى منظمات دعم الطاقة المتجددة العالمية، تقريراً أوردت فيه أنّه للوصول إلى 30 في المئة من الطاقة المتجددة في عام 2030 في لبنان، واستناداً إلى واقع وأرقام عام 2018، يحتاج إلى 4000 ميغاواط. لكن ما حصل الآن يفوق بكثير هذا الرقم مع الطفرة والاتجاه العالمي من المنظمات كافة للتوعية حول الطاقة المتجددة في لبنان في ظل غياب أي خطة حقيقية أو سياسة لتوليد الطاقة في لبنان وغياب أي إصلاحات.
وفي ظل الأزمة الراهنة، مساهمة الطاقة المتجددة باتت كبيرة، "لكن هذا لا يعني أنّنا في المسار السليم نحو تحوّل لبنان نحو الطاقة النظيفة لأنّ ألواح الطاقة الشمسية معظمها في المنازل ولا تشترك مع الشبكة العامة، فالحديث عن مساهمة حقيقية للطاقة المتجددة لا يكون سوى عبر ربط هذه الأنظمة المنزلية بالشبكة العامة"، وفق أيوب.