ارتفعت أسعار سوق النفط العالمية لمدة أسبوعين متتاليين منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول، ما أدّى إلى حدوث هزات في أسواق النفط، وارتفاع الأسعار إلى 94 دولاراً للبرميل. كما أثارت المخاوف من جديد بين تجار النفط والاقتصاديين من تجاوز الأسواق مستوى 100 دولار للبرميل.
ويزداد القلق من تصاعد التوترات في المنطقة ما قد يؤدي إلى ارتفاع إضافي في أسعار النفط بشكل كبير، من خلال خنق طريق عبور رئيسي لشحنات النفط والغاز المنقولة بحراً من الشرق الأوسط إلى السوق العالمية.
هل تأثرت إمدادات النفط والغاز؟
ليس بعد، بحسب ما ورد في صحيفة "الغارديان". إذ كان الارتفاع الأخير في أسعار النفط والغاز مدفوعاً بالمخاوف من احتمال تعطّل الصادرات من المنطقة الغنية بالطاقة، لكن حتى الآن ظلت تدفقات النفط والغاز من الشرق الأوسط سالمة نسبياً على الرغم من الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وفي حين لا تمتلك إسرائيل احتياطيات نفطية كبيرة، بعد 7 تشرين الأول، أوقفت الحكومة الإنتاج في حقل غاز تامار العملاق قبالة ساحلها الجنوبي، ما أدّى إلى الحدّ من تدفقات الغاز إلى مصر المجاورة، التي عادة ما تصدر حوالي نصف احتياجاتها من الغاز عبر الناقلات المنقولة بحراً، وغالباً إلى أوروبا.
وعلى الرغم من مستويات تخزين الغاز المرتفعة القياسية في أوروبا هذا الشتاء، ارتفعت أسعار الغاز هذا الأسبوع بعد أن تُركت ناقلة كانت تسعى لملء الغاز الطبيعي المُسال في مصر فارغة وحُوّلت إلى ميناء آخر، ما أثار المخاوف بشأن إمدادات الغاز في أوروبا.
وقال الخبير في سياسات الطاقة والجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط في "تشاتام هاوس" الدكتور نيل كويليام: "لا توجد خسارة مادية للنفط في الأسواق في الوقت الحالي، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يغيّر السعر حقاً هو انتشار الصراع".
كيف سيؤثر تصعيد الحرب على أسواق الطاقة؟
يتوقع مراقبو السوق أن تقوم الولايات المتحدة قريباً بتشديد عقوباتها على صادرات النفط من إيران، وهي لاعب رئيسي في هذه السلعة، بسبب علاقات طهران الوثيقة مع حماس و"حزب الله".
وقال كبير الاستراتيجيين في شركة BCA للأبحاث، روبرت ريان، إنّ هناك فرصة واحدة من أربعة لاحتمال انخفاض إنتاج النفط الإيراني بمقدار مليون برميل يومياً نتيجة للعقوبات الأميركية الأكثر صرامة. ونسب الاحتمالات نفسها إلى انخفاض إنتاج النفط الروسي للأسباب ذاتها.
وقد يؤدي ذلك إلى وصول أسعار النفط إلى 140 دولاراً للبرميل العام المقبل، وفقاً لريان. ومع ذلك، يمكن تخفيف تأثير هذه العقوبات إذا قامت المملكة العربية السعودية، التي تقيّد إنتاجها النفطي، بزيادة صادراتها للمساعدة في استقرار السوق.
وقال كويليام أن "ليس هناك نقص في إمدادات النفط، والأمر يتعلق بإيصال إمدادات النفط إلى السوق، لكن القلق الحقيقي، هو أمن مضيق هرمز". إذ يُعدّ مضيق هرمز في الخليج مسؤولاً عن عبور أكثر من 20 في المئة من النفط المستهلَك عالمياً وثلث شحنات الغاز العالمية المنقولة بحراً، ما يجعله شرياناً حيوياً للطاقة للأسواق العالمية. وإذا سعت إيران إلى إغلاق المسار، فستكون لذلك آثار كبيرة على إمدادات أوروبا من الغاز من قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المُسال في العالم. وتمّ إرسال حوالي 16 في المئة من صادرات قطر إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي، ما يجعل البلاد ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المُسال في أوروبا بعد الولايات المتحدة.
وبحسب كويليام، "من غير المرجّح أن يُغلَق المضيق، لكنّ الأنشطة العسكرية في هذه المنطقة ستكون كافية لرفع أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة للغاية لفترة قصيرة على الأقل. فهي احتمالية تمّ التدرّب عليها جيداً من قبل قادة العديد من الدول الغربية."
مَن هم أكبر منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط؟
تُعدّ المملكة العربية السعودية أقوى لاعب في مجال الوقود الأحفوري في المنطقة والزعيم الفعلي لمجموعة أوبك + النفطية، المجموعة المسؤولة عن معايرة أسعار سوق النفط العالمية من خلال التحكّم الدقيق في الإنتاج.
وتنتج المملكة العربية السعودية الآن حوالي 9 ملايين برميل من النفط يومياً، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وتقدّر الوكالة أنّ إيران والإمارات العربية المتحدة تنتجان أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً. وتنتج روسيا، الحليف الرئيسي لأوبك+، حوالي 9 ملايين برميل من النفط يومياً.
بالنسبة إلى هذه الدول، فإنّ ارتفاع أسعار النفط بشكل صاروخي من شأنه أن يسجّل أرباحاً اقتصادية كبيرة، لكن إلى حدّ معيّن فقط، وفقاً لكويليام. وبمجرد أن تتحرّك الأسعار بشكل ملحوظ فوق 100 دولار للبرميل، فإنّ ارتفاع تكلفة الطاقة يمكن أن يتسبّب في تباطؤ النشاط الاقتصادي وانخفاض الطلب على النفط. وقد يوفّر هذا حافزاً للمملكة العربية السعودية لزيادة إنتاجها لكبح جماح أسعار سوق النفط.
ما هو الدور الذي تلعبه الولايات المتّحدة وروسيا؟
بالنسبة إلى شركات الطاقة لكلّ من هذه الدول، فإنّ المخاطر كبيرة. وبالنسبة لجو بايدن، ارتفاع أسعار النفط قد يعني الهزيمة في الانتخابات الأميركية العام المقبل، برأي رايان. وبالنسبة إلى روسيا فإنّ ارتفاع أسعار النفط يشكّل أهمية بالغة لدعم خزائن الكرملين في حين تواصل حربها ضدّ أوكرانيا.