أعلنت السعودية، الأربعاء، أنها تتوقع عجزًا في موازنتها بنسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 و1,9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، ما يعكس ارتفاع الإنفاق وانخفاض عائدات النفط.
ويأتي هذا الإعلان بعد عام واحد من تسجيل المملكة الخليجية الثرية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، أول فائض في الميزانية منذ نحو عقد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى إلى قفزة كبيرة في أسعار النفط.
والسعودية في منتصف الطريق ل"رؤية 2030" التي تهدف إلى تحويل المملكة التي كانت مغلقة سابقًا إلى مركز للأعمال والسياحة والرياضة.
ومن المتوقع أن يصل العجز لعام 2023 إلى 82 مليار ريال سعودي (حوالى 21,8 مليار دولار)، بينما من المتوقع أن يصل في عام 2024 إلى 79 مليار ريال سعودي (حوالى 21 مليار دولار)، حسب الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.
وقالت الوزارة إن الرياض تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4,4 بالمئة في 2024 بعد نمو ضئيل بلغ 0,03 بالمئة فقط هذا العام.
وتتوافق التوقعات بشكل عام مع بيان تمهيدي بخصوص الموازنة اصدرته وزارة المالية في تشرين الأول، أشار إلى أن العجز سيستمر حتى عام 2026.
وقالت وزارة المالية في بيان على موقع اكس بعد موافقة الملك سلمان على الموازنة "رغم التحديات والمخاطر الاقتصادية إلا أن العوامل الإيجابية لاقتصاد المملكة المتين تطوّع هذه التحديات لصالحها".
ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان (37 عاماً) ولاية العهد في 2017، تشهد المملكة التي ظلت مغلقة لعقود انفتاحاً اجتماعياً واقتصادياً واسع النطاق وغير مسبوق.
وهي تنفق ببذخ في إطار استراتيجية لتطوير بنيتها التحتية وتحسين صورتها، فتقوم ببناء مرافق سياحية جديدة على ساحل البحر الأحمر ومدينة نيوم المستقبلية بقيمة 500 مليار دولار بالإضافة لاستضافة فعاليات رياضية وترفيهية تضم صفوة نجوم العالم.
- خفض إنتاج النفط -
والأسبوع الماضي، أعلنت الرياض أنها ستمدد خفض إنتاجها الطوعي من الخام الأسود بمقدار مليون برميل يوميا حتى آذار 2024.
وبعد سلسلة من تخفيضات إمدادات النفط بدأت في تشرين الأول من العام الماضي، بلغ الإنتاج اليومي السعودي حوالى تسعة ملايين برميل يوميا، وهو أقل بكثير من طاقتها المعلنة البالغة 12 مليون برميل يوميا.
وسجلت شركة أرامكو النفطية السعودية العملاقة انخفاضًا بنسبة 23 بالمئة على أساس سنوي في أرباح الربع الثالث، نتيجة انخفاض أسعار النفط وتخفيضات الإنتاج.
وأتى ذلك، بعد انخفاض صافي الربح بنسبة 19,25 بالمئة في الربع الأول و38 بالمئة في الربع الثاني مقارنة بعام 2022.
وتملك السعودية 90 بالمئة من أسهم أرامكو، درة تاج الاقتصاد السعودي، وتعتمد على إيراداتها لتمويل مشاريع رؤية 2030.
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022 إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، حيث بلغت عند ذروتها أكثر من 130 دولارًا للبرميل.
وبلغت أرباح أرامكو العام الماضي 161,1 مليار دولار وهو مستوى قياسي بحسب الشركة، ما منح المملكة أول فائض في الميزانية السنوية منذ ما يقارب العشر سنوات.
وفي إيجاز صحافي الأربعاء، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إنّ الموازنة السنوية للسعودية تستند الى تقديرات "متحفظة للغاية" لعائدات النفط، مما يعني أن العجز ليس ناتجا من تقلب أسعار النفط ولكن من قرار متعمد لزيادة الإنفاق.
واضاف الجدعان "لقد قررنا في الواقع عمداً إنفاق المزيد والتسبب في العجز عن علم ووعي" لاعتقادنا أن العجز الذي يصل إلى 3 بالمئة "أمر جيد تماما... إذا أنفقت تلك الأموال بشكل صحيح".
وأشاد بنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المتوقع بنحو 6 في المئة في عامي 2023 و 2024 كدليل على نجاح خطة الإصلاح.
في الوقت نفسه، ورغم السماح بأن الإنفاق في 2024 قد يتجاوز التوقعات المعلنة الأربعاء، قال الجدعان "إذا حدث أي شيء فسيكون في حدود 4 أو 5 بالمئة".
- تنويه من الامير محمد بن سلمان -
وبعد اعلان ميزانية 2024، نوه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، "بإقرار ميزانية عام 2024 بما حققته المملكة من إنجازات منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، واستمرار حكومة المملكة العربية السعودية في الإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي، ورفع معدل النمو الاقتصادي المستدام في ضوء المقومات والفرص التنموية الكبيرة التي تتمتع بها المملكة في إطار رؤية المملكة 2030 لتمكينها من المضي قدماً نحو مستقبل أفضل يليق بمكانتها وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مما كان له انعكاس جليّ وبارز في نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية" (واس).
وأكد التزام الحكومة "ميزانية العام المالي 2024م بتعزيز النمو الاقتصادي عبر التوسع في الإنفاق الحكومي"، منوهاً بأن "أرقام الميزانية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين تأتي داعمة وممكنة للعديد من البرامج والمبادرات التي تشتمل على استثمارات لتعزيز البنية التحتية، ورفع جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين والمقيمين والزائرين، بالإضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وتعزيز جذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات، ورفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات السعودية غير النفطية، مشيداً بالدور الفاعل والمهم لصندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطني".
كذلك، أكد "الاستمرار في العمل على تطوير أداء المالية العامة للمملكة، من خلال زيادة القدرة المالية وبناء الاحتياطيات الحكومية، بما يعزز قدرة اقتصاد المملكة، ويحافظ على مستويات مستدامة من الدين العام، وبما يمكن من مواجهة أي تطورات أو أزمات قد تطرأ مستقبلاً".
وأوضح أن ارتفاع الإنفاق يعود بشكل رئيس إلى حرص الحكومة على الاستمرار في تطوير مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين والمقيمين والزائرين، وتنفيذ العديد من المشاريع والتوسع في الإنفاق على استراتيجيات التطوير القطاعية والمناطقية التي من شأنها أن تحقق تغيرات هيكلية إيجابية تؤدي إلى توسيع وتنويع القاعدة الاقتصادية".
وأكد "تطوير الشراكة مع القطاع الخاص وتعزيزها لتمكينه وتحفيزه للقيام بدوره في تحقيق التنوع الاقتصادي، لتمكين سوق العمل من استيعاب المزيد من القوى العاملة السعودية، وخلق فرص وظيفية في سوق العمل وخفض معدلات البطالة بين السعوديين، حيث ارتفع إجمالي عدد السعوديين في سوق العمل هذا العام إلى 2.3 مليونين، علاوة على تحسين البيئة الاستثمارية لتكون بيئة جاذبة تسهم في رفع نسبة الاستثمار المحلي والأجنبي، وتنمية الصادرات غير النفطية وتحسين ميزان المدفوعات التجاري غير النفطي".
وقال إن "رحلة التنوع الاقتصادي مستمرة عبر دعم القطاعات الواعدة، إذ تعمل المملكة على رفع مستهدفات السياحة إلى 150 مليون زائر داخلياً وخارجياً بحلول عام 2030م، بالإضافة إلى بناء قطاع رياضي فعال من خلال "مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية" تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030 في القطاع الرياضي، إذ تشهد هذه القطاعات نمواً متسارعاً يحقق فرصاً متنوعة".
وأشار إلى "عزم المملكة على تطوير القطاع الصناعي لكونه من أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد السعودي، من خلال تنويع القاعدة الصناعية وسلاسل القيمة عبر "الاستراتيجية الوطنية للصناعة" التي تركز على 12 قطاعاً فرعياً لتنويع الاقتصاد الصناعي ورفع الناتج المحلي الصناعي نحو ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020م، ليصل إلى 895 مليار ريال في عام 2030م، ليكون مساهماً رئيساً في تنمية الصادرات غير النفطية، تكاملاً مع الدور المهم لصندوق الاستثمارات العامة لكونه الذراع الاستثمارية المساهمة والمكملة للجهود التي تقوم بها الحكومة في تنوع الاقتصاد، والدور المحوري لصندوق التنمية الوطني والصناديق التابعة له بتوفير التمويل الميسر للقطاع الخاص".
وفي الحديث عن الدور المحوري والقيادي للمملكة، أكد دور المملكة إقليمياً ودولياً، وسعيها إلى أن تنعم دول العالم بالأمن والاستقرار لكونهما العاملين الرئيسيين للتنمية والازدهار، وحرصها على تطوير واستقرار سلاسل الإمداد والقيمة بما يخدم التنمية والازدهار الاقتصادي لجميع دول العالم.
وشدد على عزم المملكة على الاستمرار خلال العام المقبل وعلى المديين المتوسط والطويل في زيادة جاذبية اقتصاد المملكة كقاعدة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنوّع الاقتصاد عبر تطوير جميع القطاعات الاقتصادية.