كريم حمادي
كان الأربعاء 17 تموز مختلفاً في حياة جورج الحداري: دخل مقر مجموعة إتش إس بي سي (HSBC) في لندن، فوقف الجميع مهنئين رئيسهم التنفيذي الجديد الذي يتقلّد منصبه ابتداءً من 2 أيلول المقبل، خلفاً لنويل كوين الذي فاجأ العالم بمغادرته منصبه.
فمن هو هذا الأربعيني اللبناني الأصل الذي سيدير مجموعة مصرفية حاضرةً في أكثر من 55 دولة حول العالم؟
حين تعرّف "فايننشال تايمز" البريطانية بالحداري، تشهد له أنه "أحسن إدارة أعمال الأسواق العالمية في HSBC، القسم الذي رفد المجموعة بربع إيراداتها الإجمالية تقريباً في العام الماضي، علاقاته وطيدة بعالم الأعمال في الشرق الأوسط، المنطقة التي تركز عليها خطط النمو التي ترسمها المجموعة، والتي تؤدي دورًا بارزاً في المشهد الاقتصادي العالمي، في وقت يسود فيه التوتر بين الولايات المتحدة والصين".
منعطف مهني
يبدو أن الحداري أحسن إدارة حياته المهنية فعلاً. يخبر صحيفة "ذا ناشونال" في 8 آذار 2021 إنه سمع نصيحة أبيه المصرفي وتبعها في كل حين. فقد نصحه والده بالتميز في دراسته الجامعية، و"حينها، ستكون كل الخيارات متاحة أمامي، وهذا فعلياً كان أحد أسباب نجاحي".
نشأ في العاصمة اللبنانية بيروت، ثم انتقل منها إلى فرنسا، طالباً في مدرسة École Polytechnique الراقية. صار مهندساً، فانتقل إلى بلد الصناعة، ألمانيا.
أراد العمل في ميدان الابتكارات التقنية، لكنه واجه تحدياً كبيراً: اللغة. وما تمكن من التحدث بالألمانية، فخسر فرص عمل عديدة.
كان التحدي اللغوي، في رأيه، حافزاً ليتجه في اتجاه مختلف. وحين سنحت له فرصة التدرّب في مجالي التداول والتمويل، "أدركت أن هذا هو طريقي إلى المستقبل"، على ما يقول، وكان الأمر كله محض صدفة.
حصل الحداري على شهادة الدراسات العليا في الإحصاء والاقتصاد من المدرسة الوطنية للإحصاء والإدارة الاقتصادية (ENSAE)، وعمل في مصرفي Goldman Sachs وParibas قبل انضمامه إلى عائلة "HSBC" في عام 2005، مديراً تنفيذياً للأسواق العالمية.
تنقل في مناصب عليا في المجموعة، فكان الرئيس التنفيذي المشارك للخدمات المصرفية والأسواق العالمية، ليقود قسم خدمات الأسواق والأوراق المالية.
صعود سريع
استقر في دبي ليشغل منصب الرئيس الإقليمي للأسواق العالمية في المجموعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم منصب رئيس الخدمات المصرفية العالمية والأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بعد ذلك، عُيّن رئيساً تنفيذياً لـHSBC في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، من تموز 2016 إلى شباط 2019. تقول "فايننشال تايمز" إنه ارتقى درج المسؤوليات المصرفية بسرعة، و"كان إلى جواره اللبناني سمير عساف، والسعودي محمد بن مزيد التويجري، الذي ترأس المجموعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا بين عامي 2010 و2016".
وعيّن أخيراً، في الأول من كانون الثاني 2023، عضواً في مجلس الإدارة ومديراً مالياً عاماً للمجموعة.
كان الحداري بعد في السابعة والثلاثين، حين أدرجته صحيفة "فايننشال نيوز" ضمن لائحتها "40 نجماً صاعداً تحت الـ40" (Financial News 40 Under 40 Rising Stars).
يردّ الحداري هذا "المجد" إلى مجموعة HSBC، ويقول لـ"ذا ناشونال": "هذه المجموعة لم تكتفِ بتقديري، بل اعتنت بمسيرتي المهنية، ورحلتي من نجاح إلى آخر".
هل وصل إلى القمة؟ يعرف الحداري تماماً أن المسؤولية الملقاة على عاتقه ليست بسهلة، وحين قبل بمنصب الرئيس التنفيذي لـHSBC، قال إنها "ثقة كبيرة" ليقود هذه المجموعة إلى المستقبل، مؤكداً العمل مع فريق موهوب لتقديم "قيمة استثنائية للعملاء والمستثمرين، من خلال تحقيق أداء قوي على مسار النمو المستدام".
خمسة تحديات
هذا النمو المستدام مرهون بتجاوز الحداري خمسة تحديات كبرى، أولها تحقيق النمو في أرباح المجموعة السنوية على الرغم من تراجع سعر الفائدة. التحدي الثاني هو تدبير المخاطر الجيوسياسية التي قد تواجهها المجموعة في ظل احتمال تصاعد التوتر في شرق أوروبا والشرق الأوسط. ثالثاً، حسن إدارة المنافسة الشديدة التي تواجهها المجموعة في سوق إدارة الثروات.
يتمثل التحدي الرابع في التأثير السلبي لأزمة القروض المعدومة في الصين على أداء المجموعة، علماً أن السوق الصينية هي الرهان الأساسي لنمو المجموعة. فهذه القروض المعدومة تسببت في تراجع قيمة حصة المجموعة في بنك الاتصالات (BoCom) 3 مليارات دولار في شباط الماضي.
وأخيراً، التساؤلات حول قيادته لأعمال ومدى قدرة نموذجه الإداري على التكيف مع التغيرات الحالية. يعلّق ستانلي تساي، مؤسس شركة "إنتلر كابيتال" للاستشارات الاستثمارية، ومقرها هونغ كونغ، على ذلك قائلاً لوكالة "رويترز": "ربما أراد بعض المستثمرين شخصا يتمتع بخبرة مباشرة في آسيا، خصوصاً في ما يتعلق بمحفظة الصين الكبرى، لكن الأعمال خارج آسيا رفعت دائمًا سقف التحديات"، مذكراً بحساسية المجموعة تجاه التوتر بين الصين والغرب، "لذا لن يكون سهلاً تحقيق النمو في آسيا".
يبدو إيان بايل، كبير مديري الاستثمار في HSBC، واثقاً بقدرة الحداري على تجاوز هذه التحديات، "فقد ترك انطباعًا جيدًا في السوق خلال 18 شهرًا من توليه منصب المدير المالي"، على ما يقول. إنه يعرف السوق جيداً، حتى أنه يتحدث الصينية بطلاقة.