محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد
وزير المالية يستخدم صلاحياته الاستثنائية التي أعطيت له في موازنة الـ2022، ويُقرّ ويُعلن تعديل سعر الصرف الرسمي ليُصبح 15000 ليرة للدولار الواحد بعد أن حلّ سعر صرف الـ1507 ضيفاً لمدّة ثلاثين سنة تقريباً.
خطوة خجولة على درب تعزيز إيرادات الدولة من دون المساس بالامتيازات والإعفاءات الضريبة، ومن دون اللجوء إلى الإصلاح؛ والأهمّ من دون المساس بالنفقات.
يظهر الفرق بين السياسات النقدية والمالية في قرار وزير المال الذي وُلِدَ من رحم موازنة العام 2022، التي أعطت وزير المال صلاحيات استثنائية، بعد التشاور مع حاكم مصرف لبنان وليس مع المجلس المركزيّ صانع السياسات النقدية، تخوّله تعديل السعر الرسمي المعتمد من قبل وزارة المالية لصرف الدولار الأميركي، ليُصبح في الأول من تشرين الثاني 2022 على سعر الـ15000 بدلاً من 1507 ليرة. هذه هي المادة التي أنتجت جدلاً عقيماً في أروقة مجلس النواب في النسخة الأولى من مشروع الموازنة العامة للعام 2022، وفي إطلالته الأولى على الهيئة العامة لمجلس النواب لمناقشته. عندها، قرّر رئيس المجلس بحكمته وحنكته إبعادها عن النقاش، فيما بدا بوضوح أنّه لم ولن يبعدها عن مشروع الموازنة. وبهذا يكون هذا التعديل دستورياً ووَفق الأصول.
أما دولار السياسات النقدية فبَقي على حاله حتى إشعار آخر، أي بانتظار تعميم من مصرف لبنان. تبقى الأمور على ما هي في:
• التعميم الوسيط رقم 568 الصادر في 26 آب 2020، والذي طلب "من المصارف العاملة في لبنان قبول تسديد العملاء الأقساط أو الدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كافة، وذلك بالليرة اللبنانية على أساس السعر المحدّد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (حالياً بقيمة وسطيّة تبلغ 1507.50 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد)". وهذا لا يشمل القروض والتسهيلات التجارية، وهناك شروط إضافية للتطبيق. وبهذا يكون وزير المال، بموجب صلاحيات استثنائية منحتها له السلطة التشريعية بطلب من السلطة التنفيذية، قد أنتج سعراً إضافياً في الوقت الذي يُطالب فيه صندوق النقد الدولي بتوحيد وتحرير سعر الصرف. وبما أن الإصلاح هو الغائب الأكبر عن الموازنة، تبقى السلطة السياسية تتعمد عدم التعاطي مع التعافي الاقتصادي بمسؤولية وجدّية.
• التعميم 151 الذي حدد سعر صرف غير متقلّب على الـ8000 ليرة.
• التعميم 158 الذي حدّد أيضاً سعر صرف ثابت على الـ12000 ليرة.
• التعميم 161 الذي ولد من رحم التعميم الأساسي رقم 157، الذي أسّس منصّة صيرفة، أنتج سعراً متقلّباً بقرار من مصرف لبنان، لأنّ التبادل على هذه المنصّة يخضع لمجموعة من الضوابط والطلب على الدولار عبر هذه المنصّة هو أضعاف مضاعفة مقارنة بالعرض.
• ويبقى "لولار" الحسابات الدولارية المقيمة في المصارف التجارية من قبل تشرين 2019 على ما هو – يستعمل لتسديد القروض، إجمالا التجارية، بالعملات الأجنبية.
سوف يبقى مصرف لبنان بعيداً من الضبابية والاضطرابات، التي قد يُحدثها قرار وزير المال، فيتمسّك بإبقاء العمل بأحكام جميع التعاميم المذكورة أعلاه.
هذا التعديل بدولار الجبايات الضريبية والرسوم (يعني الإيرادات لا النفقات) تعدّى حدود الدولار الجمركي ليشمل كلّ الضرائب والرسوم المتوجّبة بالعملة الأجنبيّة، وسيُرخي بظلاله القاتمة على:
• فاتورة الاستهلاك من بوابة الضريبة على القيمة المضافة، التي أصبحت تُحتسب على سعر الـ15000 بدلاً من الـ1507 ليرة. ومن الطبيعي أن تُحدث ارتفاعاً عاماً في الأسعار.
• وعلى دخل الفرد بعد تسديد ضريبة الدخل، خصوصاً على موظفي القطاع الخاصّ، الذين يتقاضون رواتبهم كاملة أو جزءاً منها بالدولار الفريش. ولكن، حتى تاريخ سريان مفعول هذا التعديل، تحتسب وتدفع ضريبة الدخل على سعر صرف الـ1507 ليرات للدولار الواحد.
أما تداعيات هذا التعديل على احتساب رأس المال فهو كلام يفتقد إلى المنطق الاقتصادي السليم، خصوصاً أن الجميع يعترف بأن سعر صرف الـ1507 ليرات هو سعر وهميّ، ولا يعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية، بل الهدف من التمسّك به في احتساب رأس المال يكون لإخفاء الحقيقة؛ غياب الشفافية والحوكمة في السنوات السابقة أوصل البلد إلى ما هو عليه اليوم.
وإن كان لهذا التعديل بسعر الصرف الرسمي أي تداعيات على حركة الدولار في السوق الموازية فسوف يكون ارتفاعاً في عرض الدولار، وليس بالطلب، لتسديد الرسوم والضرائب المتوجبة بالعملة الأجنبية على سعر يبلغ أقلّ من 50% من السعر الحقيقي لهذه العملة (الدولار). أي اضطرابات أو ارتفاع في سعر الصرف يكون سببه ومسببه هو غياب الإصلاحات والرقابة، ممّا يعطي مساحة إضافية لصيادي الدولار للاستفادة من الفلتان!
وأخيراً، بالرغم من كلّ ما قد يتسبّب به هذا التعديل بسعر الصرف من ارتفاع في الأسعار، تبقى تداعياته أفضل وأرحم على الاقتصاد بشكل عام من لجوء الدولة لطباعة العملة لتغطية نفقاتها، التي جاء أبرزها زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وكافة الأجراء في الدولة، وتم تغليفها بغطاء "الاستثنائية المحدودة الزمن"!