اقتحام بنك "الاعتماد اللبناني" فرع حارة حريك اليوم (حسن عسل).
مشهد انتزاع الودائع بالقوة من المصارف عاد ليتكثّف في اليومين الماضيين، بعد إعادة فتح المصارف أبوابها الأسبوع الماضي، فيما كانت قد أقفلت نحو أسبوع، من جرّاء ما شهدته من اقتحامات كثرت أخيراً، ولا سيما في يوم الجمعة الشهير. فالأمر بات أشبه بأفلام الأكشن في بلد يكثر فيها الأكشن في ظل الفوضى والعدم الذي وصل إليه كثيرون.
هل تقفل المصارف مجدّداً؟ وكيف يرى علم الاجتماع هذه الظاهرة؟
ففي جولة على حصيلة هذه الأحداث اليوم وأمس، أقدم مسلّح اليوم على إطلاق النار على بنك بيروت في جبيل لمنعه من الدخول، ولاذ بالفرار. كما دخلت النائبة سينتيا زرازير بنك "بيبلوس" في أنطلياس، واعتصمت في داخله، للمطالبة بجزء من وديعتها لإجراء عملية جراحيّة، وخرجت بعد حصولها على جزء منها.
ودخل المودع حسن شكر، وهو مؤهَّل متقاعد في قوى الأمن الداخلي، فرع "الاعتماد اللبناني" في حارة حريك مطالباً بوديعته البالغة 220 مليون ليرة.
وفي هذا الإطار، نفّذت جمعية "صرخة المودعين" اعتصاماً أمام مصرف لبنان، حيث رفع المشاركون لافتات كُتب عليها "الآتي أعظم"، " كفى هيركات على الودائع" و"هي معركة بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها"، مطالبين المركزي بـ"القيام بدوره وإجبار المصارف على تحسين سقف الدفعات الشهرية للمودعين". وقد أدّى هذا الوضع إلى أن يقفل عدد من المصارف في المحيط أبوابه تخوّفاً من التصعيد.
إلى ذلك، جرت ثلاث عمليات متزامنة في مناطق مختلفة، أمس، طالب فيها المودعون بتحصيل الودائع بالدولار الأميركي.
فبقاعاً، دخل العسكري المتقاعد علي الساحلي فرع مصرف BLC في شتورا، حاملاً سلاحه، ومطالباً بوديعته بالدولار الأميركي، فحضرت القوى الأمنية وأوقفته. وفي صور، أعلنت "جمعية المودعين" اقتحام المودِع علي حسن حدرج بنك "بيبلوس"، مطالباً بوديعته البالغة 44 ألف دولار، وذلك بقوّة السلاح أيضاً.
وفي السياق، اقتحم عدد من موظفي شركة "كهرباء قاديشا" مصرف "FNB" في طرابلس، احتجاجاً على قرار المصرف حسم 3 في المئة من رواتب ومستحقات الموظفين وفقاً لروايتهم.
كذلك أفادت معلومات "النهار" بأنّ 4 أشخاص اقتحموا بنك "لبنان والمهجر" فرع حارة حريك، وحصلوا على وديعتهم وغادروا قبل وصول القوى الأمنية. وبلغت قيمة الوديعة 11 ألف دولار.
ويفيد مصدر مصرفي لـ"النهار" أنّ سلسلة الاقتحامات التي حصلت في المصارف في اليومين الأخيرين وفي الفترة الأخيرة، "لا تستوجب الإقفال مجدّداً، وصحيح أنّ هناك إزعاجاً يعانيه الموظفون من أحداث شاذة، ما عدا حادثه إطلاق النار في منطقه جبيل والتي شكّلت خطراً فعلياً على الموظفين، لكن هذه الحوادث هي من مسؤولية الدولة أن تتحمّلها لحماية الموظفين، إذ أصبحنا كأنّنا في تكساس".
وبرأي المصدر، "حتى الآن، الوضع مقبول لكن لا يمكن معرفة ما ننتظره، وكل يوم تحصل حادثة مختلفة عن الأخرى، لكن لا يمكن القول إنّنا في مأمَن لأنّ المشكلة الأساسية لم تُعالج والدولة لا تتحمّل مسؤولياتها، وهي تتصرّف كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب".
ورغم إقفال المصارف لمدّة أسبوع ومعاودة عملها واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة في محيطها، لا تزال أحداث الاقتحامات تحصل، ولم تتوقف الخروقات، "لذلك ما العمل؟ يسأل المصدر. ويضيف أنّه "لا يمكن إقفال المصارف مجدّداً، إذ هناك أعمال ومعاملات للعملاء وعلينا تسهيل أمورهم، وموظّفو المصارف أصبحوا كـ"بالعي الموس" فهم أيضاً من أصحاب الودائع لكنّهم مضطرّون لأن يمضوا بعملهم ويسهّلوا أمور العملاء".
لكن مَن يقوم بأعمال "قاسية" تجاه المصارف لا يعرف أنّه يؤذي المودعين الآخرين في الوقت نفسه، بحسب المصدر. ففي السابق، كان العملاء يدخلون المصرف بسهولة وبساطة لإنجاز معاملاتهم المصرفية، أمّا اليوم، فبات عليهم أن يصطفّوا أمام الصرّاف الآلي، منتظرين دورهم لسحب أموالهم كطابور الخبز، إضافة إلى وجوب استحصالهم على موعدٍ مسبَق لدخول المصرف مع الصعوبات التي تواجههم عبر الهاتف للاستحصال على موعد. و"كل هذه المعاناة، نتيجة تصرّف صبياني غير مسؤول من بعض المودعين"، وفق المصدر، الذي يرى أنّ "الأزمة أكبر من مسألة إقفال المصارف أو فتحها، وإنّما حلّ الأزمة بيد الدولة.
كيف يرى علم الاجتماع هذه الظاهرة؟
أستاذ الديموغرافيا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الدكتور شوقي عطيّة، في حديثه لـ"النهار"، يشير إلى أنّنا توقّعنا تكرار هذه الحوادث وستشهد طفرة، بغضّ النظر عمّا إن كان هذا السلوك مخطَّطاً له أم عفوياً، لكن هذه الطريقة قد تعيد حقوق أناس دون آخرين.
وما يحصل، وفق عطية، هو "حلقة مفرغة من الكراهية والحقد ما بين المصارف وموظفي المصارف والعملاء، إذ أصبح الحضوور إلى المصرف من أبشع المواقف التي قد يتعرّض لها العميل، لإنجاز أي معاملة طارئة، وسيستمر هذا السلوك نظراً للتمجيد الاجتماعي له، إذ يجري التعامل مع أي مقتحِم على أنّه بطل، بغضّ النظر عمّا إن كان كذلك أم لا". كذلك، فإنّ حصول أيّ مقتحِم على وديعته يشجّع أي شخص آخر للتفكير في اقتحام المصرف بغية الحصول على وديعته أيضاً.
وهذا الواقع الصعب والسيّئ من معاملة المصارف والدولة للمودعين والعلاقة السيئة التي أصبحت بين المودع والمصرف والتعاطي السلبي من قبل جميع الأطراف في هذا الإطار، سيدفع إلى مزيد من العدائية، سواء من ناحية المصارف في قراراتها أو من ناحية المودعين الآخرين الذين قد يصبحون أكثر عدائية وأكثر إصراراً على التهجّم على المصارف، وفق عطية.
فلهذه السلوكيات "تأثير الدومينو" أي إنه يجعل عدة أشخاص من الذين لا يفكرون في سلوكيات مشابهة، لأن يتّجهوا إليها للحصول على أموالهم. فسقف العقاب بنظر المقتحِم، هو التوقيف بضعة أيام، وهو أمر يقبل به مقابل حصول عائلته على الأموال التي هي بحاجة إليها.