لم يكن السجال بين وزارتَي المال والاقتصاد بشأن "الضريبة على القيمة المضافة التي يفرضها اصحاب المولدات على المشتركين" سوى انعكاس لحال الدولة المترهلة. والوضع ليس افضل حالا بين وزارتَي الشؤون الاجتماعية والمهجرين. فهل ما جرى سببه عدم اطّلاع على اصول العمل الوزاري أم تنافس؟
عندما زار وزير المهجرين عصام شرف الدين سوريا للبحث في ازمة النزوح السوري، غضب وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار لاستحواذ زميله في حكومة "معاً للانقاذ" على ملف كان من صلب عمل وزارته بعدما ظلت لسنوات تعالج ذلك الملف الشائك والذي عرف زخماً في الاشهر الماضية بعد تضخم اعباء النزوح وعدم قدرة لبنان على تحمّلها .
وتكرر الامر وبصورة مغايرة بين وزارتَي المال والاقتصاد على خلفية طلب الاخيرة من المواطنين تعليق دفع الضريبة على القيمة المضافة لحين ورود جواب وزارة المال ليبنى على الشيء مقتضاه.
وزارة المال لم تتأخر في الرد واوضحت "مضطرة" وخاطبت الرأي العام وليس وزير الاقتصاد امين سلام وذلك لايضاح الإلتباسات التي وقع فيها، لافتة الى ان "الضريبة تُفرض بقانون وان الاعفاء منها يكون بقانون ايضاً".
فهل ثمة غموض في النصوص القانونية ما يستدعي تفسيرات مختلفة من الوزارات؟
عادة في هذه الحالة يكون هناك دور تنسيقي لرئيس الحكومة لاتخاذ القرار المناسب وفق ما ينص عليه الدستور.
لكن يبدو ان التنافس السياسي بين الوزراء والجنوح احياناً نحو الشعبوية يخلق مثل تلك التباينات. فالوزير شرف الدين الذي اعلن انسحابه من الحكومة خلال اعتصام امام مصرف لبنان كان من ضمن الفريق اللبناني المتابع لملف النزوح، وربما اراد اظهار "غيرة" لانهاء الملف الشائك وإن كان هناك اقتناع لدى اكثر من جهة بان "ملف النزوح لا يمكن انهاؤه من دون ارادة خارجية ليست متوافرة راهناً".
إلا ان ما شهدته احدى الجلسات الوزارية بين الوزيرين شرف الدين وحجار لا يتناسب البتة مع "التضامن الوزاري" ويضر بحكومة "معاً للانقاذ". وبعيداً من التنافس السياسي ضمن حكومة اللون الواحد ماذا ينص الدستور بالنسبة الى صلاحيات الوزير؟
" الوزير: موقع قيادي في الادارة "
صحيح ان الدستور نظم عمل السلطات وحدد الصلاحيات من مبدأ الفصل بينها وتعاونها، الا انه نص على اهمية دور الوزير فأكد انه في موقعٍ قيادي في الإدارة العامة، ونص الدستور ولاسيما المادة 66 منه على أن "يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به". ويشير استاذ القانون الدستوري عصام اسماعيل الى انه بسبب أهمية وعظم المهمة المنوطة بالوزير أوجبت هذه المادة أن يتحمل الوزير إفرادياً تبعة افعاله الشخصية.
ويضيف: "حرصاً من المشترع على عدم ارتكاب الوزير أي خطاً يستوجب مساءلته، فلقد أمّن له الحماية من خلال إشراك الفريق الإداري في الوزارة بتحضير كل الملفات التي ترد إليه، بحيث أوجبت المادة السابعة من المرسوم الاشتراعي الرقم 111 للعام 1959 أن يؤشر المدير العام على جميع المعاملات التي تُعرض على الوزير، كما أجاز مجلس الوزراء للوزير أن يستعين بمستشار أو أكثر، وكذلك أجاز نظام مجلس شورى الدولة أن يصار إلى الاستعانة بقضاة المجلس للقيام بأعمال استشارية في الإدارات والمؤسسات العامة".
يتضح انه يمكن للوزير ألّا يقع في خطأ من خلال اشراك فريقه الاداري قبل اتخاذ أي اجراء او حتى اصدار موقف، فكيف اذا كان الموقف يتعلق بشريحة واسعة من اللبنانيين الذين يسددون فواتير الاشتراك بالمولدات في ظل انقطاع كامل للتيار الكهربائي، او اذا كان الامر يتعلق بمسألة فائقة الحساسية في البلاد مثل ازمة النزوح السوري.
لكن هل يجب ان يكون الوزير ملمّاً بكل الامور؟ يجيب اسماعيل: "لم يكن مطلوباً اصلاً أن يكون الوزير ملمّاً بالأمور التفصيلية والتقنية في الوزارة، إلا أنه بالمقابل لا يحق له أن يصرح في موضوعٍ يجهله بخاصةٍ إذا نجم عن تصريحه تبعات، بل عليه أن يطلب من فريقه الإداري أو الاستشاري إعداد دراسة حول المسألة المطروحة قبل إطلاق المواقف بشأنها، وفي حال تبين خطأ المعلومات التي استند إليها فعليه فوراً التراجع عن موقفه".
إذاً التراجع عن الموقف ليس ضعفاً وإنما حرص على المرفق العام والمصلحة العامة المؤتمن عليها، ومن بعدها ينتقل لمساءلة من أعطاه المعلومة الخاطئة فيستبدل المستشار إذا كانت صادرة عنه، أو يعاقب المدير العام أو أحد موظفي الوزراء عندما يكون هو مصدر المعلومة ويحيله أمام الجهات الرقابية للمساءلة.
أما عند الغموض في النص فيوضح استاذ القانون الدستوري: "الغموض في النص يستدعي تفسيرات مختلفة من وزارات عدة، في هذه الحالة يتولى رئيس الحكومة التنسيق بين الوزراء".
تبدو المسألة ليست معقدة وتتطلب فقط الاحاطة بالصلاحيات والاستعانة
بالاستشاريين او المديرين العامين لاتخاذ الموقف السليم. اما خلاف ذلك فهو قلة خبرة.