مع دخول البلاد مرحلة الإقفال الجديدة المشددة، فُرِضت إجراءات خاصّة بالوافدين من بعض الدول إلى مطار رفيق الحريري الدولي. ومع الأزمتين الصحّية والاقتصادية اللتين تشهدهما البلاد، وخصوصاً الصحّية التي باتت كارثية، من الجدير معرفة تداعيات إقفال المطار على الاقتصاد، وإلى أيّ مدى يعدّ شريكاً في الدورة الاقتصادية وخصوصاً وسط هذه الأزمة، وكيف ستؤثّر قرارات الإقفال هذه على الوافدين من الدول المفروضة عليها إجراءات خاصّة؟
يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور جاسم عجاقة، أنّ "المطار يُعدّ من أهمّ المرافق الحيوية لأيّ بلد. ولبنان لا يمرّ بظروف اقتصادية عادية لتقييم الخسائر الناتجة عن تقييد حركته خلال الإقفال التامّ، فهو يتكبّد أساساً خسائر بسبب الأزمة الحالية. وحركة المطار أساسية للانتعاش الاقتصادي، ودونها سيكون الأمر أكثر تعقيداً، لكنّها خسارة لا بدّ منها".
ويسأل عجاقة :"في إطار تقليص أعداد الوافدين، السؤال الواجب طرحه على أنفسنا: هل الدول التي قُلِّص عدد الوافدين منها، لها التأثير الكبير على حركة المطار ومن ثم على الاقتصاد اللبناني؟".
وفي تفاصيل حديثه، يرى أنّ "خفض نشاط المطار يؤثّر بالدرجة الأولى في تقليص دخول الدولارات إلى لبنان، وهذا الأمر قد يكون له تداعيات على الليرة مقابل الدولار"، موضحاً أنّ "المدن التي اختيرت لفرض إجراءات خاصّة على الوافدين منها، تحرّك الاقتصاد المحلّي. فمثلاً، الوافدون من أديس أبابا هم من تجّار أفريقيا الذين يُدخلون دولارات إلى لبنان، حتى وإن لم يكونوا، على صعيد النشاط التجاري مثلاً، يقومون بأي نشاط كالتبادل التجاري بين لبنان وأي بلد أفريقي. والوافدون من تركيا يقومون بحركة تجارية بين البلدين، والوافدون العراقيون يقومون بالسياحة الطبّية والترفيهية على حد سواء. لذا قد نشهد، بسبب هذا الإقفال الجزئي للمطار، ارتفاعاً إضافياً بسعر الدولار بسبب تراجع دخول الدولارات إلى لبنان الموجودة لدى فئة من الوافدين".
قبل الأزمة، كان الاغتراب اللبناني يُدخل نحو 7,9 مليارات دولار سنوياً إلى لبنان. أمّا العام الماضي وبسبب الأزمة، فتُشير التقديرات غير الرسمية إلى أنّ تحويلات المغتربين بلغت نحو 3 إلى 3,5 مليارات دولار كحدّ أقصى في أحسن الأحوال، وفق عجاقة.
وإذا ما قمنا بعملية حسابية بسيطة وتقريبية، وعدَدْناها مؤشّراً، يمكن القول بأنّه مع الإقفال الجزئي للمطار، سيتقلّص دخول الدولارات إلى لبنان، وستُقدَّر الخسائر من ناحية دخول الأموال، كحدّ أقصى بـ 125 مليون دولار خلال 15 يوماً خلال الإقفال.
من جهته، يرى الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، أنّه "وفقاً لقرار الدولة القاضي بتقليص أعداد الوافدين إلى 20% عن أعداد الوافدين في شهر كانون الثاني من العام الفائت، تشكّل هذه النسبة نحو 1500 شخص يومياً، إذ يُقدَّر متوسط الأعداد بـ 6700 وافد يومياً، وقد تراجع العدد حالياً إلى نحو 4000. ومع تطبيق الـ20% على هذا الرقم يكون العدد نحو 1500 شخص يومياً خلال الإقفال التامّ، أي أقلّ بـ2500 من القادمين الآن".
وبنظر شمس الدين، "من الطبيعي والمتوقَّع أن يتدنّى عدد الوافدين من المدن التي فرضت الدولة إجراءات خاصّة على القادمين منها، لأنّ هؤلاء لن يأتوا مع وجوب حجرهم لسبعة أيام في الفندق، وخاصة العراقيين. فالسائح العراقي هو الوحيد الذي يأتي إلى لبنان سواء للطبابة أو للسياحة، وسيكون البلد مقفلاً أي لا مجال للسياحة. أمّا القادمون من أديس أبابا فمعظمهم من العمّال ولن يستطيعوا تكبّد نفقات الفندق، ومن ثم لن يأتوا. وكذلك بن يأتي القادمون من تركيا، فمعظمهم من السوريين الذين يعبرون من لبنان إلى سوريا. فتكون الفئات غير اللبنانية هي المستهدَفة من هذه الإجراءات، لكنّهم ينفقون المال هنا، وخاصّة العراقيين الذين يؤثّرون بشكلٍ كبير على الدورة الاقتصادية اللبنانية، وكذلك التجّار الذين ينفقون الدولارات، لذا فهاتان الفئتان لم يكن يجب استهدافهما".
وبرأيه، "يؤثر الإقفال الجزئي للمطار ووضع إجراءات خاصة للقادمين من بعض المدن، بشكلٍ كبير جداً. فالمطار متنفَّس للبنان، وإجراءات الإقفال الخاصة بالمطار تؤثّر بنحو 60 - 70% على الدورة الاقتصادية المرتبطة به، من حركة طيران وحجز فنادق وتوافد المغتربين. وقد تتضرّر الفنادق أكثر من غيرها من جراء هذه الإجراءات". مضيفاً أنّ "إقفال المطار، في ظل الأزمة التي نمرّ بها سلبي، فإصابات كورونا أصبحت داخل المنازل، وإقفال المطار لن يفيد بل يؤخّر الأزمة، فعدد الإصابات القادمة من الخارج قليل، وهي إصابات طفيفة ولا تستدعي إقفال المطار".
وكان المجلس الأعلى للدفاع قد أعلن مقرراته في إطار الإقفال التامّ الذي سينفَّذ في اليومين المقبلين، وقد تقرّر إلزام الوافدين من بغداد، إسطنبول، أضنا، القاهرة وأديس أبابا التي تُشكل 85% من عدد حالات الإصابات من الوافدين من أصل نحو 500 حالة شهرياً، بالإقامة على نفقتهم 7 أيام في أحد الفنادق، والخضوع لفحص PCR عند وصولهم، وبفحص ثانٍ في اليوم السادس من وصولهم، بالإضافة إلى تقليص حركة المسافرين في مطار بيروت الدولي ابتداءً من تاريخه، لتصبح 20% مقارنة بأعداد المسافرين القادمين في شهر كانون الثاني من عام 2020، على أن يخضع القادمون لفحص فوري.