اعلنت المنسقة المقيمة للامم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الانسانية نجاة رشدي تمديد خطة الاستجابة للطواريء في لبنان حتى نهاية السنة 2022، وطلبت من الجهات المانحة مبلغ 163 مليون دولار لتوفير الحاجات الضرورية للبنانيين والمقيمين الاكثر حاجة.
وقد عقدت رشدي مؤتمرا صحافيا في بيت الامم المتحدة امس قالت فيه: مضى أكثر من عامَيْن على بداية الأزمة في لبنان، واللُّبنانيون يتشبَّثون بِخَيطٍ رفيعٍ في ظِلّ التحديات الجمّة التي يواجهونها، فتَأرجَحت سُبُل عَيشِهم بين المَعلومِ والمجهول، وانتَفَت آمالُهم.
في جولاتي الميدانية المُعتادة، إستمعتُ إلى قصص الناس التي يَغلُبُها الألم والمعاناة. التقيتُ بشباب وشابات يتشاطرون أحلاماً بسيطة كالذهاب إلى المدرسة، ولكنهم اليوم يكافحونَ للحصول على فرصة عمل في القطاع غير النظامي بُغية إعالة أُسَرهم، فيما يسعى آخرون إلى مغادرة البلاد والبدء بحياة جديدة في مكانٍ آخر تاركين خلفهم بلادا تَستَنزِف يوماً بعد يوم موردها الأغلى والأثمن وهو رأسمالها البشري.
وتابعت: وفقاً لتقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6,5 في المئة في عام 2022، وذلك بعد انخفاضٍ بنسبة 10,5 في الماة و21,4 في المئة في عامي 2021 و2020 على التوالي. هذا ويواصل سِعر الصّرف انخفاضَهُ الحاد، بحيث فقدت الليرة اللبنانية 95 في المئة من قيمتها بحلول حزيران 2022، فيما بلغ التضخم التراكمي 890 في المئة منذ بداية الأزمة. كذلك، أثّرت الحرب في أوكرانيا على التدهور الاقتصادي والاجتماعي القائم في البلاد حيث انعكسَ بشكلٍ رئيسي في استنفاد احتياطيات القمح وارتفاع أسعار النفط التي أدت إلى ارتفاعٍ حادّ في أسعار الخبز وتسبَّبت في تهديد الأمن الغذائي.
أمّا بعد، فإذا بمعدلات البطالة التي تُشكل إحدى أوجه الفقر، ترتفع ارتفاعاً ملحوظاً فيتدنّى الحد الأدنى للأجور ليصل إلى أقل من 25 دولاراً أميركياً في الشهر، مما تسبَّبَ في انخفاضٍ ملحوظ في الدّخل وفي القدرة الشرائية. ويقدّم مسح القوى العاملة الصادر عن منظمة العمل الدولية في كانون الثاني 2022، صورة مُرَوِّعة للقوى العاملة اللبنانية التي تُكافح في ظل هذه الأوضاع حيث تبيَّنَ أنّ ما يقرب من ثلث القوى العاملة في لبنان عاطلة عن العمل، في حين ارتفع معدل البطالة الإجمالي بشكل كبير من 11,4 في المئة خلال 2018-2019 إلى 29,6 في المئة في عام 2022.
أما معدلات البطالة بين الشباب فباتت غير محمولة حيث بلغت 47,8 في المئة بين فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة. وبلغت ظاهرة البطالة أَوَجّها حيث طالت جيلاً كاملاً من المُنتِجين والمُبدِعين الذين يمكنهم انتشال البلد من أزماته ومساعدته على البناء قُدُماً تحقيقاً للبنان أفضل.
وقد انعكست زيادة أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية في الأشهر الأخيرة على أسعار البنزين والمازوت والغاز في لبنان، مما أثّر بشكلٍ وخيم على الناس فهدَّد حياة الآلاف من العائلات ودفع بها إلى حافة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وربما الجوع.
وتُشير التقييمات الأخيرة إلى أنه بنهاية العام الحالي سيحتاج 2,2 مليوني شخص إلى دعمٍ عاجل لتأمين الوصول إلى الغذاء والحاجات الأساسية الأخرى، ما يشكل زيادة بنسبة 46 في المئة مقارنة بالعام الماضي. كما تظهر أن 90 في المئة من الأُسَر في لبنان تستهلك الآن طعاماً أقل كلفةً، في حين تقوم 60 في المئة من الأُسَر بتقييد حجم حصتها الغذائية، وتقلّل 41 في المئة من الأسر عدد وجباتها الغذائية في اليوم، وبالطبع فإنّ الأطفال هم الأشد تضرراً من كل ذلك.
لقد عَمِلَت الأمم المتحدة عن كَثَب مع الحكومة اللبنانية لوضع اللَّمَسات الأخيرة على الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية. وأغتنم هذه الفرصة لأرحب بإقرار الحكومة على المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للإستجابة للأزمـة في وقت سابق من هذا العام. وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن هذا المشروع الطارئ ليس كافياً على الإطلاق نظراً للزيادة المطّرِدَة في احتياجات الأُسَر.
في الوقت نفسه، قطاع الصحة في لبنان على وشك الانهيار في وقت تتزايد فيه الاحتياجات إلى خدمات الصحة بشكل كبير. (...) فضلًا عن ذلك، تعاني المستشفيات من نقصٍ حاد في الإمدادات الطبية ونقصٍ في الكهرباء، في وقت غادر فيه أكثر من 40 في المئة من الأطباء و30 في المئة من الممرّضات لبنان منذ بداية الأزمة الاقتصادية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وفي تصريح حديث لوزير الصحة العامة، الدكتور فراس أبيض، قال أنّ القطاع الصحي هو بمثابة "قنبلة على وشك الانفجار في أيّ لحظة"، وهذا بالطبع مُثيرٌ جداً للقلق!
وما يدعي للقلق أيضاً هو صعوبة وصول الناس لمياه الشرب الصالحة نتيجة لنقص الكهرباء. (...)
لقد تطلّب التدهور السريع للوضع الإنساني في لبنان استجابةً راسخة من الفريق المعني بالعمل الإنساني، حيث أطلق الفريق، تحت قيادتي، خطة الاستجابة الإنسانية للطوارئ ،وهي خطة مُتّسِقَة ومتعددة القطاعات تمتد على 12 شهراً وتهدف إلى تلبية احتياجات السكان الأكثر ضُعفاً من بين اللبنانيين والمهاجرين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
منذ إطلاق الخطة في شهر آب 2021، وبفضل سخاء الجهات المانحة، تلقت خطة الاستجابة للطوارئ حتى الآن 51,4 في المئة من التمويل المطلوب، وهو ما يوازي مبلغ 197 مليون دولار أميركي. ومن خلال هذا التمويل، تمكنت الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني من مساعدة أكثر من 600,000 من بين اللبنانيين والمهاجرين واللاجئين الفلسطينيين الأكثر ضُعفاً في لبنان ممَّن تضرّروا من الأزمة، وذلك منذ إطلاق الخطة حتى نهاية شهر نيسان 2022.
علاوةً على ذلك، ومن خلال الصناديق المشتركة التي يقودها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أي الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ وصندوق لبنان الإنساني، قمتُ بتخصيص 53 مليون دولار أميركي منذ منتصف العام 2021 للمشاريع التي تركّز على قطاعات محدّدة وتلك المتعددة القطاعات من أجل إنقاذ الأرواح وحماية المدنيين المتضررين من بين مختلف الفئات السكانية في لبنان.
ومن خلال توفير الوقود في حالات الطوارئ، استطعنا دعم ما يربو على 600 مرفق صحي ومحطة ضخ للمياه لضمان توفير الخدمات المنقذة للحياة للسكان الأكثر ضُعفاً، وللمتضررين من أزمة الطاقة المستمرة، وضمان استمرار توفير الخدمات الأساسية في جميع أنحاء لبنان. لقد انتهت عملية توفير الوقود التي قادتها الأمم المتحدة بانتهاء المدة المحددة لها، لكن أزمة الطاقة لا تزال قائمة وتهدد إمدادات المياه الأساسية والخدمات الصحية في جميع أنحاء البلاد، مما يُعرّض حياة آلاف العائلات في لبنان للخطر. لذلك، أكرّر مناشدتي العاجلة للحكومة اللبنانية لإيجاد حلٍّ مستدام لأزمة الطاقة المستمرة واتخاذ إجراءات حاسمة لجهة اعتماد الإصلاحات الضرورية لمعالجة هذه المشكلة.
بعد مرور أحد عشر شهراً على إطلاق خطة الاستجابة للطوارئ في لبنان، لا تزال الاحتياجات الإنسانية تزداد بشكل مستمر وملحوظ. وفقاً للتقييم الأخير للاحتياجات المتعدد القطاعات الذي أُجرِيَ على مستوى البلاد برمّتها، زادت الاحتياجات الإنسانية بنسبة 31 في المئة بين عامي 2021 و2022، حيث أنّ 2,2 مليون لبناني ولبنانية، و86,200 مهاجر ومهاجرة، و207,800 لاجئ فلسطيني ولاجئة فلسطينية في لبنان، يحتاجون حالياً إلى مساعدات طارئة، هذا بالإضافة إلى 1,5 مليون لاجئ سوري ولاجئة سورية. فهم عاجزون عن تحمّل تكاليف الصحة والغذاء والكهرباء والمياه والتعليم وإدارة مياه الصرف الصحي أو حتى الوصول إلى تلك الخدمات الأساسية، ناهيك عن عدم قدرتهم على تغطية تكاليف خدمات الحماية المنقذة للحياة.
لهذا السبب، وبالتعاون مع الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني، والحكومة اللبنانية، والجهات المانحة التي لم تتوانَ يوماً عن تقديم الدعم، قُمنا بتمديد خطة الاستجابة للطوارئ حتى نهاية العام 2022.
هناك حاجة إلى مبلغ إضافي وهو 163 مليون دولار أميركي لتلبية الاحتياجات الإنسانية الإضافية للعدد المتزايد من الأشخاص المُستضعفين. وبالتالي، يكون قد بلغ مجموع التمويل المطلوب لخطة الاستجابة للطوارئ في لبنان منذ تاريخ إطلاقها في شهر آب 2021 حتى كانون الأول 2022، 546 مليون دولار أميركي.