النهار

هل يعتمد لبنان الطابع المالي الإلكتروني؟
A+   A-
ورد في مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2021، في الباب الثالث المتعلّق بالتعديلات الضريبية، وتحديداً لأوّل مرّة في المادّة 40 منه، مصطلح الطابع الإلكتروني أو (e-stamp).
أتى هذا النوع من الطوابع ليضاف إلى الطرق التقليدية للاستحصال عليها، عبر الطابع الورقي، والطابع الذي يصدر بموجب فاتورة لدى الكاتب العدل. وكذلك الطوابع التي تصدر بأوامر القبض في وزارة المال، وتلك التي تصدر بآلات الوسم لدى الأشخاص المرخّص لهم.

وشهد لبنان أزمة طوابع، أدّت إلى تحويل الأشخاص المكلّفين بهذا العبء نحو السوق السوداء، بعد نقص الكمية. وتكرّرت هذه المشهدية حتى تضاعف سعر الطابع في السوق، رغم منع القانون صراحة لهذا الوضع.

وأوضحت مصادر وزارة المال، أنّ الوزارة "تقوم بكلّ هذه الخطوات حتى لا يكون هناك نقص بطابع واحد في المستقبل، وأنّ الوزارة تعمل في الوقت الراهن كلّ ما بوسعها لضبط سوق الطوابع".

وتبلور المادّة 41 من مشروع الموازنة الصورة أكثر، وتدرج الطوابع الرقمية من ضمن الطوابع التي تباع في السوق أيضاً، لكن عبر آلات خاصة. أمّا ترخيص تركيبها وأصول استخدامها وشكلها ومواصفاتها، فتحدَّد بقرار يصدر لاحقاً عن وزير المال، بحسب ما ورد في مشروع القانون.

ويشرح المحامي والأستاذ المحاضر بالقانون الضريبي والمالية العامّة، كريم ضاهر لـ"النهار"، أنّ "الأطر التنفيذية لطريقة إصدار هذه الطوابع غير واضحة، إلى حين صدور توضيح عن وزارة المال، أو إصدار القرارات الإدارية التي ينصّ مشروع الموازنة على أنّ وزير المال هو المعنيّ بوضعها. لكن من خلال الاستدلال، ستكون الآلات موجودة في المؤسسات والدوائر الرسمية، بالإضافة إلى جهات خاصّة يُرخَّص لها لإصدار هذه الطوابع. وقد يكون لهذه الجهات تعاملٌ يوميّ وكثيف بالطوابع مثل المصارف، ومكاتب الاستيراد والتصدير على المرفأ، وغيرهما".

وتحدّد المادّة 42 الجهات التي يُستحصل منها على طوابع مالية "مُعدّة مسبقاً"، ومنها آلات في المؤسسات العامّة وفي أيّ مراكز أخرى. ليكون هذا تعديلاً للقوانين المرعية الإجراء، التي لا تلحظ هذا النوع من الطوابع الإلكترونية حتى الساعة في مندرجاتها.
ولا تزال أنظمتنا بعيدة كلّ البعد عن المكننة، بحيث تحافظ الدوائر الرسمية على البيروقراطية الورقية، التي يتهمها مراقبون، بأنها سبب الفساد لما يمكن للموظف والسماسرة الذين ينتشرون في الدوائر الرسمية فعله خلف الأوراق، على عكس ما تفعل المنصّات الإلكترونية المكشوفة أمام التفتيش، والمواطن، من تظهير لمبدأ الشفافية، والعلانية.

وشرحت مصادر وزارة المال أنّ "الطوابع الإلكترونية لم تحدَّد أطرها التقنية بعد. لكنْ سيكون للوزارة دور بارز في معرفة عدد الطوابع التي صدرت واستُخدمت، وقيمتها، لتحصل كلّ هذه العمليات تحت إشرافها". ولم تستبعد هذه المصادر فرضية أن تلزّم هذه الطوابع لشركة على طريقة B.O.T، أو عبر مناقصات عامّة، تاركة هذه الأمر للمستقبل حين تتخذ الحكومة المعنية القرار بشأنها.

أمام هذا الاقتراح الفريد، تتراجع الحاجة إلى الطوابع الورقية، لتكون الإلكترونية بديلاً في الكثير من الأحيان. وبحسب موادّ مشروع الموازنة، لم تضع الجهة التنفيذية التي أعدّته أيّ سقف لاستخداماته في المعاملات، كما فعلت بشأن الطوابع الورقية، (200000 ليرة طوابع ورقية كحدّ أقصى في المعاملة، وإلّا فالتوجه إلى وزارة المال)، بل تركته مفتوحاً وغير محدد بسقف، أقلّه إلى حين صدور القرارات التنظيمية المتعلّقة بشأنه عن وزير المال.

تقول مصادر وزارة المال لـ"النهار" بأنّ "هذه الطوابع وُضعت لتحلّ مكان الطوابع الورقية، وتحدّد الحكومة لاحقاً ضمن أيّ نسبة. وأنّ الأحكام المتعلقة بالطوابع الورقية هي تلك المتعلقة بالطوابع الإلكترونية".

ويرى ضاهر أنّ "الطوابع الإلكترونية إن بقيت غير مربوطة بسقف، فذلك سيساعد كثيراً المكلّفين الذين لن يضطرّوا إلى التوجه نحو وزارة المال في كلّ مرّة تتجاوز قيمة الطوابع على المعاملة 200000 ليرة (وهي حالات عديدة)، وإذاً الانتظار لوقت طويل لإنجاز المعاملات والعقود".

لا تتماهى هذه البيروقراطية المعهودة مع الرؤية التي يظهّرها مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2021، الداعية إلى إعفاء الشركات الناشئة من الضريبة على الدخل لمدة ثلاث سنوات، في المادّة 25، وكذلك الإعفاء الجزئي للاستثمارات في القطاعين السياحي والصناعي من الضريبة على الأرباح في المادّة 26. ولكي تنجح هذه الرؤية يجب أن تتكامل مع نصوص من شأنها جذب الاستثمارات، لتكون الطوابع الإلكترونية خطوة جيّدة نحو المكننة، لكنها غير كافية.

تسمح هذه الطوابع، بحسب ضاهر، بإحصاء الطوابع المستعملة فعلياً. لأنه في الطوابع الورقية، يمكن للبائع الادعاء بأنّ بعض الأوراق تُلفت، وفي واقع الأمر يكون قد باعها. هذا الأمر غير وارد في الطوابع الإلكترونية.

لذلك تنصّ المادّة 43 من هذا المشروع، بأنّ على المكلفين إصدار تصاريح إلكترونية شهرياً. لذلك، فإنّ الطوابع الإلكترونية تساهم في الحدّ من التهرّب من دفع رسوم الطوابع، ومن ثم رفع إيرادات الدولة الضريبية. وبحسب بيانات صادرة على الموقع الإلكتروني لوزارة المال، يتبيّن أنّ الإيرادات الضريبية الأخرى (أي الخاصّة برسوم الطابع المالي) تراجعت بقيمة 94 مليار ليرة لبنانية، أي ما نسبته 24,5 في المئة، لتصل إلى 289 مليار ليرة خلال كانون الثاني - آب 2020. ولأنّ أرقام السنة التي وقعت فيها أضخم أزمة يمرّ بها لبنان حتى اليوم لا تكفي لتأكيد هذا التراجع، عدنا إلى بيانات عامي 2018 و2019، ليتبين أيضاً أنّ الإيرادات الضريبية الخاصّة برسوم الطابع المالي تراجعت 10,77 في المئة، أي ما يقارب الـ64,8 مليار ليرة.

لا مجال في الطوابع الإلكترونية لنزعها عن المعاملات ووضعها على أخرى، كما يحصل عادةً في الطوابع الورقية، وهذا مصدر إضافي لرفع إيرادات الدولة، في ظلّ هذه الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.

وقال ضاهر إنّ "بعض الطوابع التي يستخدمها المحامون انقطعت من السوق، ما اضطرهم إلى اللجوء للسوق السوداء، التي حصّل أصحابها عوائد إضافية غير قانونية".

ويرى متابعون أنّ هذا الأمر غير وارد في الطوابع الرقمية، التي لا تباع بأيّ شكل من الأشكال في السوق السوداء. وإذاً لا إمكان للتلاعب بسعرها، لكونها محصورة فقط بالآلة التي تصدرها.

ولفت ضاهر إلى "أهمية التطوير على صعيد تحصيل الطابع المالي، المربوط بمهلة تسديد هي 5 أيّام إذا كان مقطوعاً، وإلّا يسدد بعدها 5 أضعاف. لذلك يجب الانطلاق من فكرة ألّا يكون الطابع المالي عائقاً أمام الاستثمارات".

أمّا شكل الطوابع، فرجّحت المصادر في وزارة المال، إمكان أن تكون آلات؛ يضع العميل مبلغاً من المال ليحصل في المقابل على الطوابع التي قد تكون ورقة تخرج من الآلة وتلصق على المعاملة. وأوضحت المصادر أنّ هذه الأمثلة تصوّرات، والموضوع لم يُبتّ حتى الساعة.

أمام هذه المحاولات، نسأل عن مدى جدّية التحوّل نحو الحكومة الرقمية، بعد أن وُضع قانون للشراء العامّ على الطريق السريع. وإذا سنّه المجلس النيابي تصبح كل عمليات الشراء العامّ علنية عبر المنصّة، ليأتي اليوم الطابع الرقمي الذي لا يزال ينتظر أيضاً النور. وقد أجمع خبراء الإدارة العامّة على أنّ الحكومة الإلكترونية التي تطبّق مبادئ الشفافية والعلانية كفيلة بمكافحة الفساد.

اقرأ في النهار Premium