... وكأن قدر اللبنانيين أن يتعايشوا مع الأزمات المعيشية المتلاحقة، فما أن تُحل أزمة حتى تكون أزمة أخرى خلف الباب تنتظر دورها لليّ أذرعهم في غياب المؤسسة الأمّ، أي الدولة، التي أوجب عليها دورها ووظيفتها حماية جميع أبنائها ولقمة عيشهم وأمانهم الإقتصادي والإجتماعي. أمس تمت معالجة جزئية لأزمة الكهرباء ووُعِد اللبنانيون بساعات "إنارة" أقل من اصابع اليد الواحدة فاستبشروا خيرا، الى أن بدأ التلويح من "تجار الأزمات"، وفق تعبير وزير الاقتصاد أمين سلام، بأزمة تهدد الرغيف، لقمة عيش الفقراء الذين يعتمدون عليه لسد جوعهم.
المصادر التي تروّج لحصول أزمات أكدت أن "القمح متوافر لأسبوعين فقط". وإنْ لم تنفِ أن ثمة كميات من القمح مرتقب وصولها قريبا، إلا أنها ربطت الموضوع "بضرورة تأمين الأموال اللازمة لدفعها للخارج، فيما قرض البنك الدولي المخصص لبواخر القمح، لن يسلّم للبنان قبل أواخر شباط، وتاليا فإنه في المرحلة الممتدة بين الأيام العشرة التي ذُكرت سابقا ونهاية شباط، سنكون أمام أزمة طحين، إذ إنه بعد موافقة مجلس الوزراء، ستأخذ الإجراءات وقتا بين موافقة وزير المال، ليفتح بعدها مصرف لبنان الاعتمادات اللازمة". وما عزز "تهويل" المصادر ما صدر عن نقيب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف بأن "القمح متوافر في البلد لأسبوعين فقط"، في حين ان "المشكلة تكمن في تسديد ثمنه لأصحاب المطاحن، والتأخير من مجلس الوزراء في دفع مستحقات المطاحن من دعم القمح".
هذا "التهويل" يعرف مصدره وزير الاقتصاد جيدا. ويقول لـ"النهار": "الذين يلوّحون بالازمة هم الاشخاص عينهم الذين لم يبرحوا يبشّرون بأزمة طحين من سنة واربعة أشهر. ولكن ثبت العكس، إذ إن كل الذين كانوا يتحدثون عن أزمة طحين، وعن رفع الدعم، أثبتوا خلال هذه الفترة أنهم كاذبون ويسرقون خبز الناس. وعندما قررنا وقف سرقاتهم، حاربونا كثيرا لكي لا نسير بخلية الأزمة الأمنية التي تضبط السوق اليوم، وبفضلها أصبح الخبز متوافرا للمواطنين. فتنظيم القطاع والتوزيع خارج الاطار القديم الذي اعتادوا عليه لم يعجبهم، فاعتمدوا سياسة التهويل بالازمات، ولكن ما يدحض مزاعم هؤلاء هو أن الاعتمادات مفتوحة ولا تزال ووصول القمح الى لبنان في انتظام... كميات الطحين والقمح متوافرة، وتغطي حاجة لبنان حتى وصول الشحنات من قرض البنك الدولي، والى ذلك الحين تصل كميات القمح بانتظام الى لبنان".
وقال: "شهريا يطل علينا رئيس نقابة الافران في بيروت وجبل لبنان ناصر سرور للتبشير بأزمة خبز، ولكن حتى الآن لم تطرأ أزمة خبز بما يدل الى أن كلامه غير صحيح. أما حاليا فيعتمدون سياسة مهاجمة قرض البنك الدولي لأنه فوّت عليهم فرصة السرقة كما كانوا يفعلون سابقا. فالآلية التي وُضعت مع البنك الدولي شفافة بمعايير دولية تدقق بكل المراحل من لحظة وصول القمح الى لبنان الى حين توزيعه طحينا".
والى حين وضع قرض البنك الدولي موضع التنفيذ، كان وزير الاقتصاد قد طلب أن يشمل جدول اعمال مجلس الوزراء طلب الوزارة تأمين اعتماد بقيمة 8 ملايين دولار إضافي لدعم شراء القمح المخصص لإنتاج الخبز العربي من حقوق السحب الخاصة لتغطية حاجة الاستهلاك في الفترة الفاصلة حتى مباشرة الافادة من قرض البنك الدولي. وهذا الامر برأي سلام هو "خطوة استباقية لتأمين التمويل قبل الدخول في الأزمة"، كاشفا أن جلسة الحكومة ستنعقد الأسبوع المقبل، وسيكون هذا البند أساسيا على جدولها، وبالتأكيد سيتمّ إقراره.
هذا البند استخدمه البعض لتأكيد إمكان حدوث أزمة طحين، لكن سلام أوضح أن هذه الدفعة هي الاخيرة قبل تنفيذ قرض البنك الدولي، "خصوصا أننا بدأنا باستدراج عروض قمح سيتم الاعلان عنها الاثنين المقبل على أن تصل شحنات القمح بعد شهر تقريبا، وهذه الدفعة هي لسد الثغرة من الآن حتى شهر، علما أن ثمة باخرتين من القمح وصلتا الى مرفأ بيروت وبدأتا بإفراغ حمولتهما أمس".
وجدد سلام تأكيده أن "لا أزمة طحين والاعتمادات مفتوحة وتُستكمل"، وأن الرئيس نجيب ميقاتي شدد على أنه "لن يتأخر في إقرار الاموال لتسيير أمور المواطنين المعيشية، علما أن كل الامور تسير بالاتجاه الصحيح وثمة استقرار تام في مادتي القمح والطحين من الآن حتى سنة. والاعلان عن أزمة هو نتيجة تخبطهم بعد فشل مخططاتهم بالسرقة"، وأضاف: "الأزمة مفتعلة من تجار الأزمات وتجار السوق السوداء، أملاً في إفشال العمل الذي نقوم به".