لطالما اعتمد لبنان على المبادرات الخاصة في كلّ قطاعاته لتحقيق تلك السّمعة الطيّبة في عالم النجاح، ولوضعه على الخريطة العالمية، وسط غيبوبة كاملة للدولة، التي يفتك بحضورها ويتحكّم بقراراتها مصالح سياسيّة ومطامع النافذين الفاسدين.
ومع اشتداد خناق الضائقة الاقتصادية وتفاقم الأزمة المالية، اختارت مستشفياتٌ لبنانيّة خاصّة ضمّ مستشفيات أخرى إليها، بعد أن استنفدت هذه الأخيرة كامل طاقات البقاء في القطاع الصحيّ، وغيابها سيؤذي الصحة الوطنية، فيما ضمان الاستمرارية سيساهم في توسيع شبكة الرعاية والطبابة والاستشفاء، وينهض بمرافق جاهدت في أحلك الظروف من أجل الصّمود.
شبكة مستشفيات أوتيل ديو
في هذا السياق، نجح مستشفى أوتيل ديو دو فرانس، وجامعة القديس يوسف، خلال عام 2022 و2023، باحتضان كلٍّ من مستشفى سان شارل في الفياضيّة، ومستشفى قرطباوي في أدما-كسروان، ومستشفى تل شيحا في زحلة-البقاع، ومستشفى سيّدة السّلام في القبيات-الشمال، وضَمّها إلى شبكة المستشفيات التابعة لجامعة القديس يوسف–أوتيل ديو.
وفي 28 حزيران 2023، أطلق رئيس جامعة القديس يوسف، رئيس الهيئة الإدارية في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس، الأب سليم دكاش، الاتفاقيّة رسميّاً مع مستشفى سان شارل، بمواكبة اتفاقيّة أخرى مع مستشفى المونسنيور قرطباوي، بعد اتّفاق بين رهبنة القلبين الأقدسين والجامعة اليسوعية. واعتبر الأب دكاش "أنّ هذه الخطوة هدفها إكمال رسالة راهبات القلبين الأقدسين، وقبلهنّ المُرسلات الألمانيات، لتوفير ما هو لازم لاستشفاء المريض وتطبيبه والعناية به.
سبق ذلك، في 15 كانون الأول 2022، توقيع بروتوكول تعاون بين مستشفى أوتيل ديو ومستشفى تل شيحا في زحلة-البقاع، أبصر النور في عام 1906.
وفي 11 تموز 2023، تمّ الإعلان عن ضمّ مستشفى سيّدة السلام للراهبات الأنطونيات–القبيّات إلى شبكة مستشفى أوتيل ديو دو فرانس، الذي سيُساهم في إدارة مستشفى سيّدة السلام ودعمه، بدءاً من أوّل تشرين الأول 2023.
مستشفى "أوتيل ديو"
يقول المدير العام لمستشفى أوتيل ديو دو فرانس، نسيب نصر، لـ"النهار" إنّ "المستشفيات التي انضمت إلى شبكة أوتيل ديو دو فرانس تشبهه، وهي تابعة لرهبنات وجمعيات ومطرانية الروم الكاثوليك. لقد مرّت هذه المستشفيات بمرحلة صعبة وضائقة مالية تفوق قدرتها، فجاءت خطوتنا لدرء الضرر عنها وعن العاملين فيها؛ وبالتالي، لتأمين استمرار الخدمات للمرضى الذين يقصدونها. ولقد جهّزنا بمعرفتنا وخبرتنا نظاماً تعاضديّاً كبيراً لدعم هذه المؤسّسات، ولتوسيع قدرة استيعاب مستشفى أوتيل ديو جراء طلب المرضى المتزايد.
بين العام الحالي والعام المقبل، هناك اتجاه لتوسيع الشبكة في داخل لبنان وخارجه إن شاء الله، وضمن ادارة المستشفيات دائماً؛ ولكنهّا ما زالت في إطار المباحثات مع بعض الدول العربية وفي المنطقة. من المفترض أن تُصبح جاهزة العام المقبل".
أمّا لجهة الاستثمارات الموظّفة فيُشير إلى "أن الاتفاقيّات الموقّعة لحظت كيفيّة تسديد الدّيون في هذه المستشفيات، وتكلفة النهوض. ليس هناك من أرقام محدّدة، فالموضوع كبير. والعمل جارٍ لخلق شبكة مستشفيات، وشبكة مستشفى أوتيل ديو ستكون الأكبر. هذا هو مستقبل لبنان في الاستشفاء".
يُذكر أنّ تاريخ مستشفى أوتيل ديو يعود إلى مجيء الإرساليات اليسوعية إلى لبنان، وقد وضع حجر الأساس بعد عراقيل عدة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ومع إعلان دولة لبنان الكبير وبداية الانتداب الفرنسي في عام 1922، فيما أقيم حفل الافتتاح بعد عام وثلاثة أسابيع، مع انتهاء عملية البناء بحضور الجنرال ويغان. في عام 1984، نقلت الحكومة الفرنسية إدارة المستشفى والجامعة اليسوعية إلى الرهبنة اليسوعية بإدارة حرّة لمدّة 50 سنة قابلة للتجديد. المستشفى ليس مموّلاً من قبل الحكومة الفرنسيّة لكن ثمّة دعماً مستمراً تحرص عليه، والسفير الفرنسيّ عضو في مجلس الإدارة عبر التاريخ.
المركز الطبي في "الأميركية"
من جهة أخرى، علمت "النهار" أن المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، الذي أبصر النور عام 1902، يدرس إمكانيات شراء مستشفى آخر، والتوّسع خارج بيروت، في إطار الدمج الذي يخدم نظام الرعاية الصحية الذي يتبعه.
المركز الطبي في "الجامعة الأميركية"
مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي-بيروت
في 28 نيسان الفائت، أعلن مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي-بيروت عن "تعاقد استثماري مع مستشفى البرجي-أميون في شمال لبنان، بدءاً من 01/05/2023".
ومن أجل رفع مستوى الخدمات في مستشفى البرجي ليتلاءم مع المستوى المقدَّم في بيروت، سواءً لجهة النوعية أو الجودة العالية، قرّرت إدارة مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي إعادة تأهيل المستشفى المذكور إن لجهة البناء أو لجهة المعدات.
ويعتبر المدير العام لمستشفى القديس جاورجيوس الجامعي الدكتور مروان نجار أن "ما يحصل هو خلق نوع من شبكات التواصل بين المستشفيات الكبرى والمستشفيات الصغرى أو الضعيفة الموزّعة في المناطق، بسبب عدم تمكّنها من الاستمرار بقدراتها الذاتيّة، وبهدف تحسين نوعية الخدمة فيها وأدائها الطبي والعلاجي والاستشفائي. فهذه هي الأسباب الرئيسية لخطوة التعاقد".
مستشفى "القديس جاورجيوس"
ويلفت إلى "الحجم الكبير للاستثمار الجاري رصده لتطوير الخدمات الاستشفائية والعلاجية في مستشفى أميون خدمة لأهل منطقة الكورة وجوارها، واستجابة للواجب الإنساني الذي من أجله أُنشىء مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي منذ عام 1878، وسوف يجري تسديده على دفعات مع تقدّم الأعمال".
ويضيف: "لكن لغاية تاريخه، ليس لدى إدارة مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي مخطط للتوّسع نحو مناطق أخرى، بسبب المتطلّبات الكبيرة للاستثمار، فيما على المستشفى استكمال ترميم مبانيه في الأشرفية التي تعرّضت لأضرار كبيرة خلال انفجار 4 آب عام 2020، تاركين الأمر لصاحب السيادة المتروبوليت إلياس عوده رئيس مجلس إدارة مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي من أجل اتخاذ القرار المناسب".
في البقاع
وعُلم أنه في منطقة البقاع، حيث 5 مستشفيات تعمل بصعوبة كبيرة من أصل 28 مستشفى موجودة، تمّ الاتفاق بين مستشفى دار الأمل الجامعي ومستشفى المرتضى على استثمار الأول للثاني لمدة 7 سنوات.
وفي الواقع، إن مستشفيات المنطقة، التي ازدادت معاناتها بسبب الأزمة الاقتصادية، تتميّز بوضع خاص، باعتبار أنها:
1- مملوكة بمعظمها من أفراد، وخدماتها تطال بمعظمها العائلات والمقربّين، واستيفاء أكلاف الرعاية الاستشفائية تصبح شبه مستحيلة.
2- اعتمادها على الهيئات الضامنة الرسمية في تغطية المرضى فيما نسبة المرضى، الذين تتحمّل شركات التأمين الخاص نفقة علاجهم، لا تتعدّى الـ2%.
وما تقوم بتحمّله الهيئات الضامنة الرسمية من وزارة صحة، وتعاونية موظفي دولة، وضمان اجتماعي، وقوى عسكرية، لا يُواكب التكلفة الحقيقيّة للخدمات التي هي في تصاعد سريع.
أمّا في الجنوب اللبناني، فلم يُسجّل أيّ دمج أو أنضمام في داخل القطاع، فالوضع ليس بأفضل، علماً بأنّ المستشفيات بمعظمها مملوكة من أفراد، باستثناء البعض الذي تشرف عليه الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله مقدّمة مستلزمات الدعم.
في لبنان اليوم زهاء 150 مستشفى خاصّاً، بينها 128 إقامة قصيرة، و22 إقامة طويلة. تتنوّع ملكيتها بين إرساليات ورهبنات وجمعيات وأفراد وعائلات أو مجموعة أطباء.
إعادة هيكلة النظام الصحي في لبنان اليوم ضرورة ملحّة، فضلاً عن توحيد الجهات الضامنة وتحديد المسؤولية. والمبادرة الجريئة التي يقوم بها مستشفى أوتيل ديو دو فرانس ضمن استراتيجيّته تراعي معيار الاقتصاد في نظام الرعاية الصحية، من دون تجاهل الجوانب الإنسانية المبنيّة على تكلفة الرعاية والإنفاق عليها مقابل ما يقدّمه الأفراد والجهات الضامنة بما يضمن المحافظة على مستوى الخدمات الصحية وتطويرها بعيداً عن أي أعباء مالية.