لا يمكن توقّع صيف واعد - وفق التحليل المنطقيّ - مع سلسلة الأزمات التي تحيق بلبنان، والتي استمرّت بالتفاعل بالرغم من الرهانات الكثيرة على الاستحقاق الانتخابيّ في خفض تأثيراتها السلبيّة. لكن الواقع في لبنان يجري في سياق متمايز عن منطق الاقتصاد، إذ مع بداية موسم الصيف، يُبدي المعنيّون في القطاع السياحيّ الحرص على استقبال موسم "ممتاز" بشرط سيادة الاستقرار السياسيّ. وهو توقّعٌ يأتي بعد انحسار جائحة كورونا، أي بعد أكثر من موسمين ضعيفين خلال السنتين الماضيتين. وممّا يبعث على التفاؤل سياحيّاً في لبنان، بالرغم من الأزمات المستفحلة، وندرة السّلع والخدمات السياحيّة، أمران اثنان شكّلا الدافعَين الأساسيَّين للوافدين إلى لبنان، من لبنانيّين مغتربين، وبعض العراقيّين والمصريّين والأردنيّين؛ وهما: انهيار الليرة ورفع القيود الصحيّة الاحترازية.
في السياق التفاؤليّ تأتي تغريدة لافتة لرئيس تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين HALFA، أنطوان منسّى، التي أورد فيها أنّ عدد الوافدين من دول الانتشار يفوق المليون شخص، وأنّهم يُمكن أن يأتوا بنحو ثلاثة مليارات من الدولارات "الفريش"، ممّا شكّل مفاجأة في ظلّ الارتفاع المتواصل والسريع لسعر الدولار، وما رافق هذا الارتفاع من أزمات خبز وطبابة واتّصالات وغلاء محروقات، تلت مباشرة الانتخابات النيابية.
هل يتطابق هذا التوقّع مع اليوميّات اللبنانيّة؟
"نحن أمام موسم صيف من المفترض أن يكون واعداً، بعد أن شلّت جائحة كورونا الأسواق السياحيّة لأكثر من عامين. ففي هذا العام، هناك نشاط كبير في الحجوزات في لبنان، بالنظر إلى أنّ لبنان حاليّاً يُعدّ من أرخص الدول الموجودة على الخريطة السياحيّة خدماتيّاً"، هذا ما يؤكّده نقيب أصحاب المجمّعات السياحيّة البحريّة والأمين العام لاتّحاد المؤسسات السياحيّة، جان بيروتي، في حديث لـ"النهار".
فالأسعار في لبنان منخفضة جدّاً بالنسبة إلى الأسعار في جميع دول العالم، إذا ما احتسبناها على مقياس الدولار. لذلك، يجب أن يكون هذا العامل محفّزاً لمزيد من الوافدين، وفق بيروتي. يُمكننا أيضاً إضافةً الهجرة اللبنانية القديمة والجديدة، اللتين شكّلتا جيلَين من العائدين إلى لبنان لتمضية الصيف، "لكنّ ذلك يتوقّف طبعاً على الاستقرار السياسي، في حين أنّ الاستقرار الأمنيّ موجود".
تصوير نبيل إسماعيل (أرشيفية)
المؤسّسات السياحيّة البحريّة ستشكّل جزءًا أساسيًّا من الحركة السياحية في صيف 2022، وستنشط السياحة أكثر بجميع أنواعها في المناطق الساحلية، سواء أكانت فنادقَ أم مطاعمَ أم ملاهيَ ليليةً، من دون أن ننسى نصيب المناطق الجبليّة من السياحة، وهي التي شهدت نموّاً في السنتين الأخيرتين عندما نشطت السياحة الداخليّة.
وبما أنّ السياحة ترتكز بشكل أساسيّ على الفنادق التي يحجزها الوافدون من الخارج، يورد بيروتي أنّ نسبة حجوزات الفنادق وصلت إلى ما يقرب الـ50 في المئة على طول الشاطئ اللبناني.
لذلك، فإنّ الحجوزات تركّزت على الفنادق الموجودة على الساحل والمطلّة على البحر، أكثر من الفنادق الداخلية في العاصمة، والتي أقفل جزءٌ منها، في حين يبحث الوافدون عن فنادق "صيفيّة" هرباً من حرارة الأجواء. كذلك - بحسب بيروتي - هناك جنسيات أجنبيّة لم نرَها منذ زمن، ونتوقّع زيارتها لبنان كمثل الوافدين من البرازيل والأرجنتين والسويد وجنوب أفريقيا.
حجوزات السفر إلى بيروت هائلة!
بالنظر إلى أنظمة الحجوزات، يتبيّن أنّ الطائرات الوافدة إلى بيروت من جميع الوجهات امتلأت بنسبة تقترب من الـ99 في المئة، وستُصبح 100 في المئة، من 15 حزيران وحتى 15 تموز"، وَفق ما يؤكّده نقيب أصحاب وكالات السياحة والسّفر، جان عبّود، في حديث مع "النهار".
ومن المفترض - وفق عبّود - عندما يفوق الطلب العرض أن تزيد شركات الطيران عدد رحلاتها. وفي الفترة المذكورة، وبحسب نظام الحجوزات، سيأتي إلى لبنان 110 طائرات تقريباً في اليوم. وإذا ما احتسبنا كمعدّل وسطيّ أنّ كلّ طائرة تقلّ 150 راكباً (نظراً لِسَعَة الطائرات)، يكون العدد التقديريّ للركّاب الوافدين يوميّاً إلى لبنان نحو 17 ألف راكب.
إذن، الطلب كبير على الحجوزات إلى لبنان؛ ومعظم الوافدين هم مغتربون لبنانيّون، مع نسبة من المصريّين والأردنيّين الذين شكّلوا العام الماضي حركة سياحيّة، وفق قول عبّود. وهناك عامل محفِّز أساسيّ لمجيء هذا العدد الكبير من الوافدين، وهو رفع القيود الصحّيّة. لذلك، فإنّ "الإقبال هذا العام هو أكبر بكثير من العام الماضي، حين بلغ في مرحلة الأوج نحو 12 إلى 13 ألف راكب يوميّاً، ولفترة 10 أيام. لكن هذا العام سيكون هناك زيادة بنحو 40 في المئة من الوافدين صيفاً".
تصوير حسن عسل (أرشيفية)
وفي مقارنة مبدئيّة وتقريبيّة، يؤكّد عبّود أنّه في صيف 2019، أي قبل اندلاع تحرّكات 17 تشرين، لم يتعدَّ عدد الوافدين إلى لبنان الـ16 ألفاً أو الـ17 ألف وافد، مع غياب توافد السيّاح الخليجيّين، وسط التأزّم السياسيّ. لكن الآن، السبب الأساسيّ لتشجيع الوافدين للمجيء إلى لبنان هو رخص الأسعار قياساً بالدولار، بتأثير من انهيار الليرة.
الحركة قويّة في ما تبقّى من مطاعمَ وملاهٍ...
من جانبه، توقّع نائب نقيب أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري، خالد نزهة، في حديث لـ"النهار"، أن يكون موسم الصيف "ممتازاً"، إذا ما خفّت التجاذبات السياسية وسارت الاستحقاقات الدستورية بسلاسة.
"الحركة قويّة في ما تبقّى من المطاعم والملاهي الليلية وفي الشوارع السياحيّة، حيث تحرّك المطاعم والحانات هذه الأماكن كشوارع الجميزة ومار مخايل وبدارو والبترون وساحل المتن"، وفق نزهة. لكن هذا لا يمنع من مواجهة أصحاب المؤسّسات تحدّيات ارتفاع تكلفة المحروقات بشكل أساسيّ والسّلع الأخرى.
إضافةً إلى المغتربين، يأتي السيّاح حالياً بأعداد كبيرة من العراق، ومن مصر، ومن بعدهما الأردن. وهناك غيابٌ للسيّاح الخليجيّين والأجانب، وفق نزهة، الذي وجّه "دعوة هنا إلى الأشقّاء العرب للعودة إلى بلدهم الثاني، وتحريك الاقتصاد أكثر".
تصوير مارك فياض (أرشيفية)
تصوير مارك فياض (أرشيفية)