"دولرة الضرائب"... هذا المصطلح دخل خلسة إلى عالم الاقتصاد "اللبناني فقط"، متنكّراً بالطابع الإنقاذي، فيما هو، كغيره من القرارات والسياسات التي سبق واتُخذت، يتّجه في طريق مجهولة، كارثية وغير مدروسة على الإطلاق.
ففي معجم مسؤولي هذا البلد، يهدف هذا المصطلح إلى الانتهاء من العجز المالي، عبر توقّف مصرف لبنان عن إدانة الدولة، فتتحسّن السياسة النقديّة والماليّة... وفي الواقع، لا يضرّ هذا القرار سوى المواطن، في ظلّ غياب شبكة حماية اجتماعيّة ومعيشيّة وصحيّة وتعليميّة وغيرها، وتُحمّله تكاليف باهظة الثمن مقابل أبسط الخدمات - إن وُجدت - على رأسها الكهرباء والماء.
وتشرح البروفيسورة نيكول بلّوز بايكر، أستاذة جامعية وباحثة في السياسات الاقتصادية، التعريف الحقيقي لهذا الخيار، معتبرة أن هناك توجّهاً لسرقة المواطن مرة أخرى بعد الانتهاء من سرقة ودائعه.
وأضافت لـ"النهار" أن هذه الخطة التي تضع المواطن أمام خيارين فقط، إما إقراض الدولة من الودائع، وإمّا دولرة الضرائب، ولن تنجح في ظل تدنّي المداخيل والرواتب التي لا يتقاضاها المواطن بأكملها بالدولار، ممّا سيؤدّي إلى ازدياد الطلب على الدولار وتدهور الليرة وخفض النمو، فتتحكّم السوق السوداء مجدّداً بالنّاس، ويُستكمل مسلسل الانهيار.
ورأت بايكر أن الحلّ لا يأتي من خلال رفع الإيرادات بل من خلال خفض النفقات، ولا يأتي من خلال دولرة الضرائب بل من خلال إعادة هيكلتها وهيكلة المؤسّسات، ووقف الهدر، ووقف التهرّب الضريبيّ، وتسكير المعابر غير الشرعية... وكلّ ذلك لن يحصل مع وجود الطبقة السياسيّة نفسها المتحكّمة بالبلد، والتي أوصلته إلى ما هو عليه اليوم.
ولفتت إلى أنه لا يُمكن للبنان أن يعتمد الدولار من دون أن يكون اقتصاده كاقتصاد الولايات المتحدة، ولا يُمكن أن "نخترع" حلولاً بالنقد مع تعذّر وجود الدولارات؛ وهذا يعني فقط الاستسلام للسوق السوداء. يصطلح الاقتصاد حين يصطلح النقد، وليس العكس.
ماذا عن دولرة الكهرباء؟
تشير الخبيرة القانونية في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر إلى أن دولرة الضرائب تدلّ على هروب الدولة من تصحيح الوضع؛ فبدل الاتّجاه نحو تنفيذ الإصلاحات، يتمّ تحميل المواطن العبء الأكبر. وما يحصل في ملف الكهرباء سبق وشهدناه في ملف دولرة أسعار السلع الغذائية عبر إقناع المواطن بأنها الخطوة المثالية. ولكن - على العكس - لم يتغيّر شيء في الواقع، وبقيت الأسعار غير مستقرّة.
هذا الأمر نفسه بالنسبة إلى الكيلو واط الذي سنسعرّه بالدولار لإزاحة العبء الذي من المفترض أن يتحمّله مصرف لبنان، وتحميله للمواطن، فيما سعر هذا الكيلو واط لن يتغيّر، ومشكلة الكهرباء لن تنتهي.
وسبق أن نصّت خطة طوارئ على رفع سعر الكيلو واط من 14 سنتاً إلى 27 سنتاً مقابل زيادة القدرة الإنتاجيّة، تضيف أبي حيدر لـ"النهار"، ولكن لم نشهد أيّ عمل إصلاحيّ، ولم تتمّ إزالة التعدّيات ولا إلزام المواطنين والمؤسّسات بالدّفع بشكل عادل، ولم يُحوّلوا المعامل إلى الغاز التي هي أقلّ تكلفة، بل اكتفوا بتحميل المواطن الغلاء المعيشيّ، ثمّ وصلنا إلى باب مغلق بحلولٍ "ترقيعية"، مع عدم قدرة مصرف لبنان على تحويل العملة اللبنانية إلى الدولار.
إذن، النتيجة واحدة: هلاك المواطن وزيادة معدّل الفقر. أمّا مقولة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الشهيرة "الليرة اللبنانية بخير"، فلم يبقَ منها لا الخير ولا حتى الوجود.
وتعلّق الزميلة الكاتبة الصحافية والاقتصادية سابين عويس، مؤكدة أنّ خطوة الدولرة ستضرب سيادة العملة الوطنية، و"كأنّنا نعترف بزوالها"، وبالتالي ضرب العمّال، خصوصاً في القطاع العام، الذين يتقاضون جزءاً من رواتبهم بالليرة، والذين لن يستطيعوا دفع الرسوم المتوجّبة عليهم.
وترى أنّه كان لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار كيفية حماية الدخل المحدود، وفرض الضرائب والرسوم على قطاعات محدّدة كالجمارك والمطار وغيرها. ولكن هذا لا يلغي ضرورة البدء بالإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي لإعادة الثقة بالعملة وبالقطاع المصرفيّ.
في النهاية، لا خيار أمام هذا المواطن سوى انتظار الحلقة الأخيرة من مسلسل انهيار لبنان على يد المسؤولين عن اتخاذ القرارات المصيريّة، فيما السؤال الذي يكتنفه الغموض أن "ماذا تخبّئ لنا الأيام المقبلة؟".