النهار

منصوري يهمس في الكواليس... "ضريبة" على قرضٍ قد سُدّد؟!
فرح نصور
المصدر: "النهار"
منصوري يهمس في الكواليس... "ضريبة" على قرضٍ قد سُدّد؟!
تعبيرية.
A+   A-
 منذ تسلّم حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري حاكمية مصرف لبنان، تبشّر به المودعون خيراً بناءً على التوجهات التي ينوي المضيّ بها، ولا سيما تأكيده أنّ استعادة أموال المودعين أمر غير مستحيل واجتماعه بهم. بعد هذا الاجتماع، جرى الحديث عمّا سُمّي "مقترحاً" عن منصوري، مفاده أنّ فرض ضريبة على المقترضين المستفيدين الذين سدّدوا قروضهم على سعر دولار المصارف (لولار)، أو على دولار 1500 ليرة. 
 
النائبة الدكتورة غادة أيوب المتخصصة بالمالية العامة، توضح لـ"النهار" أنّه "قانوناً ليس هناك ضريبة يمكن أن يفرضها حاكم مصرف لبنان"، إذ تنصّ المادة 81 من القانون على أنّه "تُفرض الضرائب العمومية ولا يجوز إحداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلّا بموجب قانون شامل تطبَّق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء". كما تنصّ المادة 82 من القانون على أنّه "لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلّا بقانون". أي إنّ فرض أي ضريبة هو من صلاحية مجلس النواب حصراً.
وفيما الحديث عن "ضريبة" على هذه القروض، كيف يمكن فرض "ضريبة" على قرضٍ قد سُدّد؟ تسأل أيوب. ومَن سدّد قرضه السكني، من غير المنطقي أن يدفع ضريبة بشكل شخصي بعد مرور فترة طويلة على سداده. لذلك، لا يمكن فرض ضريبة في هذا الإطار.
 
وإن كان هذا الطرح تحت إطار الإثراء غير المشروع أو الاستفادة، فهو يصبّ في خانة القروض التجارية وليس الشخصية، التي استفاد منها أصحاب المؤسسات من فارق العملة، ما أدّى إلى إلحاق الخسائر بالمصارف، وكان يُحكى عن استرداد هذا الفارق الذي خسرته. لذا، لا يُعدّ ما قامت به هذه المؤسسات في إطار الإثراء غير المشروع ما دام تحت القانون، ويقتصر على الاستفادة من ظرف مالي راهن حينها، أي تعدّد أسعار الصرف، لكن بحكم القانون تم تسديد هذه القروض. بالتالي، هذا الأمر غير ممكن تطبيقه على القروض السكنية. 
 
وحتى إذا ما تحدّثنا عن سيناريو آخر وهو أن يطلب المركزي من المصارف فرض بدلات من أصحاب القروض التي سُددت، فهذا السيناريو، بحسب أيوب، لا يمكن تطبيقه، إذ ليس هناك أي معاملة لأي صاحب قرض قد سدّد قرضه، تبقى مفتوحة في المصرف ويمكن فرض بدلات عليها. و"في الحالتين، قد يكون ما قصده حاكم مصرف لبنان فُهم بشكل خاطئ"، تقول أيوب.
 
وإن اقتُرح هذا المقترح على مجلس النواب، فلن يمرّ، إذ سبق أن اقُترح أمر مشابه على الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة على ودائعهم لاستردادها. لذلك، جميع الاقتراحات المطروحة، وفق أيوب تهدف إلى إعادة أموال المودعين لكن عليها أن تمرّ بمجلس النواب أولاً، ولهذا الأخير هدف واحد هو حماية أموال المودعين وعدم تغطية أي قانون يشرّع الهيركات أو شطب أموال المودعين.
 
 
ضرائب إيجابية؟
مشروع موازنة عام 2024 ضمّ أنواعاً كثيرة ومتعددة من الضرائب، وخصوصاً زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنقطة واحدة. أمّا مقترح الضريبة على القروض التي سُدّدت باللولار أو بالليرة اللبنانية، فهو، إذا وصل إلى مجلس النواب، نتوخى الحذر الشديد لتبعاته لأنّه سيف ذو حدين، يقول البروفسور جعفر عبد الخالق، المتخصّص في العلاقات الاقتصادية الدولية.
 
ويشرح أنّه في كل الدول، وخلال فترات الأزمات الاقتصادية والمالية الجامحة، تتغيّر طبيعة التفاوت الاجتماعي جذرياً، وكذلك البنية الاقتصادية والمالية للبلد المعني. وفي لبنان اضمحلت الفئات الوسطى وانضمّت للفئات الأدنى، والفئات الأدنى تراجعت لحدود خط الفقر.
 
وفي الأزمات المماثلة، قانون اقتصادي اجتماعي يرعاها: "كل طلعة تقابلها نزلة"، ما يعني أنّه في أي اقتصاد أو منظومة، كل خسارة تقع على فئة معينة، يقابلها ربح لفئة أخرى أو تسرّب للخارج. فمثلاً أصحاب المداخيل المحدودة في لبنان خسروا لحدود 93 في المئة من مداخيلهم، مَن ربحها بالمقابل؟ يسأل عبد الخالق. فكل قرض سُدّد خلال الأزمة باللولار أو الليرة، استفاد منه المقترِض وخسر بالمقابل القارض. ويعود ذلك إلى مستويات القروض، كبيرة كانت أو متوسطة أو صغيرة.
وكانت استفادة المقترضين الصغار متواضعة بالحجم (معظمها قروض استهلاكية)، بينما أصحاب القروض الكبيرة تضخّمت استفادتهم، خصوصاً أنّ قروضهم إمّا تحوّلت إلى موجودات، أو إلى حركة أعمال أو أصول نقدية هُرّبت للخارج كما بعض الأصول الاساسية.
 
بناءً على ذلك يمكن القول "إنّ الضريبة على القروض المسدَّدة قد تكون إيجابية إن كانت تصاعدية بحسب حجم القروض، مع إعفاء القروض ما دون الخمسين ألف دولار، منها"، برأي عبد الخالق. 
 
وممّا لا شك فيه أنّ فرض ضرائب على القروض المسدَّدة، سيطال القروض السكنية والشخصية، وبالتالي مفروض أن يتّخذ مساراً إيجابياً إذا ما كان تصاعدياً وأُعفي عن القروض السكنية والشخصية الصغيرة الحجم.
 
لكن لا يعتقد عبد الخالق أنّ الدولة بهذا الوارد الإيجابي اليوم. وإذا حدث وفُرضت ضريبة نسبية (غير تصاعدية) على كل فئات القروض المسدَّدة، فهي كمَن يساوي بين العين والمخرز، في اقتصاد يأكله التضخم والركود واللامساواة، وانهيار الفئات الوسطى لحد الاندماج مع الفئات الدنيا. وفرض الضرائب النسبية بالتساوي بين الفقراء والاغنياء، هو مزيد من الإفقار، وقليل من تكليف الأغنياء، وبالتالي حرمان الخزينة من مداخيل واهية بالتهرب الضريبي المؤكَّد.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium