لم يدر في أذهان أصحاب شركات توزيع المحروقات وأصحاب المحطات وموزعي الغاز أن وزير الطاقة وليد فياض سيجرؤ على خفض سعر مبيع المحروقات والغاز دفعة واحدة بنسبة تزيد عن 18% على خلفية هبوط سعر صرف الدولار الاميركي والانخفاض العالمي في اسعار النفط. هذا القرار الذي أزعج التجار لم يزعج الوزير الذي لم يتأخر يوما عن رفع اسعار المحروقات متى ارتفع سعر النفط أو الدولار، وكان بذلك يخدم قدرة التجار والمستوردين على حماية رأسمالهم. لكنّ المستوردين والتجار لم يبادلوه الموقف بالموقف، فهم رابحون حكماً عند رفع الاسعار ويرفضون التضحية بالقليل عند انخفاضها. هذا الانزعاج ترجمه قطاع توزيع المحروقات وبيعه تقنينا في البيع ما ادى الى نشوء طوابير تسببت باذلال الناس وعرقلة السير على الطرق في مشهد مستعاد من أيام الدعم المشؤوم وفقدان المحروقات، فقاموا بخلق ازمة والترويج لانقطاع المادة مما جعل الناس يتهافتون لـ"تفويل" سياراتهم. وبهذا يحصد اصحاب المحطات سيولة طائلة بالليرة اللبنانية يسعون وفق ما تؤكد مصادر متابعة لاستغلالها بشراء الدولار على سعر "صيرفة" وفق التعميم الاخير لحاكم مصرف لبنان الذي لم يحدد سقفا معينا للمبالغ، وهم بذلك يصيبون عصفورين بصفقة واحدة: يبيعون مخزونهم بالكامل دفعة واحدة، ويحوّلون كامل رأسمالهم الى دولار على سعر "صيرفة".
فقد أصدر وزير الطاقة جدول تركيب أسعار جديد للمحروقات، لحظ تراجعا في الأسعار بمستويات مرتفعة جدا، إذ انخفض سعر البنزين 95 أوكتان 137000 ليرة، والبنزين 98 أوكتان 141000 ليرة، والمازوت 152000 ليرة، والغاز 90 ألفا، ما أدى إلى إقفال عدد كبير من محطات المحروقات أبوابها على خلفية أنها ملزمة البيع بالليرة وفق تسعيرة جدول الوزارة، فيما عليها شراء المحروقات بالدولار الذي لم تؤمّنه معظم المصارف عبر منصة "صيرفة" التي رفع سعرها الى 38 ألف ليرة، فأقفلت محطات كثيرة أبوابها.
وأكد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات الدكتور جورج البراكس، أن "تخفيض أسعار المحروقات في لبنان، هو مطلبنا قبل غيرنا لأنه يزيد الاستهلاك وينمّي المبيعات في المحطات، ولكن تخفيض الاسعار كبّد المحطات خسائر تتخطى 80 ألف ليرة في كل صفيحة بنزين، لأن وزارة الطاقة أصدرت جدول تركيب الاسعار مع احتساب سعر صرف الدولار وفقا لمنصة صيرفة تبعا للتعميم الصادر عن مصرف لبنان".
وأشار إلى أن "المحطّات لم تستطع بتاتاً الحصول على الدولار من المصارف واضطرت لشرائه من مكاتب الصيرفة بسعر يفوق 44500 ليرة".
وقالت نقابتا أصحاب محطات المحروقات وموزعي المحروقات في بيان “إن جدول أسعار المحروقات الصادر عن المديرية العامة للنفط، لحظ سعر صرف الدولار على سعر صيرفة من دون وجود آلية لحصول أصحاب المحطات والموزعين على دولار صيرفة”. واضاف: “هذا أدى إلى خلل في السوق، مما اضطر أصحاب المحطات بمعظمهم إلى الإقفال القسري، الأمر الذي أدى إلى تزاحم على المحطات الباقية".
وأشار البيان إلى "احتساب الجدول على أساس 38 الف ليرة لبنانية، علما أن سعر السوق السوداء يراوح ما بين 44 الف ليرة و45 الفا، وعدم تأمين دولار صيرفة للقطاع، أديا إلى ما شهدناه وسيمتد اذا ما لم تتم معالجة الأمر سريعا".
من جهته، أعلن تجمّع الشركات المستوردة للنفط في لبنان (APIC)أنه "عطفًا على قرار مصرف لبنان الأخير الذي قضى برفع سعر الدولار على منصة صيرفة إلى 38 ألف ليرة، والذي سمح للأفراد وللمؤسسات بشراء الدولار على هذا السعر من دون سقف، توجّه موزّعو المحروقات وأصحاب المحطات إلى المصارف بتاريخه لشراء الدولار. إلّا أنّ المصارف لم تلبِّ طلبات الشراء، ومعظمها أجّل الموضوع للسنة الجديدة. أما بالنسبة للتوضيح الصادر عن مصرف لبنان، فقد أُجري اتّصال بإدارة بنك الموارد، التي أكّدت أنّ العمليّات مُتاحة فقط للأفراد وليس للشركات، ووعدت بأن تُراجع مصرف لبنان في ما خصّ امكان تزويد المحطات بالدولار".
نتيجة لذلك، لم يتمكّن أصحاب المحطات والموزعون حتّى الساعة من تأمين الدولارات لشراء المحروقات. والواقع أنّ المحطّات باعت خلال النهار الكمّيات الموجودة لديها، فيما أقفل العديد منها إما لنفاد المحروقات، وإما خوفا من عدم القدرة على تأمين الدولارات على سعر 38 ألف ليرة.
بناء على ما تقدّم، وتفاديا لإقفال المحطّات المتبقّية، دعا تجمّع الشركات المستوردة للنفط في لبنان (APIC) جميع المعنيين بهذا الملفّ إلى التدخّل الفوري، والتّنسيق مع المصارف لضمان بيع الدولار للمحطات على سعر 38000 ليرة بدءا من صباح اليوم، وتبعًا للبيان الأخير الصادر عن مصرف لبنان. هذا الإجراء السريع سيسمح للمحطات بتأمين المحروقات وبيعها لتلبية حاجات المواطنين، وتفادي أزمة خلال فترة أعياد نهاية السّنة.
كما أعلن أمين سرّ نقابة موزّعي الغاز جان حاتم، وقف توزيع الغاز وتعبئته في كلّ لبنان، لافتاً إلى أنّ "هذا القرار جاء نتيجة صدور جدول أسعار المحروقات على أساس سعر صيرفة 38 ألف ليرة".
وكان مصرف لبنان أصدر أمس بيانا أشار فيه الى أنه "يمكن لجميع المواطنين التوجّه إلى بنك الموارد AMBank في كل فروعه لإجراء هذه العمليات فوراً، إذ إنّ المصرف المذكور وافق على تنفيذ هذه العمليات"، داعياً "المصارف المستعدة لأخذ خطوة مماثلة بالتفضل من مصرف لبنان بالطلب كي يوافق عليها".