من رحم الأزمة، يسعى العديد من اللبنانيين الى خلق استثماراتهم. يأبى هؤلاء ترك الوطن، بل يخترقون العاصفة متمسّكين بمشاريعهم أو بالعلامة التجارية التي يعملون على إدارتها. وفي هذا السياق، كان لنا لقاء مع مايا إبراهيم شاه التي افتتحت "بيت كنز"؛ وزاهي رزق الله عن مطعمه Kalila"؛ وكارين عازار المديرة التنفيذية للعلامة التجارية Levi’s، بعد اختيار لبنان لافتتاح أول متجر لها بمبنى مستقلّ في منطقة الشرق الأوسط.
أرض لبنان كنز
تسعى مؤسِّسة "بيت كنز" مايا إبراهيم شاه إلى استقطاب أكبر عدد من الحرفيين والمزارعين والنساء اللواتي يعملن في المونة اللبنانية. يسهم الأمر في توسيع آفاق بيع منتجاتهم في لبنان وخارجه، وخلق فرص عمل لهم، ليصبحوا مكتفين ذاتياً لا فقط "أشخاصاً مستفيدين" من تقديمات جمعية "بيت البركة". وتؤكّد مايا أنّ "بيت كنز"، المنشقّ عن جمعية "بيت البركة" التي تعنى بمساعدة العائلات اللبنانية، هو مؤسسة مستقلة مادياً، وتطوّر أعمالها من التبرّعات المخصّصة لـ"بيت كنز"، الذي سرعان ما تحوّل الى ملتقى ثقافي، يجذب إليه الجمهور الواسع من متذوقي المنتجات اللبنانية، العمل الحرفي، الرسم والأدب. هذه الكنوز التي يملكها لبنان، وتستخرجها أيادي اللبنانيين، تتوزّع على الطوابق الأربعة للمبنى، التي توثّق بما تتضمّنه تاريخ لبنان بشكل هندسي يجمع التقليدي بالمعاصر.
مايا إبراهيم شاه تؤمن بأن أرض لبنان هي كنز، ومن هنا تسمية بيت كنز. وبالتالي هذا ما يحثّها على الاستمرار في المشروع والاستثمار في لبنان، "في نهاية المطاف، نحن من سنساهم في إصلاح البلد، وبالتحديد المشاريع الصغيرة".
مفتاح الاستمرارية
وعلى غرار مايا، يؤمن زاهي رزق الله، رجل أعمال، بلبنان وبأهمية البقاء فيه والاستثمار داخله. وهو ما دفعه إلى افتتاح مطعمه الجديد Kalila في وسط بيروت. هو من امتلك عدداً من المطاعم التي اضطر إلى إقفالها بسبب الأزمة الاقتصادية وتضرّرها بعد انفجار ٤ آب ٢٠٢٠، ومع أن الفرصة متاحة أمامه للاستثمار في الخارج خاصة بعد نجاح امتياز (franchise) علامة مطاعمه في الخارج، إلا أنه تمسّك بالأمل بخروج لبنان من أزمته، "وما رح يرجع إلا إذا بقينا...". صحيح أنّ استثماره اليوم هو مخاطرة، وجرأة منه أن يغوص بمشروعه في خضمّ العاصفة، لكنه يثق بأن لبنان هو "بلد الفرص ولا بدّ من استغلال ذلك في المشروع المناسب". وإلى جانب أنّ العمل في السياحة والمطاعم هو من اختصاصه، يرى أن الاستثمار اليوم في هذا القطاع هو طويل الأمد، وحاله أفضل من أي قطاع آخر ، فـ"المطعم هو متنفّس اللبناني في الأزمة، في وقت يصعب عليه شراء بيت، سيارة أو القيام بالتسوّق".
لا يعتقد زاهي أن هناك "أسوأ مما نحن فيه الآن (...) وإن شاء الله ما بيتأزّم أكثر". ومن جهة أخرى، يؤكد أنهم في حالة طوارئ يومية من أجل تقديم الأفضل دائماً، وأن يكونوا قدوة لسواهم للبقاء والاستثمار "لأن لبنان بلد فيه حياة (...) ورح نضلّ نشدّ لقدّام".
واجهة الدول العربية في الموضة
إنّ أمل زاهي بلبنان وأن يكون قدوة لاستقطاب مشاريع جديدة، هو ما تجعلنا نعيشه العلامة التجارية العالمية الخاصة بالأزياء Levi’s، التي تعود بعد غياب ٣٠ سنة إلى منطقة الشرق الأوسط وتحديداً لبنان لافتتاح أول متجر لها في مبنى مستقل (خارج المجمّعات التجارية). فلماذا لبنان وهو في أوج أزمته؟ "لأننا نؤمن بقدرة لبنان على إيجاد حلّ للخروج من أي أزمة"، كما تقول كارين عازار، المديرة التنفيذية للشركة. وهذا ما يجعل لبنان على خريطة الاستثمار لأي علامة خاصة بالشركة، بالإضافة إلى أنّه سبّاق في مجال الموضة وصيحاتها، "وهو قدوة لدول عربية أخرى كي تقلّده". وهو بذلك يواكب استراتيجية Levi's في أن تبتكر كل جديد، وتطال شرائح مختلفة في المجتمع ومن كل الأعمار. هذا يدلّ على أن أزمة لبنان لم تفقده هويته لدى العديد من المستثمرين، وكما تعبّر لنا كارين فإن الشركة تعتبر لبنان "سويسرا الشرق... والواجهة للدول العربية في استقطاب كل جديد حتى في عالم الموضة".
هذه الخطوة الجريئة لـ Levi's تعكس وجهة نظر الشركة لمستقبل أفضل للبنان أولاً، ولمستقبل العلامة التجارية الخاصة بالشركة ثانياً. هذه الشركة التي تتميّز استراتيجيتها بمرونة التأقلم مع الوضع، وتلبية احتياجات السوق وفق الظرف القائم، "كي لا نصل إلى الإقفال وقتل الماركة".
بيت كنز، Kalila وLevi’s، تُضاف إلى مشاريع أخرى تتّخذ من لبنان أرضاً لاستثمارها، لتسير بذلك عكس المتعارف عليه في عالم الأعمال. ففي العادة، كل شركة تضع خطة في حال وقوع أزمة، ولكن الحال هنا أن الأزمة موجودة، والأمل هو شعار المستثمر... الأمل بلبنان أفضل ممّا تقدّمه لهم الطبقة السياسية، من خراب وأزمات.