أحمد مغربي
في يوم البيئة العالمي 2024، تتردد أسئلة مثل من يملك الطبيعة؟ لماذا وُصِفت اتفاقية الأمم المتحدة عن منع القرصنة البيولوجية وحماية التنوع الطبيعي، بأنها حل وسط؟ الأرجح أن البيئة تستمر في مكابدة مشاكلها المتفاقمة كالتلوث والاحتباس الحراري وتضاؤل التنوع البيولوجي وتدهور التربة وغيرها، فيما تتخبط الحلول عنها في متاهة حلول الأرجح أنها تفقد جدواها بسبب "تلاعبات" الشركات العملاقة في الدول المتقدمة.
البداية من قمة ريو
لماذا تصارع الشعوب من أجل حماية نباتاتها وكائناتها الحية؟ يصعب تجنب هذا السؤال مع سماع وصف "اتقافية عن الملكية الفكرية والمصادر الجينية والمعارف التقليدية المتصلة بها"، بأنها "أفضل حل وسط ممكن". جاء الوصف على لسان ممثل البرازيل التي تضم غابات الأمازون الموصوفة بـ"رئة العالم" في المفاوضات التي استمرت أكثر من عقدين للتوصل إليها. ما هي الأطراف التي حلت تلك الاتفاقية وسطاً بينها؟ لماذا أشرفت المنظمة الدولية للملكية الفكرية على تلك المعاهدة الأولى من نوعها؟
وإذ تستضيف الرياض اليوم العالمي للبيئة 2024، تحت شعار "تجديد الأرض، مكافحة التصحر والتأقلم مع الجفاف"، ربما يجدر بدء الإجابة عن تلك الأسئلة باستعادة "قمة ريو 1992" للمناخ التي شهدت توقيع اتفاقية أولى عن التنوع البيولوجي والغابات. وقد أُجهِضَتْ تلك الاتفاقية رغم وَضْعِ الرئيس الراحل جورج وولكر بوش توقيع أميركا عليها، لأن الكونغرس لم يقرها.
وتأجل الأمر إلى العام 2000، حينما أقر مؤتمر الأمم المتحدة عن المناخ المنعقد آنذاك في مونتريال، وثيقة "اتفاقية عن التنوع البيولوجي"، واعتُبرت أولى في نوعها. وقد جرى تضمين تلك الاتفاقية، "ميثاق قرطاجنة عن الأمان البيولوجي" الذي أقره لقاء متخصص في تلك المدينة الكولومبية.
وفي تلك الاتفاقية، أقرَّ أن التنوع البيولوجي يعتبر المؤشر الحاسم على مدى المرونة في الأنظمة الإيكولوجية والأشكال الحية، بمعنى قدرتها على النهوض والتعافي من الكوارث والأحوال القاسية، وكذلك الوقاية منها.
ماذا يعني الأمان البيولوجي؟
منذ لقاء قرطاجنة الكولومبية، برزت الإشكالية عمن له الحق في ملكية التراكيب الجينية الموجودة في الطبيعة. جاء الجواب البديهي بأن التراكيب البيولوجية للنباتات والحيوانات والأشكال الحية، مُلكٌ للإنسانية والبشر الذين يعيشون عليها. لكن، برز صوت آخر سرعان ما صار متفوقاً هو صوت شركات صناعة المنتجات المعدلة جينياً، التي فرضت حقوقاً ملكية فكرية على منتجات هي تعديل في التراكيب الجينية الطبيعية. وتصلح شركة "مونسانتو" العملاقة نموذجاً عنها باعتبارها رائدة فيها. وبالتالي، تركز الصراع على حق الملكية الفكرية للتراكيب الجينية للطبيعة، ودخلت المنظمة الدولية لتلك الملكية على خط مشاكل البيئة.
في تلك الآونة، وضعت الناشطة الفرنسية ماري مونيك روبين، كتاب "العالم وِفق مونسانتو، من الديوكسين إلى الكائنات المعدلة جينياً، ثمة شركة عملاقة تتمنى لكم التوفيق". ووفق الكتاب "تنشط شركة "مونسانتو" في 46 دولة. وأضحت رائدة في صناعة الكائنات المعدلة جينياً والشركة الأشد إثارة للجدال. وتتراكم في المحاكم دعاوى بشأن سُميَّة منتجاتها التي تشمل الغاز البرتقالي ومواد "بي سي بي" وهرمونات تسريع نمو المواشي. والمفارقة أنها تقدم نفسها اليوم بوصفها شركة تضع "علوم الحياة" في خدمة التنمية المستدامة. وبفضل الترويج التجاري للحبوب المعدلة جينياً، تزعم الشركة أنها تريد تعديل حدود نُظُم البيئة لخدمة مصلحة الإنسانية".
ولنتذكر أن الغاز البرتقالي استخدم سلاحاً بيولوجياً في حرب فيتنام لتعرية غاباتها بحجة كشف خطوط الفيتكونغ الذين قاتلوا القوات الأميركية حينها.
واستناداً إلى وثائق وشهادات خبراء، يعرض كتاب روبين تاريخ الشركة المتضمن كمية هائلة من التقارير الكاذبة والتواطؤات مع إدارات أميركية، وضغوطات ومساعٍ إلى الفساد. وأصبحت الصانعة الأولى للحبوب عالمياً. ويكشف الكتاب دور "مونسانتو" في التلاعب الواسع الذي أتاح الانتشار العالمي للزراعة المستندة إلى الكائنات المعدلة وراثياً، من دون رقابة جدية كفوءة على تأثيرات ذلك النوع من الزراعة على الطبيعة".
ويتضمن الكتاب عرضاً لأشياء كثيرة، غابت بسرعة نسبية عن النقاشات العامة، على غرار حبوب "تيرميناتور" التي حملت هذه التسمية لأنها تموت بمجرد إعطائها المحصول، ما يوجب تكرار شراء تلك الحبوب في كل موسم.
شهادة من متمرد
ويوثق كتاب روبين معطيات "قضية آرباد بوستازي"، الخبير في مونسانتو الذي تمرد وكشف عن عدم مأمونية مجموعة من المنتجات المعدلة وراثياً التقارير العلمية عن ذلك. ويضرب كتاب روبين مثلاً آخر عن عدم مأمونية منتج آخر للكائنات المعدلة جينياً، هو ذُرة "ستار لينك" التي انتجتها شركة "آفانتس" على الرغم من تقارير علمية أثبتت ضرورة حظر البشر من استهلاكها.
واستكمالاً، فوفق "رابطة علماء أميركيين"، عُثِر على جينات من تركيبة "ستارلينك" في مجموعة من منتجات الذُرة، ما يشكل انتهاكاً صريحاً لبنود ترخيص ذلك المنتج.
ومنذ تلك الأجواء قبل عقدين، جرت المفاوضات بين الشعوب التي تحتضن دولها الطبيعية ومكوناتها، وبين الشركات العملاقة في صنع المنتجات المعدلة وراثياً التي تدر عليها أرباحاً هائلة، وتضمن سيطرتها على الزراعة التي تستخدم حبوبها.