النهار

كارثة انهيار المبنى في طرابلس تعيد إلى الواجهة ملف ترميم المباني القديمة وحمايتها
المصدر: "النهار"
كارثة انهيار المبنى في طرابلس تعيد إلى الواجهة ملف ترميم المباني القديمة وحمايتها
انهيار المبنى القديم في طرابلس.
A+   A-
فيما يتلهّى المسؤولون بالاستشارات تلو الاستشارات لتشكيل الحكومة العتيدة التي يأمل المواطنون ألّا تستغرق وقتًا كالعادة بسبب المحاصصة السياسية والمناكفات، وفيما لا يأمل أحد خيرًا من تشكيلها أو عدمه كونها لن تستطيع تغيير شيء في الظروف الراهنة التي تتدهور على نحو دراماتيكي بما ينبئ بالأسوأ ماليًا واقتصاديًا واجتماعيًا، دفع سكان أحد المباني في طرابلس الثمن من حياتهم الهانئة، ولو جزئيًا تحت سقف متصدّع يؤويهم، فانهارت الطوابق على رؤوسهم، لتفقد طفلة حياتها نتيجة غياب الدولة وإهمالها المتراكم.

الحدث أعاد إلى الأذهان صورة انهيار مبنى فسوح في شارع المطران عطاالله قبل سنوات، والمأساة التي رافقت ذلك السقوط الكبير بضحاياه وجرحاه، علماً انه لم يصدر عن الدولة أيّ قانون أو إجراء عمليّ منذ ذلك الحين وقبله وبعده لحماية المباني المتصدّعة والمهدّدة بالسقوط وعددها يتجاز العشرة آلاف مبنى. الحادثة ستمرّ من دون شكّ، وعلى هولها، مرور الكرام في أذهان المسؤولين الذين سوف يتداعون إلى إصدار بيانات الاستنكار، بانتظار سقوط مبنى آخر وحدوث مأساة جديدة في عائلات تنتظر مصيرها في المباني القديمة التي جاوز عمرها السبعين عامًا، وهي في حاجة إلى ترميم عاجل، وبخاصّة في بيروت بعد انفجار الرابع من آب بقوّته الهائلة التي زادت تلك المباني تصدّعًا. في هذا السياق، يوضح رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة باتريك رزق الله لـ"النهار" أنّ "القانون في المباني المؤجرة القديمة يحمّل المالك مسؤولية الترميم، فيما يحرمه القدرة على ذلك بفعل الإيجارات القديمة، فالمادة /133/ من قانون البناء تنصّ على أنّ مالك البناء مسؤول عن الضرر الذي ينشأ عن هبوطه أو تهدم جانب منه حين يكون سبب هذا الحادث نقصًا في صيانة البناء أو عيبًا في بنيانه أو انه قديم العهد. كذلك الفقرة 8 من المادة /18/ من قانون البناء تنصّ على أنّ على المالك أن يسهر دومًا على صيانة أملاكه المبنيّة وتأمين الاتّزان والمتانة اللازمين لها محافظة على سلامة الشاغلين والجوار. وعليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك أو بناء على طلب البلدية المبني على استشارة الإدارات الفنية المختصة، أن يكلَّف مهندس أو أكثر للكشف على البناء والتحقّق بالوسائل الفنيّة والملائمة وتقديم تقرير مفصل عن حالة البناء". لكن برأي رزق الله "القانون شيء والواقع شيء آخر، فالمؤجرون غير قادرين على الترميم بتاتًا"، ويضيف: "نحن نرفع الصوت منذ عشر سنوات بأنّنا غير قادرين على الترميم، والمباني تتهالك، وعلى الدولة أن ترفع المسؤولية عنّا بشكل عاجل، وأن تعيد لنا القدرة على الترميم من خلال تحرير الإيجارات القديمة السكنية وغير السكنية فورًا، ولا سيّما بعد حصول انفجار 4 آب وتصدّع المباني". وشدد على أنّه "لا يكفي إصدار البيانات، فنحن أمام كوارث تهدّد حياة العائلات، لذلك على مجلس النواب تحمّل مسؤولياته وتحرير الإيجارات غير السكنية فورًا ووقف التمديد الظالم وغير الإنساني بعد 40 سنة من الظلم، كذلك إيجاد حلّ لموضوع اللجان في الإيجارات السكنية، حيث القضاة لا يفعّلون عمل اللجان، وبالتالي فهذه ثغرة تسمح بالاحتيال على القانون، ونحن لا نفهم كيف يفشل مجلس القضاء الأعلى وجميع المرجعيات في الدولة بتفعيل هذه اللجان التي نصّ على إنشائها قانون نافذ؟!". وحذّر رزق الله مجدّدًا من "خطر حصول انهيارات جديدة تتحمّل مسؤوليتها الدولة ولا أحد غيرها في حال الاستمرار برمي مسؤولية السكن المجاني والاستثمار المجاني في أملاك المؤجرين من دون تدخّل حازم لتحرير هذه الإيجارات والتي لا تسمح للمالك بالحد الأدنى من العيش الكريم، فكيف ستسمح له بترميم المبان. إذًا، على مجلس النواب أن يتحرّك عمليًا وبشكل فعلي لمنع تكرار هذه المأساة التي أودت اليوم بحياة طفلة بريئة لا ذنب لها سوى أنّها تعيش في دولة لا تأبه للأسف بحياة مواطنيها، وعلى النواب أن يقدموا على إقرار قوانين ومساعدات تسمح بإعادة ترميم المباني القديمة والمتصدّعة من دون تباطؤ أو تأخير".

من جهة اخرى، رأت المستشارة القانونية للجنة الاهلية للمستأجرين المحامية مايا جعارة انّ "المطلوب سلسلة اجراءات بدءاً من ان يكون هناك تدابير رادعة بحق من يهمل الصيانة الدورية اللازمة لبنائه كما لمأجوره وصولاً الى اجراء كشف رسمي من قِبل الاجهزة الرسمية المختصّة وتفعيل اجهزة الرقابة لتنظيم عملية الكشف على الابنية للتأكد من متانتها وسلامتها ولتفادي وقوع كوارث، وحثّ المالك على اجراء التصليحات الضرورية اللازمة، وعند التعذّر القيام بالتصليحات على نفقة المهمل المتقاعس". واعتبرت ان على وزارتَي الداخلية والأشغال العامة والنقل "إيجاد آلية لحماية حقوق الناس وسلامتهم والتوصل إلى حلول تسهل الأعمال التي تدخل في الحفاظ على سلامة الأبنية وسلامة الناس عبر توفير مواد البناء والمساعدة في اعمال الصيانة والترميم بأسعار مدروسة". وأضافت جعارة ان "لدينا تشريعات جيدة لكنها تشكو من قلة حسن التطبيق. يجب تفعيل هذه القوانين وتفعيل اجهزة الرقابة لتدارك ازمة الانهيار، فالقوانين بحاجة دائماً لتطوير وتعديل بما يتماشى مع حاجات المجتمع ومتطلباته، لكننا امام دولة عاجزة عن القيام بواجباتها. لذلك يجب علينا الاستعانة بالمؤسسات الدولية والدول المانحة للمساعدة في هذا المجال". واشارت الى انه "صحيح ان المبدأ هو ان مسؤولية الترميم تقع على المالك الا انه في الابنية المؤجرة فبحسب القانون 2/2017 المتعلق بالايجارات القديمة المعقودة قبل 1992/07/23 اصبحت الاصلاحات الكبرى والصغرى على عاتق المستأجر(80% من هذه النفقات) بينما في السابق كانت الاصلاحات الصغرى فقط على عاتقه. وهذا خطأ اذ انه بموحب القانون الجديد اصبح بدل الايجار مرتفعا 4% من قيمة الشقة والمستأجر ليس مالكا بل هو مستأجر لبضع سنوات ولا علاقة له بالاصلاحات الكبرى والخارجية. لهذا كنا نطالب بان تنحصر مسؤوليته في الاصلاحات داخل الشقة والخدمات المشتركة العادية (...)". واقترحت جعارة في هذا المجال انه "في حال كان شاغلو المبنى غير قادرين على الترميم يجب ان تتكفل بذلك منظمات ومؤسسات اجتماعية تعمل على الترميم ومساعدة المالكين الصغار غير المقتدرين على اعادة تأهيل الابنية وصيانتها وترميمها بهدف عرضها للايجار مع تأمين سكن بديل ريثما ينتهي الترميم واعادة التأهيل. وتوضع هذه الابنية مقابل المساعدة بعملية الترميم في سوق الايجارات وهذا حلّ مناسب للجميع يحافظ من خلاله على سلامة الابنية ومساعدة المالك على ترميم بنائه ووضع الشقق في سوق الايجارات، وتكون بذلك تشكل مساعدة ولو جزئية في حل مشكلة السكن الضاغطة".




الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium