بعد إعلانه عن بيع الدولارات عبر منصة "صيرفة" مقابل ليرات نقدية، من دون حدود أو سقوف، وأيضاً من دون شروط لجميع الراغبين، قرّر مصرف لبنان تخصيص منصة "صيرفة" بدءاً من اليوم (الاثنين) للأفراد فقط دون المؤسسات، على ألّا يتعدى السقف 100 مليون ليرة.
هذا القرار كسواه من التعاميم السابقة، يهدف إلى فرملة تفلّت سعر صرف الدولار، لكنّه لا يخلو من تداعيات ظهرت مباشرة على سعر الصرف الذي ارتفع حوالي ألفي ليرة بعد هذا الإعلان، ما سيرفع من أسعار السلع طبعاً.
كيف سينعكس تجميد تداول المؤسسات على منصة "صيرفة" على الاستيراد والتجارة؟ وماذا عن الفائدة من هذه الخطوة؟
قرار المركزي لا يعيق بشكل مباشر حركة التجارة، إنّما يرفع من كلفة الاستيراد، هذا ما يؤكّده عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال في حديث إلى "النهار". فبمجرد الإعلان عن هذا القرار، قفز سعر الدولار حوالي ألفي ليرة خلال ساعة من الزمن، فسوق الاستيراد والتجارة قائمة بنسبة كبيرة على السوق الموازية، حيث يؤمّن التجار والشركات المستورِدة دولاراتهم ويضعونها في المصارف لتحويلها إلى الخارج لتسديد فواتيرهم. لذلك، شاهدنا وبسرعة ارتفاعاً في سعر الصرف بناءً على ارتفاع الطلب على الدولار في السوق الموازي للاستيراد لكافة القطاعات.
التاجر، ولدى استيراده على 38000 ليرة، يسعّر بضاعته على هذا السعر ويضيف عليها الأكلاف الأخرى. لكن لدى استيراده على سعر 45000 ليرة، سترتفع أسعار السلع بالليرة اللبنانية على المواطن، بينما بالنسبة للتاجر فهو يتعامل بالدولار مهما كان سعر صرفه في السوق السوداء، وهذه العملية ستزيد من التضخم طبعاً. مع الإشارة إلى أنّ عظم التجار، ورغم استيرادهم وفق سعر منصة "صيرفة"، كانوا يسعّرون يضاعتهم على سعر الصرف في السوق السوداء.
وبرأي رمال، فإنّ الفائدة من حصر تداول منصة "صيرفة" بالأفراد فقط هي "تنفيعة" للمواطن لكي يسجل بعض الأرباح عندما يصرف دولاراته في السوق السوداء على سعر صرف مرتفع، وبذلك يحصل على "دولار مدعوم" بأقلّ بحوالى 6000 ليرة من سعره في السوق السوداء (بحسب سعر الصرف اليوم).
كذلك، يحاول مصرف لبنان من هذه الخطوة تأخير الانهيار القياسي في سعر الصرف، و"هو تدخّل إيجابي" إلى حد ما، وفق رمال، كون لأسعار الصرف مقاييس عالمية، وخصوصاً فى نهاية كل عام عندما يُقيَّم الاقتصاد على مستوى البلد، ويُقيَّم الناتج المحلي حسب سعر الصرف ومعه مداخيل الدولة والتضخم. وجميع هذه المؤشرات لها اعتباراتها مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية. إلى ذلك، فإنّ إقفال سعر صرف حوالي 38 ألف ليرة في نهاية العام 2022 يختلف عن إقفاله على سعر صرف 48 ألف ليرة، وهنا نتحدث عن فارق بحوالي 25 في المئة بين السعرين.
يتّفق الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو، مع رمال في أنّ خطوة المركزي سترفع من سعر الصرف بسبب لجوء التجار إلى السوق السوداء لشراء دولاراتهم، ما سيرفع من أسعار السلع.
أمّا على مستوى حصر التداول للأفراد، فلا يزال المركزي مستمراً في إدارته لسعر الصرف، بخطوة استباقية تدريجية، للجم سعر الصرف قدر المستطاع، لكنّها "خطوة بسيف ذي حدين"، فلهذه الخطوة تداعيات سلبية كبيرة على الكتلة النقدية بالليرة وعلى احتياطي مصرف لبنان وعلى سعر الصرف، بحسب قانصو.
وعن تحديد سقف 100 مليون ليرة، فمن المتوقَّع أن ينخفض بشكل إضافي في الأيام المقبِلة لأنّ احتياطي مصرف لبنان يُستنزَف، وتدخّله هو ظرفي وآني وسيتوقًف في نهاية المطاف. وتحييد المستوردين والمؤسسات عن التداول، هو لكونهم يشكّلون الحصة الأكبر من المتداولين على منصة "صيرفة"، وليس للأفراد سوى حصة صغيرة من هذا التداول.
وفي الوقت الراهن، هناك صعوبة كبيرة، برأي قانصو، في إعادة شمول التجار والمستوردين للتداول على المنصة، فما يقوم به المركزي هو "انسحاب تدريجي من السوق" لضعف قدرته على التدخل ما لا يسمح له بفتح سقف للتداول على "صيرفة".
ويرى قانصو أنّنا سنعود إلى الدوامة نفسها، بحيث يشترى المركزي الدولار من السوق ما يرفع سعر الصرف ومن ثم يتدخّل بتعميم لتخفيضه. فكل الإجراءات التي يقوم بها المركزي من رفع لسعر الصرف، تهدف إلى خفضه إلى مستويات أعلى ممّا كان في آخر تسجيل له وليس إلى مستويات متدنية، لكون مسار الدولار صعودياً.
وفيما تقلّص احتياطي المركزي إلى حوالي 9 مليارات دولار، لم يعد تدخّله ينجح لفترات طويلة. ومع هذا الإعلان، يخفف من استنزاف احتياطيه ويقلّص خسائره، والمقصود هنا هامش الفارق بين السعر الذي يشتري به الدولارات والسعر الذي يبيعه به، وتقليص الفجوة بين سعر السوق السوداء وسعر منصة "صيرفة". لكن هذه الفجوة ستكبر مجدداً، بحسب قانصو، إذا ما قلّص المركزي تدخّله في ما يتعلق بوقف العمل بـ"صيرفة" للأفراد كما فعل مع المؤسسات، فإنّ سعر السوق السوداء سيشهد قفزة جديدة ما سيدفع بالمركزي إلى التدخل في السوق الموازية للجم سعر الصرف، وهذا متوقّع، كما كان متوقَّعاً عندما ارتفع سعر منصة "صيرفة" إلى 38000 ليرة، في أواخر العام المنصرم، أنّ سعر الصرف سيشهد قفزات بوتيرة سريعة، وقد بدأنا بها.