بهدف تعزيز ومراقبة الشفافية في تنفيذ أحكام قانون الشراء العام في لبنان، الذي دخل حيّز التنفيذ في 28 تموز 2022، أطلقت "مبادرة غربال"، بالتعاون مع "مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية" (MEPI) و"معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي" مشروعها الجديد "مناقصة"، وهو منصّة تفاعلية تسمح للمتعهدين وأصحاب المصالح بالتعرّف إلى فرص الصفقات حسب المناطق والإدارات والقطاعات وإلى تطوّرها وسبل التقديم عليها وشروطها، وتتيح للرأي العام والمجتمع الأهلي مراقبة العقود الناتجة عنها. وبالتزامن مع إطلاق المنصّة، أطلقت "غربال" تقريرها السنوي الرابع لسنة 2021، حول "الشفافية في الإدارات العامّة اللبنانيّة".
تشرح منسّقة مشروع "الشفافية في الإدارات العامة 2021" في مبادرة "غربال"، كلارا أبو غاريوس، أنّ المبادرة تهدف بشكل أساسي إلى "إظهار مدى التزام إدارات الدولة بقانون الشراء العام". وهي وسيلة ضغط على الإدارات العامة للحصول على المعلومات، لوضعها بين أيدي الناس، تطبيقاً لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات.
ومن المتحدّثين الأساسيين في جلسة الإطلاق، رئيس هيئة الإشراف العام، الدكتور جان العلية، الذي يصف في حديث لـ"النهار"، تجاوب الإدارات والوحدات العامة مع مبادرة "غربال"، بـ"الجيّدة"، لكن "طبعاً هناك صعوبات في التطبيق كأي قانون آخر، وهي صعوبات لا تتعلّق بالقانون بحدّ ذاته بل بوضع البلد العام وبعدم مداومة الموظفين في الإدارات، لكن التجاوب سيزيد في الأيام المقبلة".
وماذا عن إلغاء الصفقات بالتراضي في إطار هذا القانون؟ برأي العلية، إنّ "قانون الشراء العام جاء ليكسر ذهنية الصفقات بالتراضي والمحاصصة في الصفقات العامة، وتدخّل الوزراء بالصفقات العمومية، وفصلها عن السياسة، لتكون عملاً تقنياً متخصّصاً".
وعن سبب طلب بعض الإدارات العامة، وعلى رأسها مصرف لبنان، استثناءها من هذا القانون، علماً بأنّ من أساسيات مبادئ هذا القانون، الشمولية، يقول العلية "لمصلحة الجميع، بمَن فيهم مصرف لبنان، تطبيق القانون، ففي حالة المركزي، القانون يُطبّق على مشترياته لا على وظيفته النقدية، ومن مصلحته أن يكون نموذجاً للشفافية وأن ينضوي تحت لواء قانون الشراء العام". وإن بقي ممتنعاً؟ بتقدير العلية "لن يبقى أحد ممتنعاً، وسنعطي مهلة لمصرف لبنان وغيره من الوحدات العامة، وإن بقيت ممتنعة، فستعمل هيئة الشراء العام، في إطار صلاحياتها القانونية، بكامل موجباتها التي تبدأ من رفع تقرير وصولاً إلى إقامة دعوى قضائية، ففي دولة القانون القوانين وُضعت ليُعمل بها".
من جهتها، خصّصت مستشارة وزير الماليّة لشؤون إصلاح الشراء العام ومديرة معهد "باسل فليحان المالي والاقتصادي"، الدكتورة عليا المبيّض، حديثاً لـ"النهار" أكّدت فيه أنّ "منصّة المراقبة التي أطلقتها "غربال" مهمة جداً، فهذا هو دور المجتمع المدني، بأن يكون العين الساهرة، ونحن نعاني من غياب الحوكمة الجيدة، فالحوكمة الرشيدة تتكوّن من 3 عناصر: القطاع العام، القطاع الخاص والمجتمع المدني، بينما في حالنا تعتمد على الدولة فقط".
حسن عسل
ومع تحديث القوانين، وفق المبيّض، "نضع عيناً مراقِبة ونعزز الشفافية، وبذلك نكون قد أصبحنا في بداية تسهيل خروج لبنان من أزمته". وفيما لم يُطبّق القانون بعد، فإنّ "هناك ضغوطاً لتعديله أو تعطيله، وهنا يكمن الخطر" بحسب الدكتورة.
وعن استعادة الثقة الدولية بلبنان، من خلال هذه المشاريع، تؤكّد المبيّض أنّ "هذه المبادرة هي ضوء أمل للبنانيين قبل الأجانب، وقانون الشراء العام هو الإصلاح الوحيد الذي سار في خط سليم، لذلك نحذّر من أن تشعر الجهات الخارجية بأيّ تراجع من الدولة اللبنانية عبر تعديل القانون قبل تطبيقه، فهنا سنكون قد أطلقنا رصاصة الرحمة على الإصلاحات كافة".
وعن استثناء بعض الإدارات العامة من القانون، توضح المبيّض أنّ "مبادئ القانون واضحة، وهو ذو معايير عالمية، فلماذا إذن على لبنان أن يكون خارج النظام العالمي وأن يشكّل حالة مميزة في كل ما هو خطأ؟ فهذا القانون هو قانون نموذجي يطبَّق تقريباً في جميع الدول، فكيف نضمن تعاوناً دولياً مع لبنان وإقراضه؟".
حسن عسل
أهمّ نتائج التقرير
خلُص التقرير الذي أُعدّ بالتعاون مع المؤسسة الأوروبية من أجل الديموقراطية، لتحليل "عقود القطاع العام مع المتعهدين" على مدى عشرين عاماً بين عامي 2001 و2020، إلى وجود أكثر من 17 ألف عقد بقيمة 13.5 مليار دولار وقّعتها 44 إدارة تعاونت في إعطاء المعلومات، من أصل 196 إدارة طُلبت منها المعلومات.
وكشف التقرير أنّ عدد الإدارات التي قدّمت إجابات كاملة إيجابية أو سلبية (أي أجابت ولكنها لم تفصح عن المعلومات المطلوبة) قد تراجع عن السنوات السابقة، كذلك تراجع عدد الإدارات التي التزمت بالمهل القانونية لتسليم المعلومات.
وكان لافتاً أنّ أحد أسباب عدم الرد هو تعميم إداري صادر عن وزير الداخلية السابق موجّه الى كافة المديريات والإدارات التابعة للوزارة يفيد بعدم الرد على طلبات "غربال"، فضلاً عن تذرّع بعض الإدارات بعدم صدور مراسيم واضحة لآلية الرد (علماً بأنّ المرسوم التطبيقي رقم 6940 سبق أن صدر بتاريخ 08/09/2020) أو تحديد قيمة الرسوم المتوجبة لإعطاء المعلومات (علماً بأنّ تعديل القانون رقم 233 الصادر بتاريخ 16/07/2021 نصّ في المادة 18 على إمكانية إرسال المعلومات مجاناً عبر البريد الإلكتروني).
أمّا أبرز الإدارات التي لم تتجاوب مع مبادرة "غربال" للسنة الرابعة على التوالي فهي الرئاسات الثلاث، علماً بأنّ أغلب الأجهزة الرقابية قدّمت إجابات ناقصة والأجهزة الأمنية لم تتعاون باستثناء الأمن العام الذي أجاب عن عشر سنوات من أصل عشرين.
وكشفت أبو غاريوس عن أنّ النسبة الكبرى من العقود التي تمكّنت المبادرة من معرفة نوعها تمت باتفاقيات بالتراضي (4,178 عقداً بقيمة 1.16 مليار دولار) تليها المناقصات (1,221 عقداً بقيمة 459 مليون دولار) ومن ثم استدراج العروض (1,070 عقداً بقيمة 414 مليون دولار)، علماً بأنّ نوع العدد الأكبر من العقود لم يحدّد في إجابات الإدارات (10,291 عقداً بقيمة 11 مليار دولار).
هذا وتصدّر عام 2017 السنوات العشرين من حيث عدد العقود، فيما تصدّر عام 2007 هذه السنوات من حيث قيمة العقود. واحتلت شركات سوكومي وسوكلين وهيئة أوجيرو والاتحاد للهندسة وشركة الجهاد للتجارة والتعهدات، قائمة الشركات من حيث قيمة العقود التي أبرمتها مع القطاع العام اللبناني (بحسب الإجابات التي تمكنت المبادرة من الحصول عليها). كذلك تبيّن أن شركتَي سوكلين وسوكومي وقّعتا أعلى أربعة عقود في السنوات العشرين (2001-2020). كذلك يتبيّن أن مجلس الإنماء والإعمار هو الجهة التي وقّعت أعلى قيمة من العقود بين الإدارات (10.17 مليارات دولار أميركي مقابل حوالي 3.3 مليارات لبقيّة الإدارات الـ43).