بالرغم من اتساع الأزمات الاقتصادية، توّقعت منظمة العمل الدولية في تقريرها عن مؤشرات عام 2023، تراجعاً في نسب البطالة في الدول العربية، من 8.5 في المئة إلى 8.2 في المئة؛ مع إشارتها إلى أن هذه النسبة هي 13.4 في المئة في لبنان.
وفي 12 أيار 2022، أصدرت إدارة الإحصاء المركزي في لبنان ومنظمة العمل الدولية نتائج مسح جديد للقوى العاملة في لبنان يلحظ الاستخدام الناقص للعمالة، فسجلت زيادة كبيرة من 16.2 في المئة في 2018 - 2019 إلى 50.1 في المئة في كانون الثاني 2022. وكانت أعلى درجة من الاستخدام الناقص للعمالة بين الشباب إذ سجلت نسبة 64.7 في المئة.
ووفقًا لنتائج المسح، ارتفع معدل البطالة في لبنان من 11.4 في المئة في فترة 2018-2019 إلى 29.6 في المئة في كانون الثاني 2022، ممّا يشير إلى أن ما يقارب ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة من العمل في هذا الشهر.
ووجد مسح آخر للمنظمة "أن نسبة العاملين في الاقتصاد غير المنظَّم، أي العمل الذي لا يخضع لتشريعات العمل الوطنية، أو لضريبة الدخل، أو الحماية الاجتماعية، أو الاستحقاقات مثل الإجازات المدفوعة، مرتفعة جداً، وتبلغ 77.8 في المئة من مجموع العاملين.
في زمن البطالة المنتشرة، والهزّات الاقتصادية المتسارعة، يصبو كل موّظف وعامل ومستخدم وأجير إلى قانون عمل جديد يحدّد العلاقة بين صاحب العمل والعامل بما يحفظ حقوقه وشروط كرامته المصونة في الدستور وفي المواثيق الدولية.
من المعروف اليوم أن ثمة قانوناً في وزارة العمل هو موضوع نقاش بين طرفي الإنتاج. وبالطبع لا يحجز مكانه بين لائحة الأولويات المعيشية، لأن البعض يعتبره ترفاً لا يجوز المضي به اليوم.
وللتذكير، منذ خمسينيات القرن الماضي، رفعت الحركة النقابية برامجها مطالبة بضرورة تعديل قانون العمل الصادر في 23 أيلول 1946. وبالرغم من أنه في فترات سابقة تمّ تعديل بعض أحكامه، وأبرزها عند بدء تطبيق قانون الضمان الاجتماعي، فإن كل تلك التعديلات عجزت عن معالجة كافة مواد القانون بما يجعلها منسجمة مع تحديثات العصر ومع الاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها لبنان. جرت محاولات عديدة، وشكلت لجان لتعديله، من بينها لجنة شكّلت سنة 2001، ولكن لم تصل الأمور إلى المطلوب.
وعام 2010، تقدّم وزير العمل حينها بطرس حرب أمام مجلس الوزراء بمشروع لتعديل قانون العمل، ثم عاد وسحب المشروع لإدخال تعديلات عليه. وفي عام 2011، تقدم بمشروع جديد معدّل مع تغيير في أرقام المواد.
بعدها في شباط 2012، قبل مغادرته الوزارة، أحال وزير العمل المستقيل شربل نحاس على رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون جديد للعمل ثورياً، ركّز فيه على "تحديد مفهوم الأجر وشروط حمايته وصونه، وبنظام التقديمات التي يجوز استثناؤها منه".
وكانت المفاجأة أنه بدلاً من توقيع مرسوم بدل النقل، وقّع نحاس على مشروع يدخل إصلاحات جذرية على مفهوم الأجر. حدّد نحاس الأسباب الموجبة للقانون فلفت إلى أن الأجور تمثّل مصدر دخل الأغلبية العظمى من العاملين في الدول المتقدمة، وقد انعكس تراجع حصتها في الناتج المحلي في لبنان خلال العقدين الماضيين ازدياداً في هجرة اللبنانيين، وتراجعاً في إنتاجية الاقتصاد. ولكن الوزير ذهب، ونام المشروع، وبقي أصحاب العمل بالمرصاد.
اليوم، تحضر بإلحاح الأسئلة الآتية: ما هي آخر المعطيات حول تعديل قانون العمل؟ ومع التطورات في سوق العمل مثل العمل من بعد، كيف يجب تحديث القانون؟
أين هو لبنان اليوم بين الدول التي تتميّز بعقد اجتماعي عصري عادل يراعي حقوق العامل، المستخدم والأجير؟
علوية
وفق ممثل الاتحاد العمالي في لجنة تعديل قانون العمل، الخبير القانوني للاتحاد، وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية، فإن "تعديل هذا القانون يقتضي أن يكون هدفه تنظيم علاقات العمل بين الأجراء وأصحاب العمل بما يؤمّن الحماية لحقوق جميع الأطراف، وتحقيق التنمية المستدامة المستندة إلى العدالة الاجتماعية والمساواة، وتأمين العمل اللائق للجميع من دون أي تمييز.
ولكن ما يجري هو خلاف ذلك للأسباب الآتية:
١- بعض التعديلات جاءت بصورة شكلية فقط، عبر استبدال تسمية "ربّ العمل" بأخرى هي "صاحب العمل".
2- بعض الاقتراحات جاءت لسلب العمال حقوقهم؛ فعلى سبيل المثال: أول أمر يجب تنفيذه هو إلغاء الاستثناءات من قانون العمل.
يُستثنى من أحكام هذا القانون العمال المنزليون والموظفون والأجراء في الدولة والبلديات!
فهل المطلوب سحب المظلّة الاجتماعية أو القانونية عن هؤلاء؟
من المفترض إخضاع كل الأفراد لقانون العمل الذي يجب أن يشكّل الحد الأدنى من الضمانات، وإلا ماذا سيقول القانون عن العمال المنزليين؟
هل يُعقل أن يخضعهم للنظام؟ أو لنظام إدارة السجون مثلاً؟ فهؤلاء بشر، ولهم الحق في الحصول على الحماية اللازمة".
وفي رأي علوية، يكون تحديث القانون من خلال:
1- إدراج المزيد من البنود المتعلقة بالحماية الاجتماعية والحقوق لتشمل علاقات العمل بأنواعها. ويجب التصنيف بشكل واضح بين عقد العمل والاستصناع (عقد بين طرفين شبيه بعقد المقاولة) بما يؤدي إلى تفسير العقد بوضوح، وليس وفقاً لمشيئة صاحب العمل، أي يجب أن يكون هناك ضوابط للتمييز بين العقدين.
2- بشموليته لـ"العمل من بعد" وتشريعه وإسباغ الحماية الاجتماعية عليه.
وتعتبر الصيغة المطروحة "للعمل الجزئي" سيئة. وبدلاً من إسباغ الحماية على هذا النوع من العمل يلاحظ أن البعض يهدف من توسيع نطاق "العمل الجزئي" إلى التهرّب من اشتراكات الضمان ومن تعويضات العمال.
3- بتأمين الحماية للعمال الذين يتجاوزون سن الـ٦٤ ويستمرون في عملهم. في الوضع الحالي، لا وجود لهذه التعويضات لهم بعد بلوغ هذه السن".
وإذا استمر لبنان بهذا الوضع الذي يتم فيه الاستخفاف بحقوق العمال، أو عدم الالتزام بمعايير منظمة العمل من جهة أخرى، فإنه سيكون مهدّداً بوضعه على لائحة الدول التي لا تلتزم بمعايير العمل الدولية، وفق علوية.
اليوم، ثمة قوانين عمل لافتة وأكثر من منصفة في العالم، منها في بعض الدول الأوروبية، حيث يسمح للعامل بممارسة هواياته المفضّلة خلال فترات الدوام بعد الانتهاء من عمله، مثل قراءة الصحف أو غير ذلك... ويمكنه فعل ذلك خلال ساعتين من وقت العمل كلّ يوم.
ولدى فنلندا أكثر أنظمة العمل مرونة، إذ تسمح 92 في المئة من شركاتها للعاملين بتغيير ساعات العمل بما يتوافق مع متطلّباتهم، مقارنة بـ76 في المئة من الشركات في المملكة المتحدة، و18 في المئة فقط في اليابان.
أما في لبنان، لأن بحث الموّظف والعامل عن الرفاهية أصبح من المستحيلات فيما هو يعاني من رحلة البحث عن وظيفة، يجدر القول إن قانون العمل اللبناني أصبح خارج الخدمة تقريباً، وتحديثه مطلب وطني وإنساني ليتماشى مع متطلّبات السوق، وليزيد من فرص الوظائف، إضافة إلى كونه يشكّل مدخلاً مهماً لأي عقد اجتماعي يرعى المساواة ويحقق العدالة بعد تعزيز النمو ودفع عجلة الاقتصاد.