كشفت 54,4 في المئة من الإدارات والمؤسسات العامة اللبنانية التي شملتها دراسة تقييميّة لتداعيات الأزمة على الإدارات والمؤسسات العامة في لبنان أنها "قادرة على الاستمرار في تقديم الخدمات للمواطنين لسنة إضافية على أبعد تقدير"، في حين افادت الدراسة التي أجراها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وأُعلِنَت نتائجُها في حلقة نقاشية اقيمت في المعهد بأن 60 في المئة من هذه الجهات "عبّرت عن مخاوفها في شأن تراجع قدرتها على توفير الخدمات".
وشرحت الخبيرة الاقتصادية في المعهد سابين حاتم ابرز نتائج دراسة "مؤسسات الدولة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية"، فوصفتها بأنها "تقييم سريع لتداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية على قدرة الإدارات والمؤسسات العامة على الاستمرار في القيام بمهامها وتأمين استمرارية عملها على المديين القصير والمتوسط
واستندت الدراسة على استبيان طُلب من 141 إدارة ومؤسسة عامة الإجابة عنه، فاستجاب نصفها، اي نحو 70 إدارة ومؤسسة عامة.
وأظهرت الدراسة، بحسب حاتم، أن الأزمة أدت إلى "استنفاد القدرات وتزايد المخاوف بشأن توفير الخدمات"، وإلى "تدهور متسارع في نوعية الخدمة العامة وفي الثقة بالمؤسسات والخدمة العامة".
وبيّنت الدراسة أن الأزمة أثّرت على عمليات الموازنة لدى الجهات المشمولة بها، لافتة إلى أن "ضعف شمولية الموازنة يؤدي إلى زيادة المخاطر المالية المحتملة على المالية العامة مما يحدّ من قدرة الإدارات على الاستمرار في تقديم الخدمات العامة". وواجهت 53,8 في المئة من الإدارات تخفيضات في موازناتها تجاوزت أحياناً 20 في المئة مما اثر في قدرتها على التعامل مع تداعيات الأزمة.
كذلك كان للدراسة اثر على توريد السلع والخدمات والأشغال والصيانة، ومن وجوهه "عدم الاستقرار في توريد السلع والخدمات والاشغال والصيانة لا سيّما بسبب المشاكل المرتبطة بالقدرة على التخطيط واستشراف التدفقات المالية واعداد سياسات استباقية ونقص السيولة والتاخير في دفع المستحقات وادارة المخزون"، و"زيادة نسبة الاخلال بالعقود وتعليق الاتفاقيات مما ادى الى زيادة ممارسات الشراء غير التنافسية". وأوردت الدر اسة في هذا الإطار أن 52 في المئة من الادارات تقيدت جزئيا بخطة الشراء السنوية، وان 23,1 في المئة لم تُعدّ خطة شراء، وأن 24,5 في المئة من الادارات "لجأت بشكل متزايد الى التعاقد المباشر والشراء بالتراضي لتأمين المشتريات في الحالات الطارئة ". وشهدت 55,3 في المئة من الادارات والمؤسسات تاخراً في تسديد المتاخرات التي تتراوح من شهر الى ١٢ شهرا، وادى ذلك الى تقويض علاقاتها بالموردين واظهر ضعف الترابط بين الشراء العام وبقية وظائف الادارة المالية. وفي 67,7 في المئة من الحالات، اثر التاخر في تسديد المستحقات سلبا على قدرة مؤسسات الدولة على الشراء وادى الى نقص حاد في مخزون السلع واللوازم.
وفي ما يتعلق بالعمل المحاسبي وإعداد التقارير المالية، "أدى غياب الشفافية المالية الى اضعاف القدرة على التدقيق والرقابة، لاسيما ان البيانات المالية غير موحدة وتتطلب عمليات معالجة لتبسيط المعلومات ونشر البيانات، وهو ما له عواقب مباشرة على قدرة وزارة المال على توقع الحجم الحقيقي للانفاق بالاضافة الى جودة الرقابة المالية والبرلمانية".
وفي شأن المكننة والخدمات الرقمية وحفظ المعلومات وأمنها، افادت الدراسة بأن "محدودية تكنولوجيا المعلومات وغياب الذكاء الاصطناعي (بيغ داتا)، تُعطل عملية تحليل البيانات واستخدامها بطريقة فاعلة لتطوير الخدمات المقدمة والبحث على توفير خدمات جديدة، مما يؤثر في عملية ادارة العمليات، وبالتالي الحفاظ على جودة الخدمات وحفظ المعلومات وأمنها". واشارت في هذا الإطار إلى "استنفاد الاجهزة والبنية التحتية الحالية في الادارات العامة، وعدم تجديد تراخيص البرامج والامان مما يعرض معدات تكنولوجيا المعلومات لخطر القرصنة وفقدان بيانات المواطنين، وذلك يعرض للخطر قدرة الحكومة على جمع البيانات والموارد اللازمة (مثل تحصيل الضرائب والرسوم) وبالتالي تقديم الخدمات".