صحيح أن المدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي ألغى جميع المذكرات التي كان قد أصدرها في إطار تنظيم العلاقة مع مجلس الإدارة وفق منظوره الشخصي، ولكن الغيم الأسود في سماء الإدارة المشتركة للضمان التي يُفترض أن تكون قد زالت بعدما فك المدير العام اعتكافه وحضر جلسة مجلس الإدارة الثلثاء الماضي، لم تختف بعد كلياً بسبب استمرار بعض التباينات حول أداء كركي في "مقاربة المسؤولية وتنظيم أمور الضمان". فقد أعد 6 أعضاء من مجلس الإدارة (إيلي شلهوب، جوزف يوسف، فضل الله شريف، عادل عليق، رفيق سلامة، أنطوان واكيم) تقريراً عرضوا فيه لواقع الصندوق، مبيّنين الأسباب الحقيقية التي أوصلت الضمان الى "حال من الانهيار الإداري والمالي، جعلته ينكفئ عن تحقيق غايات نظام الضمان الاجتماعي في توفير الحماية الاجتماعية للمضمونين، ودعم مداخيلهم، في زمن الأزمات والتقشف...".
اللافت أنه في اليوم التالي طلب اثنان من الأعضاء الموقعين على التقرير سحب تواقيعهما (شلهوب ويوسف) لأسباب قالا إنها شخصية، فيما عزا شريف انسحابهما الى تراجع المدير العام عن القرارات التي كان قد اتخذها. بيد أن شريف اعتبر أنه لا علاقة للتقرير بالقرارات التي كان قد اتخذها المدير العام وتراجع عنها، فالخلاف بين مجلس الإدارة وأمانة سر الصندوق هو خلاف جوهري يتعلق بمصلحة المضمونين، وغيرها من الأمور الإدارية والإصلاحية التي تتقاعس الإدارة عن تنفيذها.
التقرير الذي أحيل عبر رئيس مجلس الإدارة بالإنابة غازي يحيى الى المدير العام ويفترض أن يناقَش في جلسة لمجلس الإدارة، فنّد محاولات الإصلاح وفشلها وخصوصاً حيال عدم تنفيذ المخطط التوجيهي العام المتعلق بإصلاح الهيكلية الإدارية للصندوق منذ عام 2003، وإصلاح الأوضاع المالية وإدارة الموارد البشرية، واتّجهت إلى تلزيم الشقّ المتعلّق، فقط، بأنظمة المعلوماتيّة. لقد تمّ تلزيم المرحلة الأولى وتشغيل المكننة من شركة خاصة في عام 2007، ولمدّة سنتيْن، ومُدّدت مدّة العقد مرّات عدّة متتالية، وبالتراضي، ولا تزال المكننة متعثّرة ومتوقّفة عند المرحلة الأولى، وبدون موظفين تقنيين، فيما ملاكها التقني شاغر.
وأشار التقرير الى مشروع إصلاح الصندوق، المموّل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 3،8 ملايين يورو، بغية تعزيز قدراته. وتمّ تلزيم تنفيذ المشروع لشركة تركية. انتهت مدّة المشروع وبقيت عشرة مواضيع غير منجزة. أمّا الأمر المؤكّد فهو أنّ الصندوق لم يستفد من هذا المشروع، ولم يطرأ أيّ تحسّن على أدائه ولا على تقديماته!!
أما بالنسبة لعدم انتظام الأمور المالية، فقد شمل التقرير الموازنات التي امتنعت الإدارة عن تنظيم موازنة الصندوق العامة مرفقة بالموازنة الإدارية منذ عام 2019. كذلك تطرق الى الحسابات الختامية من سنة 2006 حتى سنة 2010 ضمناً ولا تزال غير مصدقة من وزير العمل الذي رفض تصديقها في عام 2019، بسبب التحفظات الجوهريّة العديدة التي أبداها مدقق الحسابات الخارجي على تلك الحسابات.
ومن الامور التي ذكرها التقرير أيضاً أن الإدارة لا تطبّق المادة 78 من قانون الضمان التي تتعلق بالاشتراكات التي يدفعها صاحب العمل بما أدّى إلى نقص في الاشتراكات المحققة وفي حقوق الصندوق.
كذلك تطرق التقرير الذي حصلت "النهار" على نسخة منه الى عدم معالجة العجز في صندوق ضمان المرض والأمومة منذ عام 2002، إذ بدأ العجز يظهر في حساباته منذ عشرين سنة، ولم تبادر الإدارة إلى معالجته قبل أن يتفاقم كما هي الحال حالياً. كما أن الادارة لم تتقيّد ببرنامج توظيف أموال الصندوق.