النهار

تعرفة كهرباء لبنان صعقت المشتركين... لِم يتلكّأ المتضررون من الطعن لدى شورى الدولة؟
المصدر: "النهار"
تعرفة كهرباء لبنان صعقت المشتركين... لِم يتلكّأ المتضررون من الطعن لدى شورى الدولة؟
تعبيرية.
A+   A-
رولى راشد
 
بالأمس القريب، كان الشوق إلى تيار مؤسّسة كهرباء لبنان يلازم جميع المواطنين بسبب لهيب تعرفة أصحاب المولّدات الخاصّة، والتشبيح غير المسؤول الذي يمارسه البعض منهم بغياب الحساب والعقاب وبفعل الغيبوبة الطويلة للسلطة. أما مع العام الحالي، فصعقت المؤسسة المشتركين بأرقام خياليّة في فواتيرها، وفي طريقة احتساب غير قانونية وغير عادلة لبيع خدمة التيار، بالرغم من تقصيرها المستمر في أدائها وفي خدمتها المدفوعة سلفاً وبشكل غير عادل.
 
وإذا كان من المفترض أن يلجأ المشتركون إلى إلغاء اشتراكاتهم في المولّدات التي استنزفت تسعيرتها جيوبهم وصبرهم، فقد سارع الكثير منهم إلى الاجراءات اللازمة لنزع عداداتهم أو لتعليقها، أو حتى لتخفيض قوتها بفعل الرسوم الخياليّة المفروضة بموجب خطة عشوائية.
 
وفي هذا السياق، علمت "النهار" أن جميع دوائر المؤسسة تكتظ يومياً بطلبات من هذا النوع، لا سيّما في مناطق الجنوب. أمّا ما هو البديل عن كهرباء الدولة، فهو بالتأكيد الطاقة الشمسيّة والمولّد الخاصّ أو حتى العتمة التي تبقى بنظر هؤلاء أرحم من جشع المسؤولين عن وضع وتطبيق هذه التعرفة. ويا للعجب والعار، فبدل من أن تنقذ كهرباء لبنان المشترك من طمع أصحاب المولّدات دفعته إليهم بالرغم من أن جدوى زيادة التعرفة، ومع نهاية الفصل الأول من العام الحالي، لم تظهر نتائجها المرجوّة لناحية الإيرادات المحصلّة. فالمكتوب يُقرأ من عنوانه بعد تراجع عدد المشتركين الذين خضعوا للاختبار الصعب.
 
كهرباء لبنان التي لمست هذا الواقع غير المطمئن منحت المشترك حق التقدّم بطلب لتخفيض قوّة عداده أو حتى تعليق اشتراكه لمدة أقصاها عامين، يُعفى خلالها من تسديد الرسوم، علماً بأنه في حال جاء الطلب لتعليق الاشتراك بشكل نهائيّ، فإنّ تجديده يتطلّب معاملات جديدة مع أسعار مغايرة، لا سيّما أن هناك دراسة قيد الإنجاز تلحظ ارتفاعاً كبيراً في الرسوم الحالية.
 
نعم، أوصى كل من البنك وصندوق النقد الدوليين برفع تعرفة الكهرباء، ولكن ضمن رزمة متكاملة من الإصلاحات، في مقدمها وجود هيئة ناظمة مجرّدة من الانتماءات وبعيدة عن التدخلات السياسية، تتقن التخطيط، وتراقب التنفيذ، بعيداً عن سلطة تنفيذية ووزير وصاية محسوب على فئة محددة.
ما هو التقييم النيابي والقانوني اليوم لتطبيق هذه التعرفة؟
 
الحاج
يقول النائب رازي الحاج لـ"النهار" "إن خطة الكهرباء فشلت، ولم ولن تنجح مع التفلّت الفاضح في أسعار الصرف، تعثّر الجباية، تراكم المشكلات التقنية على الشبكة مع غياب شبه كامل لأعمال الصيانة ولمعالجة التعديات على الشبكة بين سرقة وتعليق... فكهرباء لبنان تعاني من أزمة بنيويّة وليس من مشكلة تسعير فواتير استهلاك طاقة. وما يزال هناك بعض المناطق تمتنع عن الدفع وتسرق التيار. من هنا، فإن الحلّ الأنسب يكمن في تطبيق اللامركزية في الإنتاج حيث تكون كلّ منطقة مسؤولة عن إدارة القطاع من كلّ النواحي، لا سيما الجباية بما يضمن العدالة والمساواة بين المشتركين النظاميين في الكهرباء".
 
في وقت سابق، اتهم الحاج مؤسسة كهرباء لبنان "باحتساب فواتير استهلاك الطاقة الكهربائية وفقاً للتعرفة الجديدة بصورة تخالف القانون." وأشار إلى أنّ "مخالفة القانون كانت بإصدار أول فاتورتين عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2022، إذ فضلاً عن تخطّيها تعرفة المولّدات الخاصّة غير الشرعيّة، مع توزيع التيار ما بين ساعتين و4 ساعات خلال هذين الشهرين، خلافاً لما روّجت له المؤسّسة بأن التعرفة الجديدة ستكون وطأتها أخفّ، (فماذا لو تأمنت الكهرباء 24/24؟ فكم ستبلغ الفاتورة المخفضة؟)، جرى احتساب الرسم بعد جمع الفاتورتين خلافاً لأبسط قواعد المحاسبة، بدل احتساب كلّ منهما شهرياً على حدة، حيث تكون المؤسسة وبعملية حسابية بسيطة قد أثرت على حساب المواطن وحرمته من الاستفادة في الفاتورة الثانية ممّا سُمّي بالتعرفة المخفضة ما دون الـ100 كيلووات."
 
بموازاة ذلك، ثمة ملاحظات كثيرة ومخالفات خطيرة تضمنتها التعرفة، أهمها استمرار استيفاء بدل التأهيل الذي استُحدث استثنائياً ولفترة محدّدة أواخر عام 1995، لتسديد قروض خارجيّة حصلت عليها المؤسسة، وكان ذلك لمدّة سنوات فقط توازي سنوات التسديد؛ لم يكن أيّ مبرر لإعادة فرضه على المشتركين، ولا لاحتسابه بالدولار وإضافة الضريبة على القيمة المضافة إليه، حيث بات بدل التأهيل هذا خوّة تُفرض اعتباطياً، خلافاً للقانون.
 
بيضون
وفق المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون "فالمبرّر القانونيّ لهذا البدل انتفى بعد انتهاء القرض الذي حصلت عليه المؤسّسة لتأهيل شبكات النقل والتوزيع، فيما لا تزال تستوفيه، بالرغم من تسديدها اليوم للمتعهّدين تكلفة الصيانة والتشغيل بالدولار، وبتمويل من سلفة الخزينة، بمعزل عن بدل التأهيل المستوفى من المواطنين".
 
أما التبريرات التي تربط انخفاض تعرفة "كهرباء الدولة" مقارنة بتعرفة المولّدات الخاصّة فهي واهية، لا سيّما أنّ وزير الطاقة يقارن نفسه بأصحاب المولّدات، مقتدياً بممارسات أصحابها، الذين يتذرّعون بقرار وزير الاقتصاد لدولرة فواتيرهم.
يشرح بيضون لـ"النهار" بـ"أنّ التأهيل واحدٌ من عناصر تكلفة إنتاج المؤسّسة للكهرباء، التي تتوزّع على إنتاج حجم كبير من الكيلووات. فضلاً عن ذلك، إن فواتير المؤسسة تسعَّر بدولار صيرفة مع إضافة نسبة 20 في المئة، علماً بأن الموافقة على خطة الطوارىء لم تحتسب هذه الزيادة، التي وردت في كتاب لحاكم مصرف لبنان يجيب فيه عن طلب المؤسسة تحويل ليراتها إلى دولارات بسعر صرف خاصّ. وللعلم، سقط هذا العرض، ولم يتم تنفيذه، ولم تتحمل المؤسسة هذه الـ٢٠ في المئة لتأخّرها في التطبيق، فتراجع الحاكم، واستمرّت المؤسّسة بتطبيقه على سعر صيرفة بتاريخ الفوترة وليس الاستهلاك".
 
إن المخالفات العديدة والجسيمة التي شابت قرار رفع التعرفة بدحضه مبدأ العدالة وعدم مراعاته الظروف الاقتصادية والاجتماعية توفر مادة كافية ووافية للطعن به من قبل أيّ مواطن متضرر. وإنّما كيف؟
 
يلفت بيضون هنا إلى أن "قرار رفع التعرفة هو قرار تنظيميّ لا يُنشر في الجريدة الرسمية، ليكون اعتماد تاريخ نشره في سريان مهلة الطعن"، مشيراً إلى أن هناك عدة طرق للطعن:
 
أولاً: إما ان يلجأ المشترك، بصفته صاحب المصلحة المتضرّر، إلى مجلس شورى الدولة فيؤسّس لدعوى الطعن مزودّاً بمستندات اشتراكه وفواتير حديثة، ويستكمل صياغة مراجعة الطعن وبيان أوجه المخالفات لمختلف الأنظمة والقوانين والأحكام التي يتعارض معها القرار، ويضمّ إلى المراجعة نسخة مصدقّة عنه، وطلب وقف التنفيذ وإبطال القرار من النواحي المخالفة للقوانين.
 
ثانياً: إما انتظار المشترك حتى استلام فاتورة مع إثبات تاريخ وصولها إليه، وبناءً على مضمونها يتقدّم بالدعوى إلى مجلس الشورى.
 
ثالثاً: إما بموجب حق الوصول إلى المعلومات، يطلب من المؤسسة الحصول على صورة مصدّقة عن قرار رفع التعرفة للتقدّم بالطعن، وهذا طبعاً سيرفق بمطالعة قانونيّة تسلّط الضوء على اعتباطية هذه التعرفة.
 
ويسأل بيضون "عن التخاذل المستمر من قبل المسؤولين تجاه معالجة هذا الموضوع الحسّاس، لافتاً إلى غياب الاتحاد العمالي العام وغيره من النقابات والمرجعيات السياسية عن التصدّي للقرار غير القانوني وغير العادل، خصوصاً أن ردود فعل المواطنين مختلفة ومشتّتة، وتحتاج إلى قيادة تشجّعها على الامتناع عن تسديد الفواتير بصيغتها المجحفة، فيما كان يجب على لجنة الأشغال والطاقة والمياه النيابية التحرّك سريعاً والتدخّل لحماية المشترك ومعالجة المشكلة".
نعم، أين الاتحاد العمالي العام من هذه الضريبة المصيبة والجديدة التي فرضتها كهرباء لبنان؟
 
الأسمر
في أواخر عام 2022، هدّد رئيس الاتحاد الدكتور بشارة الأسمر بالعصيان والعودة إلى الشارع مع بدء سريان التعرفة. ولكن مع تشعّب القضايا المعيشية وتعدّد جبهات المواجهة خفّ الحماس على الطعن بالتعرفة، إلا أن الأسمر يؤكد "على لقاء قريب بعد فترة الأعياد مع وزير الطاقة الدكتور وليد فياض لتقويم موضوع التعرفة إن لجهة رسم العداد، أو لجهة رسم التأهيل، أو حتى لجهة إعادة النظر بالشطور. هذا مع العلم أنه كان قد عُقد لقاء سابق مع كلّ من الوزير والمدير العام للكهرباء، طرح خلاله موضوع إلغاء رسم العداد في ظل عدم قدرة المشتركين على التسديد، واستمرار التعديات على الشبكة. لكن النتيجة لم تكن إيجابية بالرغم من الوعود بدرس هذا المطلب وبصياغة تعرفة معدّلة".
 
وعن رسم التأهيل يذكّر الأسمر بأنه "صادر بمذكرة وليس بقانون، ويبدو أن مؤسسة كهرباء لبنان لا تملك أيّ استعداد لإلغائه، ولم يقف إلى جانب الاتحاد أيّ مجتمع مدنيّ أو جمعيّة أو أيّ فاعليات للمضي في إسقاطه".
 
كان ينقص مؤسسة كهرباء لبنان التعرفة المرتفعة للتصويب على خفّة أدائها، علماً بأن تعريتها من كلّ خدماتها بدأت مع دخول مقدّمي الخدمات وتفريغها من الجهاز البشريّ اللازم للأسف.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium