بالتزامن مع الذكرى العشرين لتأسيسها، أقامت شركة "بيريتيك"، رائدة الشركات الناشئة، Green Innovation Days 2022، للابتكار في عالم الطاقة النظيفة، في أضخم وأكبر حدث ضمّ شركات ناشئة وروّاد أعمال ومستثمرين وباحثين وأصحاب رؤية وقادة في مجال البيئة. وشكّل الحدث مساحة مشتركة واحدة، تبادل فيها المشاركون الخبرات والقدرات والطاقات لبحث سبل الاستثمارات والابتكارات الصديقة للبيئة، بما أنّ الطاقة الخضراء هي المستقبل. وبرغم الظروف الصعبة التي تمرّ على اللبنانيين، أثبت هذا الحدث، من مشاركين ومتحدّثين وقيّمين، أنّ الإبداع اللبناني لا يزال موجوداً.
الحدث الذي امتدّ على مدى ثلاثة أيام، ضمّ أكثر من 1200 مشارِك، وأكثر من 40 متحدِّثاً محلّياً ودولياً، وأكثر من 35 نشاطاً، وما يفوق 45 شركة ناشئة مبتكِرة (منها تابع لشركة بيريتيك ومنها خارجها)، وورش عمل ونقاشات لتبادل الخبرات المحلية والدولية، وعرض لمنتجات صديقة للبيئة تدخل فيه مجال الطاقة حيث توفير كلفتها وتوليدها والحفاظ على البيئة، في قطاعات عديدة.
ومن هذه المنتجات: أوّل فرن خبز يعمل على الطاقة الشمسية، إعادة إحياء بطاريات الألواح الشمسية، إعادة تدوير النفايات الصلبة، ابتكار حجر للبناء يعزل الحرارة صيفاً والبرد شتاءً، إعادة تدوير النفايات العضوية إلى سماد عضوي، ابتكار حل يقضي بلمّ النفايات عبر تطبيق ديليفري، ابتكار فحم من مخلفات البنّ، إعادة تدوير البلاستيك بهدف تصميم الأثاث منه، الصناعات الغذائية والزراعية، وغيرها من الابتكارات.
وتكمن أهمّية الحدث في تأكيد وجود طاقات هائلة وابتكارات وإبداعات شبابية لبنانية تحتاج لمَن يدعمها فقط، إضافة إلى حاجة لبنان لمثل هذا النوع من المساحات، ولا سيما في ظروفه الصعبة، لتأخذ به إلى عالم التطوّر والابتكار والتصنيع الابتكاري والتكنولوجيا والمساحة الإيجابية المليئة بالأمل والإرادة لإحراز فارق مضيء في العتمة التي يعيشها.
في هذا الإطار، يوضح رئيس مجلس إدارة "بيريتيك"، مارون شماس، في حديثه لـ"النهار"، أنّ لدى "بيريتيك" 31 برنامجاً لمساعدة رواد الأعمال الشباب، عبر اشتراكهم في برامج معيّنة يخضعون من خلالها لتقييم، والذي ينجح منهم يقضي ما بين 6 إلى 9 أشهر لدى الشركة ويحظى بالدعم المادي لإثبات فعالية منتَجه.
وتساعد "بيريتيك" الشركات الناشئة على تصميم نموذج أعمالها وعلى التسويق لمنتجاتها. وقد تلقّت الشركات الـ45 المنضوية تحت لواء "بيريتيك" والمشارِكة في الحدث، دعماً تراوح ما بين 15 إلى 100 ألف دولار كمساهمة في مشاريعها، في إطار الهبات التي تخصّصها البرامج المدعومة من بعض الدول المانحة، مثل هولندا والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
وتهدف هذه الابتكارات إلى تسويقها في بلدان خارج لبنان أيضاً، بحسب شماس، فالتسويق هو أصعب مرحلة في الإنتاج، لكونه بحاجة إلى الدعم المادي مع شبكة من العلاقات العامة. فعدد كبير من الشركات الناشئة تجد أسواقاً خارجية لها، عربية وغربية، فـ"قدرة لبنان على تصدير الابتكارات كبيرة على مستوى الشباب اللبناني".
لكن ما مدى الإقبال محلياً على هذه المنتجات؟ وأين يتموضع قطاع الشركات الناشئة اليوم محلياً؟ يجيب شماس أنّ الإقبال محلياً على هذا النوع من المنتجات عالٍ جداً، لأن الطاقة التقليدية أثبتت أنّها مكلفة جداً مقارنة بالاستثمار بالطاقة الشمسية الذي يردّ رأسماله في وقت قصير ويوفّر طاقة نظيفة ومستدامة.
تصوير حسن عسل
ومنذ 5 سنوات، خصّص مصرف لبنان قروضاً للشركات الناشئة لدعم المبتكرين، لكن أحداث عام 2019 كبحت هذا المسار. لكن العام الماضي انطلقت هذه عجلة الابتكار لدى الشركات الناشئة من جديد، لكن عبر المساعدات الخارجية من المانحين، وبذلك، "نحن في لبنان أمام فرصة جديدة لتنشيط قطاع الشركات الناشئة".
من جانبه، يشير السفير الهولندي في لبنان، هانس بيتر فان دير هود، في حديث لـ"النهار"، إلى أنّ "من الأسباب التي ندعم من أجلها الطاقة النظيفة في لبنان دعم إعادة هيكلة القطاع الإنتاجي في هذا البلد، ولا سيما دور التكنولوجيا في هذا الإطار. أمّا السبب الآخر، فهو رغبتنا في أن يبقى الشباب اللبناني في لبنان ويطوّروا أعمالهم فيه". إضافة إلى السبب الأخير ولعلّه الأهم بالنسبة إلى لبنان، وهو "محاولة تجاوز أزمة الطاقة في لبنان التي أصبحت مكلفة جداً للمنتجين وتصل كلفتها حدّ الـ70 في المئة من نفقات الشركات". فالمؤسسات في لبنان تدفع ما يراوح بين 70 إلى 90 كيلوواط في الساعة للمولدات، بينما إن وفّرنا طاقة نظيفة، فستقلّ هذه الكلفة كثيراً، ونضمن استمرارية الطاقة في ظلّ التغيّر المناخي الحاصل.
تصوير حسن عسل
ويلفت السفير إلى أنّ قطاع الطاقة النظيفة هو المستقبل، ويجب العمل لكي يحقّق الشباب الباحثين عن حلول أحلامهم في تكنولوجيا جديدة. كذلك، "على الدولة إيجاد إطار عمل يمكن للناس تطوير الطاقة الخضراء من خلاله، وتتمكّن بذلك المؤسسات من النموّ بهذا النوع من الطاقة".
ويرى السفير أنّه "لطالما حظي لبنان بمخزون هائل من رأس المال البشري، ولطالما شكّل رأس المال هذا أهمّ ما صدّره لبنان إلى الخارج، لكن لا يزال عدد كبير من الشباب بحاجة إلى الدعم، ولهذا نحن نقدّم دعمنا في هذا الإطار، لنوفّر لهم شيئاً يمكنهم البقاء من أجله في لبنان".