تتابع اللجان النيابية هذا الأسبوع مناقشة مشاريع قوانين لإنقاذ القطاع المالي وانتظام العمل فيه. في نيسان من عام 2020 كانت أول إطلالة لمشروع قانون الكابيتال كونترول، وفي آب من السنة عينها أطل مصرف لبنان، بالتعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 154 الذي يهدف إلى إطلاق عجلة إعادة هيكلة المصارف. ولكن، حتى اليوم، لا إنجازت تُذكر في الحالتين، فتقاذفت السلطة السياسية وجمعية المصارف الاتهامات، وتنقل مشروع القانون بين لجنة المال والموازنة والإدارة والعدل والهيئة العامة مرات عدة في سياق محاولة إقرار قانون الكابيتال كونترول، فيما سينطلق العمل على إعادة هيكلة القطاع المصرفي هذا الأسبوع في اجتماع للجان النيابية.
ما تلهّينا به مكوّنات الطبقة السياسية اليوم تحت مظلة "قانون الكابيتال كونترول"، أو غيره من القوانين، هو لإضافة الضباب والضبابية على ما يعاني منه لبنان اليوم. 3 عناوين عريضة تُناقَش في مشروع قانون الكابيتال كونترول والعمل على إقرارها في قانون واحد:
تنظيم العلاقة بين المودع والمصرف، وضع ضوابط على حركة رأس المال من وإلى الداخل اللبناني، إبراء ذمة المصارف من كل الارتكابات غير القانونية التي مارستها وفرضت عليها، بسبب الظروف، منذ انطلاقة الأزمة في تشرين من عام 2019.
يرى خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد محمد فحيلي، أن من الخطأ ومن المستحيل الوصول إلى إنتاج قانون واحد يعالج هذه العناوين الثلاثة. ولهذا السبب، برأيه، لن يبصر النور هذا القانون وكل ما ينجز من خلال هذه اللقاءات هو لتسجيل ولتحصيل مكاسب سياسية ليس إلا - "حركة من دون بركة"!
ولكن هل لبنان بحاجة إلى تشريع على جميع هذه النقاط؟ الجواب يجزم فحيلي قائلاً: "كلا".
لجهة تنظيم العلاقة بين المودع والمصرف، يتطلب برأي فحيلي من السلطة النقدية "مراجعة التعاميم النافذة اليوم، وإعادة العمل بوسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي (بطاقات الدفع والائتمان، والشيكات والتحاويل) والقوانين التي ترعى هذه العلاقة وتؤمن البنية التحتية القانونية (قانون النقد والتسليف، وتعاميم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف). وتعتبر أيضاً الممر الإلزامي لإعادة الحياة إلى القطاع المصرفي وانطلاق عجلة ترميم الثقة بين المودع والمصرف. فما يُبحث اليوم لجهة تنظيم هذه العلاقة هو فقط تحديد سقف للسحوبات (نقداً و/أو تحويل الى الخارج) من الحسابات المكوّنة بالعملة الأجنبية، فيما يجب أن تتخطى علاقة المودع بالمصرف هذه الحدود، وذلك إذا صح أن الهدف من هذه النقاشات عودة الحياة إلى القطاع المصرفي.
أما وضع ضوابط على حركة رأس المال من الداخل اللبناني وإليه، هو لزوم ما لم يلزم، إذ يعتبر فحيلي أن "الحدّ من خروج رأس المال اليوم قد يواجه، في المقلب الآخر، ضوابط على دخوله من الجهات الخارجية". فخروج رؤوس الأموال قبل وبعد اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية في 2019 كان يهدف إلى تهريب رؤوس الأموال، فيما كان يجب على السلطة السياسية التصرّف بسرعة للحدّ منه آنذاك. وطلب مصرف لبنان من المصارف في إحدى مواد التعميم الأساسي رقم 154 العودة إلى تموز 2017 والطلب من عملائها وكبار المساهمين فيها وحثهم على إعادة ما بين بين 15% و30% من ما أخرج من أموال، هو دلالة على أن لبنان كان بحاجة إلى وضع ضوابط على حركة رأس المال قبل الأزمة بكثير. وبسبب انعدام الرقابة، قد يؤدي وضع ضوابط على حركة رأس المال إلى الفساد حيال مضاعفة فاتورة الاستيراد لتمكين المستورد من تهريب الأموال إلى الخارج، وامتناع المصدّر عن إعادة إيراداته من التجارة إلى الداخل اللبناني.
أما "إبراء ذمة المصارف من كل الارتكابات غير القانونية التي مارستها وفرضت عليها، بسبب الظروف (مطالبة كل المودعين بسحب كل أموالهم في الوقت عينه، منذ انطلاقة الأزمة في تشرين من 2019)، حصل على قسط وافر من النقاش في اللجان، وكذلك الترغيب والترهيب من قبل المراقبين والمحللين. ويرى فحيلي أنه "يجب الفصل بوضوح بين إبراء ذمة "المصارف" و"المصرفي". ويقول "من المستحيل الوصول إلى أن يتطلب ضخ رأس مال جديد ونظيف في مؤسسات تعاني وتتخبط بكم هائل من الدعاوى القانونية ضدها وأصحاب القرار فيها متهمون بالفساد. فأخطاء المؤسسات المصرفية تعالج من لجنة الرقابة على المصارف، وإذا تعذرت المعالجة، تتم تصفية المصرف. أما ارتكابات المصرفيين غير القانونية تعالج من خلال القضاء المختص، ويجب أن تبدأ بتنحي المصرفي عن منصبه في المؤسسة، وإن كان من كبار المساهمين فيها. وإن كان لبنان بحاجة إلى قانون لإقرار ذلك، يجب أن تكون إحدى مواد قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي لا ضمن مواد قانون الكابيتال كونترول".
تعتمد انطلاقة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف وانتظام العمل في القطاع المالي على تحديد حجم الخسائر - خسائر من: المودع، المصرف، المصرفي، أو السلطة السياسية التي هدرت هذه الأموال. ولهذا المشروع ركيزتان: إعادة رسملة المصرف المركزي من خلال إعفائه من التزاماته تجاه المصارف وضخ رأس مال جديد غير متوافر لديها (أي لدى السلطة) اليوم، وتصنيف الودائع بين ودائع مؤهلة وغير مؤهلة لتبرير قيمة الاقتطاع منها وكيفية جدولة تسديدها للمودعين. وبهذا يكون تشخيص المشكلة برأي فحيلي، خطأ فكيف للحلول أن تصيب؟!
من الخطأ إعادة تمكين "المركزي" من خلال شطب توظيفات المصارف لديه أو باللجوء إلى الدين لدعم رأس ماله، فكل الودائع مؤهلة ومكانها المناسب هو في الحسابات المصرفية والعمل على تسديدها للمودعين يساهم في الاختناق الاقتصادي لا في العافية. ما يحتاج إليه القطاع المصرف اللبناني اليوم هو إعطاؤه الوقت للتعافي. نعم، يقول فحيلي إن المشكلة هي مشكلة "وقت" إذا توافرت الإرادة، والحلول لن تكون إلا من خلال توافر الوقت لإعادة جدولة وهيكلة الدين العام. أما فرض إعادة النظر في احتساب خسارة المصارف، فتؤدي إلى تحسن في التصنيف الائتماني للبنان، "بما ينعكس على علاقة المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة في الخارج، وكذلك إيجاباً على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان. فالكل بات يعلم أنه بسبب التعثر غير المنظم في آذار 2020، تحولت كل توظيفات المصارف لسنوات حتى 2037، في الديون السيادية إلى خسارة تحتسب فوراً ويستوجب توفر رأس المال لامتصاص هذه الخسارة. وردود الفعل على هذا الواقع الأليم جاءت مدمّرة بتسارع وتوافد المودعين للمطالبة بأموالهم بغضّ النظر عن تاريخ استحقاقها، وإقفال الأسواق المالية العالمية أبوابها أمام القطاع المالي اللبناني، وتعثر العلاقة بين المصارف التجارية اللبنانية والمصارف المراسلة".
التركيز في مناقشة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وفق فحيلي يجب أن يكون على "كيفية إطلاق عجلة إعادة ترميم الثقة بين المصرف وعملائه من مودعين ومصارف مراسلة لإعادة الحياة إلى ربوعه، فالتعثر غير المنظم من السلطة الحاكمة أفقد عملاء المصارف ثقتهم بهذه المؤسسات. ويرى أن "التعاطي بجدية من الدولة اللبنانية بموضوع العودة إلى التفاوض مع الدائنين للتوصّل إلى خطة جدية لإعادة هيكلة وجدولة الدين العام هو الممر الإلزامي لانتظام العمل في القطاع المالي، ولن تعود الثقة ولا الحياة إليه بتصفية مصرف أو/و دعم آخر، فالسيادة المالية للوطن تزعزعت بسبب التعثر غير المنظم، وعودة هذه السيادة هو مفتاح الحلّ. وللتوضيح، فإن سقف التصنيف الائتماني لأي مؤسسة مالية هو التصنيف الائتماني للدولة التي توجد فيها – كل المصارف العاملة على الأراضي اللبنانية، بغضّ النظر عن قدرتها الحقيقية، تحمل التصنيف الائتماني للبنان، أي "متعثر". وهذا التصنيف لا يتغير بدعم رأس مال المصرف، يتغير ويتحسن من خلال العمل على إعادة السيادة المالية والنقدية إلى البلد".