مع ارتفاع سعر البنزين المتواصل، والذي بات جنونياً لكثير من اللبنانيين لأن الرواتب بالليرة باتت تساوي صفيحتين أو 3 صفائح من البنزين، يواجه الموظف اللبناني، أزمة التنقل إلى العمل، مع غياب وسائل النقل المشترَك،وبعدما أصبح راتبه مجرد كمية من المال تدفع لمحطة المحروقات وتأمين البنزين للسيارة. إزاء هذا الواقع، تتّخذ الشركات في القطاعات كافة إجراءات مختلفة للمساهمة في تخفيف عبء النقل للموظفين، كي يتمكّن الموظف من الحضور إلى عمله.
وقد اتّفق وزير العمل مصطفى بيرم والهيئات الاقتصادية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، على زيادة الحد الأدنى للأجور المسجَّل لدى الضمان الاجتماعي بالنسبة للقطاع الخاص، من 2 مليون ليرة إلى 2،6 مليون ليرة وزيادة بدل النقل اليومي للعاملين والأجراء في القطاع الخاص من 65 ألف ليرة إلى 95 ألف ليرة. لكن بدل النقل الذي اتّفق عليه المجتمعون قد لا يكفي لمن سكنه خارج العاصمة وعمله فيها.
ومع تفاقم الأزمة، ما هي النماذج التي تعتمدها بعض الشركات في ما يتعلّق بنقل الموظّفين؟ وهل تعود المؤسسات إلى العمل عن بُعد؟
تقول مديرة الموارد البشرية في إحدى شركات التأمين المعروفة، إنّ بدل النقل يُسدَّد للموظف بالليرة وهو البدل الذي حدّدته الدولة. وهي على يقين أن هذا البدل قد لا يكفي الموظفين الذي يصادف سكنهم خارج بيروت،"لكن ليس باليد حيلة لأن لا إمكانية لرفع زيادة البدل أكثر من ذلك". كما ترى أن العودة إلى العمل عن بُعد أمر غير وارد لدى الشركة، لأنّ إصدار بوالص التأمين يتطلّب وجود الموظفين في المكاتب.
بالانتقال إلى صاحب أحد المصانع، يشرح أنّ الكثير من اللبنانيين لا يتأقلمون مع فكرة العمل عن بُعد، وهي فكرة لا تزال غير قابلة للتطبيق لأنّنا لم نصل بعد إلى أعلى مستويات الضمير المهني في العمل، لذلك، فإنّ العودة للعمل عن بُعد غير واردة البتة.
ويؤكّد أنّه رغم أنّ نفقات النقل باتت باهظة على الموظف أو العامل، لكننا كصناعيين "وضعنا أسهل من باقي القطاعات"، لأنّ معظم العمال إجمالا يستقلّون الباصات من نقطة تجمّع في معظم المناطق، ويتحمل صاحب المصنع الكلفة. وللموظفين الذين يستخدمون سياراتهم، تحتسب كميات الليترات قياساً بمكان العمل خلال الشهر، ويتم على أساسه دفع بدل النقل ليوم العمل الفعلي، إما نقداً أو من خلال بطاقة دفع بنزين معبئة سلفاً.
"ما ندفعه للنقل يزيد عمّا حدّدته الدولة"، وفق صاحب المصنع، لذلك حلّ المصنع مشكلة النقل، "فالموظف إن لم يتقاضَ كلفة المواصلات كاملة، لن يتمكّن من العمل براحة بال".
هذه السياسة لا تنطبق على شركات التسويق الالكتروني، فإحدى هذه الشركات، يعتمد صاحبها العمل عن بُعد منذ انتشار جائحة كورونا، وهو "أمر يوفّر الكثير من النفقات وأثبتت الدراسات إنتاجيته العالية، وطالما أنّ مهامنا يمكن إنجازها "أونلاين"، فلماذا إذاً التواجد في المكتب"، يسأل المسؤول. فهذه اللقاءات أصبحت تقتصر فقط على الاجتماعات الطارئة والهامة.
كذلك الشركات التي تختص بالسوشيل ميديا، يؤكّد صاحب إحداها أنّه يعتمد العمل عن بُعد منذ انتشار كورونا ولا يزال. فهذا النموذج هو الأجدى والأوفر في ظل الأزمة الراهنة. والعودة إلى المكاتب، بنظره، لم تعد خياراً مع ارتفاع أسعار البنزين، خصوصاً وأنّنا قادرين على تنفيذ جميع المهام عن بُعد وبإنتاجية عالية، وبذلك ندعم رواتب الموظف. وإذا ما اضُطرّ موظف ما إلى عقد اجتماع مع زبون مثلاً، تدفع الشركة له كلفة مشواره.
إلى ذلك، يورد صاحب شركة تسويق إلكتروني أنّهم يعتمدون العمل المدمَج، وفقاً للمشاريع ولما يتطلّبه العمل. وتدفع الشركة للموظف بدل نقل لعدد الأيام التي يحضر فيها إلى المكتب، وهو 160 لف ليرة، أي أكثر من بدل النقل الذي حدّدته الدولة. وفيما جميع الموظفين يسكنون داخل بيروت، وإن ارتفع سعر البنزين، ترفع الشركة بدل النقل مواكبة مع سعر الدولار. لكن العودة إلى العمل عن بُعد بشكل كلي، بحسب صاحب الشركة، هو "أمر مستحيل".
وفي شركة معروفة للتطوير العقاري، موظّفو الشركة هم من سكان بيروت، يأتون بسيارة واحدة إلى العمل، وتتكفّل الشركة عندها ببدل النقل لصاحب السيارة فقط. وبالنسبة لمسؤولي الشركة، العودة للعمل أونلاين غير واردة، إذ ان طبيعة العمل تتطلّب وجود الموظفين في المؤسسة.
وأخيراً، تعطي شركة إعلانات معروفة في البلد، للموظف، بدل النقل الذي فرضته الدولة وهو 65 ألف ليرة، أي ما مجموعه 1300000 ليرة في الشهر، رغم أنّ الموظفين غير ملزَمين بالحضور إلى المكاتب، ويمكنهم العمل عن بُعد من منازلهم، ويتقاضون بدل النقل كاملاً سواء حضروا أم لم يحضروا إلى المكتب. وتفيد المسؤولة أنّ الشركة ترغب لو تصل إلى مرحلة يكون فيها العمل عن بُعد بشكل كلّي، لأنّه أقلّ كلفة على الشركة، وقد اعتُمد نظام العمل المدمَج كونه أكثر مرونة. لكن الموظفين الإداريين كالمحاسبين، مضطرّون للعمل حضورياً ويومياً في المكتب.