تتصدّر التدفئة بالحطب وسائل التدفئة في المناطق الجبلية، مع ارتفاع تكلفة المازوت والغاز. فمَن كان لديه صوبيا تعمل على إحدى هاتين المادتين، حوّلها إلى نظام يعمل على الحطب، ليضمن تدفئته، فيما تكلفة الحطب لا تزال مقبولة جداً مقارنة بالمازوت والغاز والكهرباء. لكن في العاصمة، ومع عدم إمكانية التزوّد بصوبيا في المباني السكنية، فإنّ مدفئة الغاز والكهرباء، تحظيان بالحصة الأكبر.
في هذا التقرير، ننشر كلفة تدفئة كل وسيلة، مع التطرّق إلى التأثير الصحي لاستخدامها، لاسيّما على الجهاز التنفسي والرئة.
استبدل سالم، صوبيا المازوت التي كان يستخدمها، حتى العام الماضي، بصوبيا الحطب، "فهي أوفر بمليون مرة من المازوت في ظل الغلاء الكارثي، فطن المازوت يعادل من حيث سعره حوالي 6 أو 7 أطنان من الحطب وهي كمية قد لا نستهلكها كلّها خلال فصل الشتاء".
سالم، أب لأسرة من ثلاثة أولاد، يسكن في إحدى البلدات الجبلية، وجد في الحطب ملجأً أوفر، و"أسلم للصحة"، و"يعطي دفئاً معنوياً ويمكن الاستفادة منه لتسخين الطعام أو شوي أي من الأطعمة التي تؤكل في سهرات ليالي الشتاء الطويلة من البطاطا والخبز والكستناء وسواها. وأخذ الرجل يعدّ فوائد صوبيا الحطب، ذاكراً عدداً لا بأس به من سكان البلدة الذين استبدلوا أيضاً صوبياتهم التي تعمل على المازوت بصوبيات الحطب.
تصوير حسام شبارو
كلفة التدفئة... الحطب هو الأوفر
إيلي نجار، صاحب إحدى أهم مؤسسات بيع أنظمة وأجهزة التدفئة، وفي حديثه لـ"النهار"، يؤكد أنّ الطلب على صوبيات الحطب مرتفع بشكل كبير على عكس صوبيات المازوت والغاز التي تدنّى الطلب عليها بشكل كبير مع ارتفاع تكلفة هاتين المادتين، في حين أنّ تأمين الحطب ميسَّر والناس وباتوا يلجئون إلى ما هو أرخص. ويبدأ سعر صوبيا الحطب التقليدية من 200 دولار وصولاً إلى 2000 دولار (على الطلب وفقاً لتصميم المنزل)، وصوبيا المازوت من 600 دولار، وجهاز التدفئة الأوروبي على الغاز ابتداءً من 1500 دولار.
إضافة إلى أدوات التدفئة الرائجة، ولتوفير تكلفة الطاقة، توفّر المؤسسة نوعاً جديداً من الصوبيات يسمح بالاستفادة من الصوبيا التي تعمل على الحطب عبر وصلها بجهاز التدفئة الموجود في بعض المنازل (Chaudière)، بحيث يعمل هذا الجهاز على تسخين مواسير المياه من الحطب، وبذلك يتم توفير كلفة الغاز والمازوت. لكنّ هذا النظام، المزوَّد بفرن صغير، يحتاج إلى كهرباء بشكل متواصل، ويبدأ سعره من 1000 دولار.
بالحديث عن الحطب، وفي ظل أزمة الغلاء الفاحش، لا بدّ من معرفة أسعاره. في رأي منصور زوين، تاجر حطب، أنّ الحطب يوفّر حوالي 80 في المئة من فاتورة التدفئة عبر الكهرباء. كذلك فإنّ الطلب على الحطب هذا العام كبير جداً، كون معظم الناس اتّجهوا إلى التدفئة عبره "من الأغنياء والفقراء"، وفق تعبيره.
تصوير حسام شبارو
وحوّل كثيرون، وبشكل كثيف، صوبياتهم من صوبيات على المازوت إلى الحطب، في الشمال والبقاع، بحسب زوين، لتوفير كلفة المحروقات. ويؤكّد أنّ هناك أشخاصًا يلجأون إلى تحمية سخان المياه للاستحمام، على الحطب، لتوفير تكلفة الكهرباء، لاسيّما في طرابلس، حيث تُباع هذه الأجهزة بكميات هائلة. كذلك، يلفت زوين إلى أنّه في القرى الجبلية البعيدة، يتّجه كثيرون إلى الطهي على الحطب لتوفير تكلفة الغاز من جهة، ولإنهاء الطبخة بشكل أسرع وألذّ من جهة أخرى.
أمّا أسعار الحطب، فتختلف إذا ما كان يابساً أم أخضر. إذا كان أخضرَ يكون سعره أرخص، ويتحمّل بذلك الشاري مسؤولية تيبيسه لأشهر، وغالباً مَن يشتري الحطب الأخضر هو مَن يرتكز بعمله على الحطب، ويموّنه كمونة الغذاء، منذ الصيف.
أمّا الحطب اليابس، فيشتريه مَن يلجأ إلى التدفئة شتاءً. ويبلغ سعر طن الحطب اليابس 250 دولارًا، أمّا سعر طن الحطب الاخضر بطولِه (أي يكون جذع شجرة كاملًا بـ 100 دولار وسعر الطن المقطَّع منه بحوالي 180 دولارًا).
وفيما لا يمكن تحديد حاجة عائلة أو شخص من الحطب خلال فصل الشتاء، كونه رهن كمية الاستهلاك، يمكن تقدير كمية الحطب لمَن يستهلكه يومياً للتدفئة، بـ 5 إلى 6 أطنان من الحطب.
وفي أحد محال الإلكترونيات في بيروت، يتراوح سعر أجهزة التدفئة العاملة على الكهرباء بين 11 و600 دولار حسب حجمها. أمّا أجهزة التدفئة العاملة على الغاز، فيتراوح سعرها بين 77 و200 دولار. ويبلغ سعر جهاز التدفئة على المازوت بـ 1300 دولار وهي خيار لسكان المنازل الجبلية أيضاً.
ويقول الموظف في المحل أنّ رغم ارتفاع تكلفة الغاز والكهرباء، فإنّ مبيع أجهزة التدفئة هذه لم ينقطع، ولا يزال هناك طلب عليها. فمعظم مَن يلجأون إلى التدفئة بالحطب يسكنون خارج بيروت لكون منازلهم تتيح لهم استخدام الصوبيات، ما لا يمكن أن يحصل في المباني في قلب العاصمة. لذلك، فإنّه لا بدّ من التزود بأجهزة تدفئة على الغاز أو على الكهرباء.
تصوير حسن عسل
ما تأثير وسائل التدفئة هذه على صحة الفرد؟
مدير الشؤون الطبية في مستشفى أوتيل ديو، الدكتور جورج ضبر، وفي حديثه لـ"النهار"، يشرح أنّ التدفئة بالحطب، ومعه الفحم، أمر خطِر على الصحة. فالدخان المتصاعد من هاتين المادتين، إن لم ينصرف خارج الغرفة المغلَقة، يضرّ الفرد. فإنّ عملية اشتعالهما تبعث مادة الكاربومونوكسايد، التي تؤدي إلى الاختناق، وقد يصل الأمر إلى وقوع الشخص في غيبوبة والدخول بالكوما والموت أحياناً من جراء عملية التفحيم هذه.
ويلفت ضبر إلى أنّه ليس هناك مدة لوقوع لاختناق، ويمكن للفرد المتواجد في مكان فيه صوبيا على الحطب -دون فتح أيّ منفذ لدخول الهواء النظيف الى الداخل أو اخراج الهواء المسمَّم إلى الخارج- أن يدخل في غيبوبة وقد يتسبّب الأمر بموته فوراً.
كذلك، الأشخاص الذين يعانون من حساسية الرئة، فإنّ تعرّضهم لمكان مغلَق بالمواصفات المذكورة، يعرّضهم لزيادة مشكلة الربو لديهم أو بالالتهاب الرئوي. والتعرّض للصوبيا التي تعمل على المازوت، يحتّم أيضاً أن تتزوّد بماسورة لإخراج الهواء الملوَّث خارج الغرفة.
أمّا التعرّض لمدفئة تعمل على الغاز، فلا مشكلة فيه، وفق ضبر، طالما أنّها لا تسرّب للغاز، وإلّا سيعاني الفرد من تسمّم واختناق. لكن الأمر الإيجابي في هذه المدفئة، هو أنّ عملية اشتعال الغاز لا تبقي ترسّبات في المكان، أي أنّها عملية اشتعال نظيفة، لكن المشكلة قد تقع في تنشّق الغاز المسرَّب.
ومع الاستعمال والاستهلاك المزمِن، وعلى المدى الطويل، يشرح ضبر أنّ التعرّض لدخان المواد المشتعلة هذه، يؤدّي إلى الانسداد الرئوي، ما قد يعرّض الفرد إلى الإصابة بمرض سرطان الرئة أو سرطان أعضاء أخرى مثل المبولة أو المعدة. فالدخان يذوب في نسيج الجسم وينتقل بمجاريه كلّها.
تصوير حسن عسل
هل من نصائح للتخفيف من هذه الأضرار؟
ينصح ضبر أولاً بعدم ترك أيّ صوبيا لا تُخرج المواد المشتعلة إلى الخارج، مشتعلة خلال الخلود إلى النوم. والتأكد من صيانة إمدادات ومواسير الصوبيا، في بداية موسم الشتاء، وحتى التي لها مخرج هواء. كما يجب العمل على فتح نافذة أو ممرّ هوائي للسماح للهواء النظيف بالدخول وتغيير الجو، وخروج الفرد لتنشّق الهواء النظيف بشكل متكرّر.
وبرأي ضبر، فإنّ المكيّفات العاملة للتدفئة والـChaudière، هي الأسلم صحيّاً بين وسائل التدفئة، إذ إنّها لا تبعث بأيّ مواد مشتعلة، ولو أنّ تنشّق الهواء الساخن الناشف، ينشّف مجاري الأنف والحنجرة، وتتضاعف هذه الحالة لدى الأفراد الذين يعانون من الحساسية.
تصوير حسن عسل