ما بين توصيف رئيس تكتل "لبنان القوي" النائب جبران باسيل لمناقشات اللجان النيابية حول مشروع "الكابيتال كونترول" بـ"المهزلة"، ورفض العضو في تكتله نائب رئيس المجلس إلياس بو صعب له، وبين وصف باسيل الكلام النيابي عن حماية حقوق المودعين بالكذب، ورفض عضو كتلة "الجمهورية القوية" النائب جورج عدوان له، مشهد كامل الأوصاف لحال التخبّط السائدة على مشهديّة جلسات اللجان العالقة بين مطرقة صندوق النقد الدولي الضاغط باتجاه إقرار مشروع "الكابيتال كونترول" وسندان القوى السياسية الساعية إلى شراء مزيد من الوقت، وتفخيخ المشروع، ليأتي إقراره لزوم ما لا يلزم، وعاجزاً عن حماية الودائع ولجم حركة التحويلات والسحوبات المستمرّة من دون توقّف.
يُدرك المجلس النيابي أن صندوق النقد يتمسّك بإقرار هذا المشروع من منطلق استكمال إنجاز الإجراءات المسبقة المطلوبة قبل الانتقال إلى مرحلة توقيع البرنامج. كذلك يُدرك المجلس أن تقنيّي الصندوق عاجزون عن استيعاب حجم الخبث والمكر والتلاعب بالقوانين بما يضمن مصلحة المشرّعين، حتى لو ادّعى هؤلاء فهمهم لعمق الفساد المتغلغل في الجسم اللبناني، لكنّه في الواقع يبقى عصيّاً على المعالجة والاستدراك، كما حصل ولا يزال في عدد غير قليل من القوانين، ولن يكون آخرها قانون تعديل السرية المصرفيّة.
وعليه، وضمن هذه المشهديّة الجامعة لكل التناقضات السياسية والمزايدات الشعبوية في موسم الانتخابات الرئاسية، يستمرّ تعطيل إنجاز المشروع على مستوى اللجان، تمهيداً لإحالته إلى هيئة عامة لن يكون انعقادها مسألة سهلة، وسط الاعتراضات القوية لعدد من الكُتل على انتقال المجلس من هيئة ناخبة حكماً - بموجب الدستور - إلى هيئة مشرّعة، تحت ستار تشريع الضرورة، علماً بأن استمرار الجلسات الفولكلورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية على المسار عينه المتمدّد للمرّة السادسة، من دون أيّ أفق باحتمال حصول خرق قريب له، يعزّز الدوافع نحو انعقاد جلسة تشريعيّة، يحرص رئيس المجلس نبيه بري على تأمين ظروف نجاحها من خلال الإعداد لجدول أعمال دسم من المشاريع ذات الطابع الملحّ والمعجّل.
يُثير التباين في المواقف ضمن تكتل "لبنان القوي" علامات استفهام واسعة، في ظلّ ما يتردّد في أروقة ضيّقة عن أن هذا التكتل مستعدّ للسير بمشروع الكابيتال كونترول بشرط أن يلحظ استثناء للتحويلات النقدية عبر شركات التحويل مثل "OMT"، التي تحصَّل عمولة تبلغ ٣ في المئة على كلّ عمليّة تحويل، والتي يتردّد أيضاً في الأروقة عينها أن لها مساهمة كانت سخيّة في دعم التكتل.
فهل الهدف من هذا المشروع تفصيله على قياس مصالح القوى السياسية في إطار تلبية مطلب صندوق النقد أم أنّه يرمي فعلاً إلى حماية الودائع كما يفترض أن يكون، لو تمّ تطبيقه منذ اليوم الأوّل للأزمة المصرفيّة، التي أدّت إلى تعثّر القطاع وتخلّفه عن تلبية سحوبات وتحويلات عملائه؟
في متابعة للمسار الذي سلكه هذا المشروع منذ وضع صيغته الأولى، وصولاً إلى الصيغة الأخيرة المطروحة أمام اللجان النيابية، يمكن تبيان الألغام المزروعة في طريق إقراره وإمكان تطبيقه. ويتبيّن من هذا المسار المعطوف على المسار الآخر والموازي، الذي تسلكه خطة التعافي الاقتصادي، أن الهدف الحقيقي لا يكمن في حماية الودائع بقدر ما يكمن فعلياً في إطفائها، عبر تحميل الخسارة للمودعين، لا سيّما الشّرائح التي تتوزّع بين وديعة المئة ألف دولار والمليون دولار؛ وذلك بدلاً من أن تتحمّل الدولة ذات السيادة مسؤوليتها في هذا الشأن. وهذا يعني عمليّاً أن لا خطة تعافٍ ستُقرّ، ولا قانون الكابيتال كونترول، قبل أن يتمّ الإجهاز على أكبر شريحة ممكنة من الودائع؛ والوقت كفيل بذلك عبر عمليات الاقتطاع التي تتمّ على هذه الودائع.
ففي حين يجري العمل على تسويات تلحظ أصحاب الودائع من المقيمين وغير المقيمين، لا سيّما أولئك الذي لجأوا إلى القطاع المصرفيّ اللبنانيّ للتهرّب من دفع الضرائب في بلادهم، أو للإفادة من معدّلات الفوائد المرتفعة، تستمرّ عمليات الاقتطاع على أصحاب الحسابات الصغيرة التي بدأت تتراجع قيمتها وأحجامها، بعد ٣ أعوام على الأزمة، لا سيّما أن صندوق النقد لا يزال متمسّكاً بمنطق عدم استعمال أصول الدولة لعدم ضرب مبدأ العدالة بين المكلّفين. وأكثر ما يخشاه المراقبون أن ينتهي الأمر عند معادلة "عفا الله عمّا مضى"، فيكون الإفلات من العقاب من نصيب مجموعة كبار المودعين من المعارضين سياسياً، والذين بدأوا يتحسّسون رقابهم مع إقرار التعديلات على قانون السريّة المصرفيّة، إذ علم أن عدداً من هؤلاء طلب شطب جزء من ودائعه الموجودة في لبنان حتى لا ينكشف عند تطبيق القانون وصولاً إلى قانون من أين لك هذا؟
من هنا، يرى المراقبون أن المعركة اليوم يجب أن تتركّز على حماية ودائع الشريحة المتوسّطة من المودعين؛ وذلك من أجل حماية ما تبقّى من الطبقة الوسطى التي تشكّل صمّام الأمان للمجتمع، وفي إلغائها تهديد للأمن المجتمعي.