أطلقت شبكة القطاع الخاص اللبناني "LPSN" في لقائها السنوي الثاني مبادرة "Lebanon Works"، وهي منصة إلكترونية (lebanonworks.net) ستجمع فيها فرص العمل ومطوّري المهارات والمؤسسات التعليمية، إضافة إلى الشركات التجارية، لخلق فرص عمل وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة.
يهدف مشروع "Lebanon Works" إلى تحديد القطاعات القادرة على خلق فرص عمل، وتسليط الضوء على المبادرات الناجحة، وتحديد السياسات التي من شأنها زيادة النمو وإحداث تأثير أكبر في الاقتصاد.
وكان لأعضاء الشبكة الخبراء كلّ في مجاله مداخلات، عرضوا من خلالها واقع 8 قطاعات مختلفة هي: الزراعة والصناعات الغذائية، الصناعة، الضيافة والسياحة، الثقافة والصناعات الإبداعية، الرعاية الصحية، التطوير العقاري، اقتصاد المعرفة، وإدارة النفايات والتحريج. وقدّموا رؤاهم حول المتطلبات الشاملة وخريطة الطريق لتطوير هذه القطاعات والقدرات التي يتحلّى بها كلّ قطاع لتوسيع نطاقه وخلق فرص عمل لديه. وبالتالي، دعم الاقتصاد أوّلاً وأخيراً.
في حديثها لـ"النهار"، توضح رئيسة "شبكة القطاع الخاص اللبناني" ريما فريجي بأنّ "المبادرة حركة وطنية ناجمة عن حاجة لمساعدة الناس في التدريب والتعليم، وإيجاد حلقة وصل بين الشواغر في الوظائف وبين الباحثين عنها. كذلك، هدفنا الضغط على المسؤولين لاعتماد سياسات نراها مناسبة لتطوير قطاعاتنا". وتضيف: "لأننا نُعتبر من "خالقي فرص العمل" نتمتع بالقدرة على خلق سبل عيش كريمة، ولأنّنا نعدّ من معززي المهارات، يمكننا تعزيز المواهب التي ستدفع إلى التقدّم في هذه الصناعات، ولأننا "قادرون على تمكين القدرات"، لدينا المعرفة لتعزيز بيئة تزدهر فيها الأعمال وتتطوّر فيها الابتكارات".
تصوير حسام شبارو
وبعد مباحثات طويلة وحثيثة مع جميع أعضاء الشبكة، وهم أصحاب الأعمال، وجدوا أن المشكلة الأساسية التي يمكن حلّها تكمن في خلق فرص عمل، "ففتح هذه المنصة يضاعف من التعاونات بين المؤسسات في ما يتعلق بالتوظيف"، وفق فريجي.
وفي ظل غياب الاستراتيجية الوطنية لخلق فرص العمل، وبالتزامن مع ازدياد البطالة، كان لا بدّ من تحرّك القطاع الخاص لإطلاق عجلة الحركة الاقتصادية، تقول فريجي. وهي تعتبر أنّ هذه المبادرة هي "خطوة إلى الأمام لغرس الأمل ومنح الشركات الفرصة لإظهار مبادراتها الفردية وأفكارها، التي إذا ما تم توحيدها يمكنها تحقيق تأثير مضاعَف".
وكانت صاحبة ومؤسِّسة مطعم "مايريغ" ألين كاماكيان واحدة من المتحدّثين حول قطاع الضيافة والمطاعم. وفي حديثها لـ"النهار"، ترى أنّ "النموذج اللبناني، وبالرغم من كل الأزمات التي حلت بلبنان خلال الأربعة أعوام، لا يزال قطاع المطاعم وقطاع الضيافة صامداً، وهو من بين أكثر القطاعات ازدهاراً حالياً؛ فارتياد المطاعم يدخل في صلب طريقة عيش اللبناني".
وبسبب الأزمة، وبالتزامن مع فتح دول الخليج قطاعاتها السياحيّة، هجرت الخبرات اللبنانية إلى هذه الدول، لاسيما في قطاع الضيافة الذي يتميّز فيه اللبناني بدوره الرائد، إذ إنّ أكثر من 40 في المئة من الخبرات في هذا القطاع غابت عن لبنان، تورد كاماكيان.
وعن مستقبل قطاع المطاعم، "فهو يمضي قدماً"، وفق كاماكيان، وهو قادر على خلق فرص عمل، و"هذا ما يجب أن نحافظ عليه لترسيخ بقاء أولادنا في لبنان". كذلك، باستطاعته إعطاء المزيد، بدليل المطاعم التي تفتح بأعداد هائلة حالياً "كالفطر". "فاللبناني مقدام ومجازف ومجنون ويعشق هذا النمط من الحياة".
تصوير حسام شبارو
إلى ذلك، كان المدير الإداري في شركة "دانيكا" بيتر كلاسي من المتحدّثين حول قطاع الصناعات الغذائية. يقول لـ"النهار إنّه "في عمق الأزمة اللبنانية، استطاع قطاع الصناعات الغذائية النمو، وشهد نهضة بسبب زيادة الطلب في الداخل اللبناني نتيجة غياب القدرة على الاستيراد".
وأدّت هذه العوامل إلى تغيير نظرة اللبنانيين إلى المنتَج اللبناني لناحية جودته، فهو قادر على أن يضاهي البضاعة المستوردة. و"حالياً، يعمل القطاع الصناعي على تقريب المنتَج اللبناني من اللبنانيين، أكثر منه إلى الخارج. فدولياً، المنتَج اللبناني معروف أكثر مما هو في داخل لبنان، وهذا أمر محزن"، وفق كلاسي. نتحدّث هنا عن أسواق كبيرة كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبلدان المجاورة، وصولاً إلى أميركا وكندا.
وبحسب كلاسي، هناك سعي إلى تعزيز التصدير إلى أوروبا. فهناك ضرورة لتأمين التسهيلات المالية وزيادة الصادرات وتأمين بنية تحتية ملائمة للتصنيع، للتمكّن من الاستمرار وفتح أكبر الأسواق أمام المنتَج اللبناني.
أمّا في قطاع اقتصاد المعرفة، فتحدّث الخبير في التحوّل الرقمي رودي شوشاني. وفي مداخلة لـ"النهار"، يورد أنّ "حالياً الذكاء الاصطناعي يخلق اقتصادات هائلة، ولدينا القدرات الهائلة والمناسبة في لبنان للاستثمار في هذا القطاع، لكن ينقصنا التركيز على الجهود لإنشائه، ولبنان قادر على تسجيل أرباح بـ10 مليارات دولار من اقتصاد المعرفة بالرغم من الأزمة".
عالمياً، وفي الشرق الأوسط، يسجّل هذا القطاع مليارات الدولارات من الأرباح. فبرنامج "تشات جي بي تي" وحده سيزيد على اقتصاد العالم 1.5 تريليون دولار. ومن المهم، برأي شوشاني، إنشاء بيئة ملائمة في لبنان تبدأ من التأهيل العلمي في الجامعات وصولاً إلى التدريب على الخبرات في القطاع الخاص والعام لإنشاء نموذج عمل جديد وحديث يتماشى مع التحولات الرقمية العالمية، "فنموذج العمل التقليدي لم يعد وحده كافياً كالصناعة وحدها أو الزراعة وحدها للنهوض بالاقتصاد الحديث، فالشعب اللبناني شعب متجدَّد ومبتكر وعليه تغيير نظرته إلى طريقة العمل".