ما بين ارتفاع سعر الدولار وارتفاع كلفة المعيشة في لبنان، يأتي قرار وزارة المالية بفرض ضريبة على الرواتب بالدولار، كرصاصة قاضية على القطاع الخاص، وخنق للمواطن الذي وجد أخيراً، متنفَّساً في ظل انهيار الليرة. فقرار الوزير كقرارات الضرائب السابقة، لن يؤتي ثماره، لا بل سيزيد من الاقتصاد غير الشرعي والتهرّب الضريبي، ولن يُدخل هذه الحصّة إلى الخزينة ما هو مطلوب، إذ إنّ شركات كثيرة ستهجر لبنان أو تقفل أبوابها. وبذلك، تكون المالية قد قضت على القطاع الخاصّ وعلى موظفيه، و"قتلت الديب وأفنت الغنم".
وعن احتساب الضريبة، تراوحت الضرائب ما بين 2 إلى 25 في المئة، تبعاً لقيمة الرواتب، وستُحتسب الضريبة على الدخل على أساس سعر 15000 ليرة لبنانية للدولار، إن كانت الرواتب والأجور مدفوعة نقداً بالدولار، والتي تبدأ من 15/11/2022. أمّا الإيرادات الخاضعة للضريبة على الرواتب والأجور المدفوعة نقداً بالدولار، والتي تعود إلى الفترات التي تسبق تاريخ 15/11/2022 فجاءت على أساس سعر صرف 8000 ليرة، أي إنّ القرار سيُطبّق بمفعول رجعي.
"القرار هو بمثابة الرصاصة الأخيرة على القطاع الخاص، والعديد من الشركات لن تلتزم بتسديد هذه الضرائب"، هذا ما يؤكّده ريكاردو حصري رئيس "شبكة الشركات العائلية" ورئيس مجلس إدارة شركة "حصري القابضة".
إذن، الاستمرارية ستصبح صعبة، بين قطاع اقتصادي شرعي ملتزم بتسديد جميع مستحقاته للدولة، مع منافِسٍ غير شرعي في القطاع نفسه، "فحسابياً لا يمكن الاستمرار بالمنافسة لأن الشركات غير الملتزمة التي لا تسدّد هذه الضرائب، تجعل فارق 25 في المئة في هامش النفقات بينها وبين الشركات الملتزمة، "فهذا القرار هو تدمير ممنهَج لتدمير الاقتصاد، وهم يدفعون الشركات الخاصة لتصبح غير شرعية"، وفق حصري.
وفيما تحاول الشركات جهدها في هذه الأزمة تأمين معيشة كريمة لموظفيها، مع هذا القرار، لن يصبح هذا الأمر قابلاً للتنفيذ، فهذه الضرائب "هي مشروع إفلاس للشركات خصوصاً في ما يتعلق بتطبيقها بمفعول رجعي"، إذ ليس هناك أي شركة كانت تتحضّر لأن يتغيّر سعر الصرف إلى ما وصل إليه، خلال تأسيسها. وحالياً الشركات الخاصة في ضياع تام، وخوف جامح يؤدي إلى التفكير في البدائل، والبدائل الآن تتركّز على هجرة هذه الشركات، بينما يقوم أصحابها بالمستحيل للبقاء في لبنان.
نحن في وضع استثنائي...
"هذا القرار سيعزّز التهرّب الضريبي، فشركات عديدة لن تصرّح برواتبها الفعلية، وستزيد المضاربة مع الشركات غير الشرعية ويكبر الاقتصاد غير الشرعي"، هذا ما يصرّح به زياد بكداش، نائب رئيس جمعية الصناعيين لـ"النهار".
وصحيح أنّه لا تقوم دولة دون ضرائب ودولتنا اليوم من خلال هذا القرار، تريد إدخال إيرادات على خزينتها لكنّنا اليوم في وضع استثنائي. فما يثير الخوف هو أنّنا لسنا في حالة طوارئ اقتصادية لحلّ جميع المشكلات مرّة واحدة، إذ لا يمكن وضع الضرائب على الرواتب وترك كل المشكلات الأخرى دون حلّ فالرواتب تتعلّق بالمبيعات وبالضرائب على الدخل. فهذا القرار هو "ترقيع بترقيع" ولا يستفيد منه الموظف، ولا يريح صاحب العمل ولا يجعل الدولة تحصّل من خلاله الضرائب بالشكل المناسب.
وما هو أهمّ من ذلك، بنظر بكداش، أنّ هذا القرار يدفع أصحاب العمل الذين يسدّدون رواتبهم لموظّفيهم بالدولار، إلى توقّف عن هذه الخطوة والعودة إلى تسديدها بالليرة، بينما هناك شركات عديدة لا تزال تسدّد رواتب موظفيها بالليرة اللبنانية ويتبعون غلاء المعيشة الصادر عن الدولة، فيما ليس من الطبيعي أن يكون الحدّ الأدنى للرواتب 4 ملايين ونصف مليون ليرة، وهو أمر أُقرّ منذ نحو أربعة أشهر عندما كان الدولار بـ40000 ليرة. وهناك شركات تسدّد كامل رواتبها بالدولار، فيما هناك شركات تسدّد رواتبها بالليرة إلى جانب المساعدات الاجتماعية بالدولار.
وترى الهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص وجمعية الصناعيين، بعد قرار الضرائب هذا، أنّه يجب أن يبقى الدولار الذي يعطى للموظفين في إطار المساعدات الاجتماعية وليس الراتب وإلّا فسيتأثّر الضمان الاجتماعي.
ويرى القيّمون على القطاع الخاص ضرورة المحافظة على شركاتهم وموظفيهم في آنٍ واحد. فإذا ما توقّفت الشركات عن تسديد الرواتب بالدولار، فسيدفع ذلك موظفيها إمّا إلى ترك الوظائف، أو إلى الهجرة أو إلى إقفال الشركات، برأي بكداش.
ويؤكّد بكداش أنّ الشركات التي تحوّلت إلى دفع الرواتب بالدولار، ستعود إلى تسديدها بالليرة، ولا خيار أمام مَن سيبقى على الدولار، إلّا بتسديد هذه الضريبة، وما يُخاف منه هو أن يكبر هامشها وأن يعود احتسابها على منصّة "صيرفة" المتحرّكة.
وتنقسم ضريبة الدخل وفق شطور ضريبية تبعاً لقيمة الراتب السنوي وهي كالتالي:
الشطر الأول 2 في المئة على مَن راتبه إلى حد 18 مليون ليرة.
الشطر الثاني 4 في المئة على مَن راتبه من 18 إلى 45 مليون ليرة.
الشطر الثالث 7 في المئة على مَن راتبه من 45 إلى 90 مليون ليرة.
الشطر الرابع 11 في المئة على مَن راتبه من 90 إلى 180 مليون ليرة.
الشطر الخامس 15 في المئة على مَن راتبه من 180 إلى 360 مليون ليرة.
الشطر السادس 20 في المئة على مَن راتبه من 360 إلى 675 مليون ليرة.
الشطر السابع 25 في المئة على الرواتب التي تزيد عن 675 مليون ليرة.
توسيع الشطور الضريبية ضرورة!
من جانبه، يشير رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديث لـ"النهار" إلى أنّ "جُلّ ما يهمّنا كاتحاد أن يصرّح أصحاب العمل عن الرواتب بالدولار واحتساب الضريبة على دولار 15000 ليرة"، لكي يستفيد الموظف من تعويض 15 مرة إضافية بالليرة اللبنانية – كحلّ مؤقَّت – وأن يُصرَّح عنها كضريبة دخل تدخل في صلب الراتب. بينما أصحاب العمل يحاولون إعطاء مُسمّى آخر لما يدفعونه بالدولار، غير الراتب، لكي يتهرّبوا من التصريح عنها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومن ضريبة الدخل، وفق الأسمر.
ويرى الأسمر أنّ "قرار الوزارة هو باب للتهرّب الضريبي من قِبل أصحاب العمل والمؤسسات، إذ سيلجؤون للتواطؤ مع موظفيهم منعاً لاقتطاع جزء من الراتب بالدولار على شكل ضرائب، وذلك تحت وطأة الحاجة المُلحّة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. وصاحب العمل إن صرّح عن هذه الرواتب كما هي، فستعرّضه لتسديد ضرائب مرتفعة.
وحتى إن تحوّل صاحب العمل لتسديد الراتب بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار، فلا مفرّ من تسديد هذه الضريبة. وهنا طالب الأسمر وزير المالية بضرورة تغيير الشطور الضريبية التي أقرّتها موازنة 2022، عبر توسيع هوامشها لتكون عادلة، "ووعد الوزير خيراً"، بحسب الأسمر.
إضافة إلى ذلك، يطالب الأسمر برفع التنزيل العائلي، وهو المبلغ الذي يتقضاه الأجير ويكون معفىً من الضريبة. فلعائلة عامِلة مكوَّنة من 3 أفراد، يكون مجموع ما يتقاضونه 60 مليون ليرة، يجب أن تكون معفاة من الضريبة، فمجموع 60 مليون ليرة يغطّي حاجات العائلة الأساسية فقط.
وعندما كان الدولار 40000 ألف ليرة، كان التنزيل العائلي 5000 دولار سنوياً، أي ما يعادل حوالي 200 مليون ليرة، واليوم أصبح الدولار 80000 ألف ليرة، أي إنّ التنزيل العائلي يجب أن يرتفع إلى 400 مليون ليرة. فإذا ما احتسبنا هذا المبلغ بالدولار، يكون أقلّ من الحد الأدنى السابق للأجور الذي كان 475$.
أمّا عن رجعية مفعول قرار الوزير، فيعترض الاتحاد على هذا البند، إذ إنّ جميع المؤسسات التي أقفلت أو هاجرت في العام الماضي، سدّدت جميع ضرائبها ومستحقاتها وتعويضاتها على سعر 1500 ليرة. كذلك، هناك مراجعات لدى مجلس شورى الدولة لإبطال رجعية مفعول القرار، لكونه يتنافى مع الواقع القانوني الذي ينصّ على عدم رجعية القوانين.