في انتظار الاستشارات النيابية لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة العتيدة، وترقّب موقف السلطة التشريعية من "خطة التعافي الاقتصادي" التي أعدّتها حكومة تصريف الأعمال، لا يفوّت القيّمون على القطاع المصرفي اللبناني فرصة إلا وينتهِزونَها للنهوض بالبلاد واقتصاده وقطاعاته كافة لا سيما المصرفي، لاقتناعهم بأن البلاد في ظل الانهيار الحاصل، لا تحتمل "ترف الوقت" وإضاعة الفرص.
من هنا جاء مشروع قانون "لتشجيع ضخ ّسيولة جديدة في المصارف" أعدّته جمعية مصارف لبنان لرفعه إلى مقام مجلس النواب للنظر فيه، ويقضي بضرورة استعادة حركة التسليف انطلاقاً من معادلة أن النهوض يبدأ بالنمو الاقتصادي الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتعزيز التسليف للقطاع الخاص تحديداً كونه المحرّك الرئيس للعجلة الاقتصادية، والتسليف ينطلق عبر ضَخّ المال في المصارف، ومن ثم تنظيم آلية التسليف على أساس "التسديد بعملة القَرض".. فالمصارف اللبنانية تمنح تسليفات من الودائع التي تتلقاها، وإذا كانت الودائع بالدولار الأميركي، فعلى المصرف أن يكون متأكداً ومطمئناً إلى أن التسليفات التي يمنحها بالدولار الأميركي سيُعيدها إليه المقترِض بعملة القرض أو بالليرة اللبنانية بسعر صرف السوق الحرّة...
والأسباب الموجِبة للمشروع الذي حصلت عليه "المركزية"، تتلخص بالآتي:
- إن أزمة السيولة وتوقف الدولة اللبنانية عن تسديد ديونها في سندات الـ"يوروبوند" عام 2020 قد حملت مصرف لبنان إلى إصدار عدد من التعاميم الموقتة لمواجهة الأزمة، تتضمّن أسعاراً متعددة لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
- التدابير الموقتة التي اتخذها مصرف لبنان للحفاظ على الاستقرار النقدي وعلى القطاع المصرفي، انعكست أحكاماً قضائية اعتمدت أسعاراً لسعر صرف الليرة اللبنانية لإبراء ذمة المدينين، مغايرة لسعر صرف الليرة مقابل الدولا الأميركي في السوق الحرة.
- الأزمة الحالية أدّت إلى تقلبات حادة وسريعة في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي مما أوقف الدورة الاقتصادية نتيجة وقف التسليف، لأن الأخير يرتكز على ثقة الجهة المُسلّفة، مصرفاً كان أم تاجراً، بأنه سيستوفي ما اقترضه وفقاً لقيمته الفعلية.
- بما أن لبنان يتّبع النظام الاقتصادي الحرّ وحرية تحويل رؤوس الأموال، ونظامه القانوني يعكس هذه الحرية خصوصاً في ما يتعلق بسعر صرف الليرة اللبنانية بحسب سعر صرف السوق، وبما أن التدابير النقدية الموقتة والأحكام القضائية المتفرقة قد خلقت جواً من عدم الاستقرار جعل القطاع المصرفي يتردّد في مَنح تسليفات جديدة بالدولار الأميركي، فالمصارف اللبنانية تمنح تسليفات من الودائع التي تتلقاها، بحيث أنه إذا كانت الودائع بالدولار الأميركي، فعلى المصرف أن يكون متأكداً ومطمئناً إلى أن التسليفات التي يمنحها بالدولار الأميركي سيُعيدها إليه المقترض بعملة القرض أو بالليرة اللبنانية بسعر صرف السوق الحرة. كما أن الدورة الاقتصادية لا يمكن تنشيطها في ظل مطالبة التجار بقبض ثمن بضائعهم نقدا لتخوفهم من انخفاض سعر الصرف خلال الفترة الفاصلة بين تاريخ تسليمهم البضائع وتاريخ استيفائهم لثمنها، وإلزامهم بقبض دَينهم بالليرة اللبنانية بسعر صرف مختلف عن سعر صرفها في السوق الحرّة.
وبما أنه، إذا كان يمكن للمتعاملين أن يتّفقوا في العقود التي يوقّعونها، على كيفية احتساب سعر صرف الليرة اللبنانية تسديداً لديون محرَّرة بالعملة الأجنبية، فإنهم باتوا حذِرين من أن تُعيد المحاكم النظر في صحّة هذه البنود، حيث أصبح من الضروري إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، وتأمين استقرار تشريعي لهم في هذا المجال.
من هنا، اقترح مُعِدّ مشروع القانون على مجلس النواب "إصدار التشريع التالي والذي يجعل من البنود التعاقدية المدرجة في عقود القرض بالعملة الأجنبية والتي تشترط تسديد قيمة القرض بعملته، بنوداً ملزمة للطرفين من أجل إزالة عائق عام يحول دون عودة الدورة الاقتصادية:
- تُعتبر صحيحة وملزمة للطرفين، البنود التعاقدية المدرجة في العقود المنشئة لديون محرّرة بالعملة الأجنبية التي تشترط تسديد هذه الديون بعملتها أو بما يوازيها بالليرة اللبنانية وفقاً للسعر المعتمد بتاريخ التسديد الفعلي على المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة المنشأة لدى مصرف لبنان المسماةSAYRAFA بموجب القرار الأساسي رقم 13324 تاريخ 10-5-2021....".