في الوقت الذي أعلنت السفارة الإيرانية في بيروت أنّ "السفن المحمّلة بالفيول الإيراني ستكون جاهزة خلال أسبوع أو أسبوعين للإبحار إلى لبنان والرسوّ في الميناء الذي يحدّده الجانب اللبناني"، وفي الوقت الذي تحفّظت فيه مصادر وزارة الطاقة على الدخول في تفاصيل الاتفاق مع إيران، أفادت مصادر الوفد اللبناني الذي عاد من إيران لـ"النهار" بأنّ الجهات الإيرانية أبلغته الموافقة على منح لبنان هبة مقدارها 120 ألف طنّ شهريّاً، على مدى 6 أشهر.
تفتح هذه الخطوة النقاش حول قانونية ما قام به لبنان دولياً، وإمكان تعرّضه للعقوبات، نظراً إلى وجود عقوبات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشركائها التجاريين، سواء أكان التبادل نفطياً أم سوى ذلك...
الخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة، وعضو اللجنة الاستشارية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز، ديانا قيسي، في حديثها مع "النهار"، تشرح أنّه "قبل الحديث عن جدوى الكمية، لا بدّ من معرفة طبيعة هذا الفيول لمعرفة إن كان بحاجة للتكرير أم لا"؛ فإن كان بحاجة إلى التكرير، فكمية الـ120 ألف طن شهرياً ستتقلّص بطبيعة الحال.
وتلفت قيسي إلى نوعية الفيول، وهي نقطة ذات أهمية في هذا الملف، فالفيول الإيراني مشابه في نوعيته للفيول العراقي heavy sulfur fuel oil، أي إنّه قد يحتاج إلى تكرير، لأنّه لن يصلح للاستخدام في معامل الكهرباء اللبنانية بشكله الخام.
من هنا تسأل قيسي: "إن كان هذا الواقع، فمَن هي الجهة التي ستكرّر الفيول؟ وماذا يترتّب على الجانب اللبناني من إجراءات إن كان عليه تكرير هذه المادة؟ إذا احتاج الفيول التكرير، ووصلنا إلى الكمّية نفسها للفيول العراقي بعد التكرير، أي نحو 80 إلى 85 ألف طن شهرياً، فإن هذه الكمية تكفي لتغذية ما يقرب من 3 إلى 4 ساعات يومياً". وتكفي هذه الكمية لتغذية الكهرباء لمدة 3 أسابيع إلى شهر. إذن كمية 600 ألف طن من الفيول قد تغطّي من 5 إلى 6 أشهر.
ما وضع لبنان القانوني عند تسلّمه هبة الفيول الإيرانيّ؟
بموجب الأمر التنفيذي رقم 13846 الصادر عن الإدارة الأميركية بتاريخ 6 آب 2018، يُمنع أيّ تعامل بالنفط الإيراني، إن كان شراءً أو نقلاً أو تحميلاً أو تفريغاً أو توزيعاً، أو حتى استفادةً بموجب بيع أو حيازة، إضافة إلى العقوبات الصادرة في الخامس من تشرين الثاني عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC)، التي تشمل قطاع النفط الإيراني على نحو أوسع وأكثر شمولية، وذلك كأداة لتحقيق أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية، وهي من أشدّ العقوبات التي صدرت بحقّ إيران. هذا ما يورده المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس منظمة "جوستيسيا" الحقوقية، في حديثه لـ"النهار".
إذن، هل المستفيدون من النفط الإيراني يتعرّضون للعقوبات؟
للإجابة عن هذا السؤال، يعود مرقص إلى الفقرة الثالثة من الأمر التنفيذي رقم 13846، التي تنصّ على عدم إمكانية الشراء أو الحيازة أو التوزيع أو أيّ تعاطٍ حتى بموضوع البترول. وتعتبر الفقرة أنّه إذا حدث هذا الأمر "knowingly"، وفق ما جاء في الأمر التنفيذيّ المذكور، في ظلّ معرفة المستفيد أنّ النفط مصدره إيراني وقبوله بالتعامل معه، إن كان بالشراء أو بالحيازة أو بالتوزيع والاستفادة، "تُفرض عليه العقوبات".
وهذه العقوبات يمكن أن تُفرض مِن كلّ من وزير الخارجية الأميركي، بالتشاور مع وزير الخزانة ووزير التجارة، بالإضافة إلى وزير الأمن الداخلي وغيرهم من المسؤولين في الإدارة الأميركية المختصّين، بحسب الحالة.
والأهمّ - وفق مرقص - أنّ المعيار الذي يحدّد ما إذا كان تعاطي المستفيد مع النفط الإيراني قد تمّ عن علم أو من دون علم، هو معيار متشدّد قائم على "strict liability"، أي يعتبر أنّ هناك قرينة "العلم المفترضة" "Reasons to know". وبالتالي، وإن لم يكن المستفيد يعلم، فقد تكون هناك قرينة على أنّه يُفترض أن يكون عالماً.
ويؤكّد مرقص أنّ "التعامل مع النفط الإيراني، من دون الحصول على إعفاء خاصّ من وزارة الخزانة الأميركية قد يضع البلاد تحت خطر العقوبات الأميركية، مع أنني شخصياً، أعتقد أنّه لن تُفرض هذه العقوبات بالضرورة وحتماً نتيجة هذه التعاملات، لأنّها تعود إلى تقدير الإدارة الأميركية، التي أيضاً كانت تستطيع أن تعطي استثناءً وما يُسمّى الـ"waiver"، إذا تقدّمت السلطات اللبنانية بهذا الطلب، استناداً إلى حاجات لبنان الحيوية". لذلك، إمكانية فرض عقوبات على هذا النحو، "قائمة"، وإن لم تكن حتميّة بسبب السلطة التقديرية العائدة إلى الإدارة الأميركية في هذا المجال.
الاستثناءات واردة
لكن الولايات المتحدّة الأميركية سبق لها أن قدّمت إعفاءات لدول عديدة في ما خصّ العقوبات على استيراد النفط الإيراني. وبحسب شرح مرقص، فقد حظيت دول كالصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليابان وتايوان واليونان، بإعفاءات استثنائيّة من العقوبات، ولو لفترة محدودة وقصيرة نسبةً إلى الحاجة إليها، لأنّه وفق ما صرّح وزير الخارجية الأميركي، فإنّ الإعفاء جاء بالنظر إلى الظروف الخاصّة لهذه البلدان التي تعتمد بنسبة كبيرة على النفط الإيراني، ولضمان العرض الكافي في سوق النفط.
وبالرغم من أن صفقة النفط المحتمَلة توصف بأنّها "مجانية"، وأنّها لن تعود بأرباح على إيران، فإن الأمر التنفيذي واضح لجهة: "أولًا قوله حيازة لا بيعاً فقط أو توزيعاً، وثانياً لعدم استثناء الهبات، وإلّا لذُكرت في نصّ صريح، بحسب مرقص، مع الإشارة إلى أنّه قبل الأمر التنفيذي للعام 2018، كان هناك الأمر التنفيذي الصادر عن إدارة الرئيس أوباما في العام 2012، ولم يكن يذكر الحيازة، بل البيع أو التعامل أو التسهيل فقط.
ويُبدي مرقص رأياً شخصيّاً بتمنّيه "على المعنيّين السعي إلى إتمام الصفقة مع الإيرانيين مع الاستحصال على إجازة من الإدارة الأميركية waiver أسوة بالدول التي ذكرناها، نظراً إلى الحاجة الوطنية الماسّة".
وعن موعد وصول الشحنة الأولى من الفيول، أوضحت مصادر "النهار" بأنّ الجهات الإيرانية جاهزة للتسليم فور موافقة الجانب اللبنانيّ، مؤكّدة أنّ هذه الأمور جميعها بانتظار موافقة وزير الطاقة اللبناني على الهبة ومدى موافقتها للقوانين اللبنانية.
وكشف السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، عن أنّ "هناك أخباراً سارة ستعلَن قريباً حول ما تمّ التوافق عليه بشأن الفيول الإيراني والتعاون في مجال الكهرباء بين وفد وزارة الطاقة اللبنانية والمسؤولين المعنيين في إيران".