النهار

بين قانون إعادة هيكلة للمصارف موجود وآخر موعود... استعمال أموال المودعين مستمر واسترداد المهرّبة مرفوض
المصدر: "النهار"
بين قانون إعادة هيكلة للمصارف موجود وآخر موعود... استعمال أموال المودعين مستمر واسترداد المهرّبة مرفوض
زحمة أمام المصارف (حسام شبارو).
A+   A-
رولى راشد

من ضمن رزمة الشروط التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والإجراءات التي تعتبر أساسية، ثمّة موضوع إعادة هيكلة القطاع المصرفي المركزي والتجاري في سياق سدّ الفجوة المالية، التي يُقال إنها قاربت الـ72 مليار دولار أميركي، والتي تكوَّنت أساساً لدى مصرف لبنان على امتداد ربع القرن الأخير.

لا شكّ في أنه في ظلّ ذوبان رساميل المصارف لتغطية محافظ الإقراض ستكون إعادة الهيكلة المطروحة بالضرورة اقتطاعاً كبيراً من ودائع الناس، علماً بأن قانون "الكابيتال كونترول" المطروح قيد النقاش يمنَح المصارف حصانة واضحة.

بالرغم من غموض مشروع القانون، الذي قبع في السرايا الحكومية بانتظار الوقت وما يكتنفه من غموض، يدور الكلام في الأوساط المصرفية حول تصنيف المصارف إلى فئتين: البنوك الجيدة والبنوك السيئة (Good/Bad Banks).

الجدير ذكره هنا أن القانون 2/67 يمثّل نصّاً متكاملاً، يتطابق مع المعايير الدوليّة لأفضل الممارسات، في سياق إعادة الهيكلة، ويضمن حقوق المودعين. لقد أرسى المشرّع اللبناني بموجب القانون 2/67 مبدأ التعويم، ويعني استحداث الآليات القانونية القادرة على إنقاذ الشركة المصرفية من ضائقة مالية، أو بمعنى آخر، تصحيح الأوضاع المالية للمصرف الذي يعاني حالة من الشّح النقديّ يعجز معها عن دفع التزاماته التشغيليّة.

ولكن كيف يمكن التحدّث اليوم عن إعادة هيكلة للمصارف بعيداً من قانون استرداد الأموال التي هُربّت إلى الخارج، والتي تقدّر بما بين 7 إلى 10 مليارات دولار، ومن المفترض أن تعود الى النظام المصرفي؟
وفق بعض الخبراء الاقتصاديين، لا يجب الرضوخ إلى مبدأ حماية المصارف من جهة، ومن جهة أخرى عدم محاسبتها على الاستنسابية في التحويلات التي حصلت. عودة تلك الأموال هي من شروط نجاح إعادة الهيكلة المصرفية التي تحتاج إلى قانون.
لماذا الحديث عن قانون إعادة هيكلة جديد؟ ما هو مسار مشروع القانون؟ ما هو مصير أموال المودعين، وما مدى ارتباطه بقانون "الكابيتال كونترول" الذي هو قيد المناقشة في اللجان النيابية؟

سرّوع
 
 الخبير المصرفي والمالي الدكتور جو سرّوع يقول لـ"النهار" "إن إعادة هيكلة المصارف تتعدّى بأشواط إعادة الرسملة أو إعادة الهيكلة المالية. نعم لقد أُنجز مشروع القانون من قبل البنك المركزي وأصبح بعهدة رئيس الحكومة.

في وقت سابق، طالب صندوق النقد الدولي بفتح دفاتر 14 مصرفاً تشكّل نسبة 80 أو 85% من حجم القطاع المصرفي لتقييم أصولها. المقاربة الراهنة بين التعثّر والإفلاس مبنية على الجديّة في استعادة الثقة بالمصارف."

يضيف سرّوع "من المعروف أن القطاع الخاص هو الرائد في بناء الثقة. وهذه الثقة فُقدت بعدما فُقدت بالقطاع العام. وإمكانية إعادة الثقة بالقطاع العام تكاد تكون مستحيلة مع وجود السلطة السياسية الحاكمة التي أوصل أركانها البلد إلى ما هو عليه من انهيار. لقد تمّ التحدّث عن عدة شروط مسبقة، طالب بها صندوق النقد، قبل تقديمه أي مساعدة إلى لبنان تضعه على مسار التعافي. هذا غير دقيق، لأنّ المسؤولين في الصندوق يدركون واقع الطبقة السياسية في لبنان وقد تمّ وصفها بشكل عنيف من قبل البنك الدولي. ويقول التقرير الصادر عنه، الذي يحمل عنوان "الإنكار الكبير" إن "الكساد المتعّمد في لبنان هو من تدبير النخبة في البلاد، التي طالما سيطرت على لبنان".

ويتابع: "لقد رأينا تحرّك الصندوق في سريلانكا كيف كان للنجدة، بعدما نفّذ الشعب احتجاجات أسقطت الحكومة. لقد عقد اتفاقاً على خطة إنقاذ بقيمة 2.9 مليار دولار تمتدّ إلى 4 أعوام، وذلك لمساعدة هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية عميقة."

واعتبر سروع "أن الأولوية اليوم تكمن في وصول رئيس جمهورية يعكس الثقة الكاملة بشخصه في الداخل اللبناني ولدى المجتمع الدولي المراقب؛ رئيس قادر على الإنتاج، يتمتّع بإدارة حكيمة وشفّافة. وهنا لا بدّ من طرح موضوع البراغماتية الاستراتيجيّة. المطلوب شخص غير مستفزّ بشخصيّته التي من المفترض أن تساعد على تحقيق التعافي، والاستقلاليّة في القرارات المصيرية الوطنية والاقتصادية."

ويؤكد "أن مَن ساعد على تمرير مشروع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل سيسهّل عملية انتخاب رئيس للجمهورية كفوء، ينجح في ورشة النهوض بلبنان وتعافي اقتصاده؛ وبالتالي، بمساعدة المصارف على استرداد الثقة بأدائها لدى العملاء، لا سيّما بعد القطيعة الموجودة اليوم والتي بلغت ذروتها بين الطرفين".

ويرى سرّوع أنه "عندما نتحدّث عن إعادة الهيكلة للمصارف إنما يجب التحدّث أيضاً عن إعادة الهيكلة للقوى العاملة فيها وإعادة النظر بقانون النقد والتسليف. صحيح المصارف لم تعد تملك رأسمالاً ولكن مع ضخّ 3 مليارات دولار ستتمكّن من التعافي. والسؤال لماذا لم يتم ذكر المودعين حاملي سندات اليوروبوند في هذه العملية؟ ما هو مصيرهم بعد تخلّف الدولة عن الدفع؟ لا ننسى أن ثمة استحقاقاً آخر في كانون الثاني 2023. فكيف سيتم التعامل مع هذه القضية؟".

وطمأن سروع إلى "أن كل قرش سيأتي من الخارج بعد اليوم لن يتجرأ أحد على المساس به. قانون إعادة الهيكلة يتعدّى كثيراً المطروح لا سيّما أنه مع قانون "الكابيتال كونترول" تمّ تحصين المصارف من أي مسؤوليّة قضائيّة وجزائيّة في الداخل وفي الخارج، وتم تطيير الودائع."

ضاهر
 
بالنسبة إلى المحامي الدكتور باسكال ضاهر: "إن الدولة من أعلى الهرم إلى أدناه تعمل اليوم على هيكلة القطاع المصرفي من جيوب المودعين. أمّا إذا أرادوا قانوناً يُعنى بالهيكلة، فثمة قانون صادر في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وما زال ساري المفعول، يحمل الرقم 192/1993 ويتعلّق بتسهيل اندماج المصارف، وممدّد له بالقانون الرقم ٦٧٥/٢٠٠٥. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن هيكلة القطاع هي شأن داخليّ خاصّ بالمصارف، ولا علاقة للدولة به، إذ على المصارف الاتفاق في ما بينها لتحقيق الاندماج. لكن – للأسف - ومنذ 3 سنوات، تطبّق الهيكلة بشكل مخالف للقانون من جيوب المودعين، وهذا جرم قانوني."

ويقول لـ"النهار": "عندما حصّلنا مع الزميل شربل شبير حقّ المودع بقرار مجلس شورى الدولة القاضي بوقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان الرقم 151، ومنعنا التسديد البدلي و"الهيركات"، وفرضنا التسديد بعملة الوديعة، تمّ التعاضد بين أهل السياسة و"المركزي" والمصارف لمنع تنفيذ قرار الشورى."

وعن ارتباط إعادة الهيكلة بقانون الكابيتال كونترول، يرى ضاهر أن "الدول التي تحترم القانون تفرض "الكابيتال كونترول" في بداية نشوء الأزمة لديها. وهذا القانون يتضمّن فقط قيداً على السحوبات، وقيداً على التحاويل، على أن تكون بعملة الوديعة، ولا يتعدّى ذلك إلى تشريع مخالفات غير دستورية. كذلك لا يُمكن أن يكون هناك "كابيتال كونترول" بعد 3 سنوات من الأزمة، فُرضت خلالها القيود على التحويلات والسحوبات بشكل استنسابيّ من دون أن يأتي النص ويوجب ردّ المال الذي جرى تهريبه".

ويضيف :"مع التأكيد هنا على أنه لا يجوز إدخال نص في الكابيتال كونترول يمنع رفع الدعاوى على المصارف كما هو الاتجاه اليوم. وهنا نذّكر بأنه في بداية الأزمة المفتعلة، وقف لوبي المصارف ضد إقرار قانون "الكابيتال كونترول" في حينه؛ وذلك بعدما جرى تهريب الأموال للفئة الحاكمة والمتحكّمة والمتّصلة بهذا اللوبي، مع منعه التعسّفي لعامة الشّعب من حقه، ممّا رتّب جُرماً وخرقاً فاضحاً وواضحاً لمبدأ المساواة في الدستور اللبناني، كما ولجرم التداول من الداخل"Délit d’initié" ؛ الأمر الذي يؤكد راهناً أنه بعد مرور ثلاث سنوات على استفحال الأزمة المفتعلة، وبعد التراخي في اعتماد الحلول الصحيحة، فإن أي "كابيتال كونترول" سيصدر عن مجلس النواب سيكون مُفعماً بعدم الدستورية، في حال شرّع في موادّه مخالفات التعاميم، ولم يتضمّن إلزاماً واضحاً وصريحاً بإعادة ما جرى تهريبه".

وأكد على "أن ما يتم ارتكابه اليوم هو جرم الخيانة العظمى بضرب الثقة الائتمانية بالبلد وبالقطاع المصرفي. فلبنان كان معروفاً بقطاعه المصرفي، والتأخّر في معالجة الأزمة جرم يتقاسم مسؤوليّته مَن تسبّب بها، ومن أدّى إلى تفاقمها، ومَن لم يقم بالعلاج الصحيح في الوقت المناسب. من جهة أخرى، إن التضخّم الحاصل اليوم يبدو مقصوداً، وقد أكّدت ذلك خطة الحكومة التي أقرّت بأن الدين الداخلي قد تراجع بفعل هذا التضخّم. فتعدّد أسعار الصّرف له هدف. وهنا يلفت ضاهر إلى أن عدو الدول يكون بالعادة التضّخم والسوق السوداء، بعكس ما يحصل في لبنان المتّجه إلى تعدّد أسعار الصرف وعدم توحيدها بغية تعزيز التضخّم المقصود، والهادف إلى إطفاء الخسائر من جيوب الشعب عموماً، والمودعين خصوصاً. وباعتقادي، إن رزمة القوانين المطروحة اليوم هي مجرّد أوهام وبيع كلام."

بالرغم من سخونة الاستحقاقات المفروضة اليوم، لا يجب الاستهانة بموضوع إعادة الهيكلة، لا سيّما أن المُضيّ بأيّ خطّة تعافٍ سليمة، بما فيها إنعاش النشاط الاقتصادي بحاجة إلى التمويل المصرفي. وهذا يتطلّب إعادة رسملة للمصارف، واجتذابها الودائع، خصوصاً الـFresh. وبالتأكيد، لن يكون كلّ ذلك ممكناً بغياب الثقة والإصلاحات. أضف إلى ذلك، فإن عملية تمرير الإطار التشريعي لعمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي معقّدة، ومن المستبعد المضيّ بجديّة بأيّ قرار لاستعادة الأموال المهرّبة الذي له الأولوية في أيّ خطّة تعافٍ سليمة في ظلّ الغطاء السياسي وبغياب الحوافز اللازمة.

اقرأ في النهار Premium