النهار

ما مخاطر التشغيل التي تواجهها المصارف اللبنانية؟
المصدر: "النهار"
ما مخاطر التشغيل التي تواجهها المصارف اللبنانية؟
من تظاهرة سابقة للمودعين (مارك فيّاض).
A+   A-
*أحمد محمد قاسم
 
*متخصّص في القروض المصرفية والديون المتعثّرة
 
إن التقدم التكنولوجي والعولمة وظهور أدوات مالية جديدة كان لها بالغ الأثر في زيادة تعرّض المصارف للمخاطر التشغيلية ولسرعة انتقالها، مما تطلّب العمل بجهد من المصارف لإيجاد أحدث التقنيات من أجل التقليل منها.
 
ومع الوضع الاقتصادي الذي نمرً به خصوصاً لناحية احتجاز أموال المودعين وتدنّي رواتب العاملين في القطاع المصرفي حيث لم يعودوا كما في السابق القطاع الأعلى من ناحية الأجور، كل هذه العوامل تدعونا الى طرح عدة أسئلة منها:
 
ما العمليات التي تشتمل على مخاطر التشغيل؟
مخاطر التشغيل تشتمل على العمليات المتولدة من العمليات اليومية للمصارف ومن المخاطر التي تسبّبها الأخطاء البشرية أو المهنية أو التقنية أو الأنظمة المستخدمة أو القصور في أيّ منها، وهي تنجم كذلك عن الحوادث الداخلية في المصرف كما تشمل المخاطر القانونية حيث اعتبرتها اتفاقية بازل للرقابة المصرفية جزءاً من مخاطر التشغيل.
 
وقد عرّفتها لجنة بازل للرقابة المصرفية بأنها الخسائر التي قد تنشأ من التأمين غير الكافي للنظم أو عدم ملاءمة تقييم النظم أو إنجاز العمل أو أعمال الصيانة وكذلك نتيجة إساءة الاستخدام من قبل العملاء، كما عرّفها البعض بأنها مخاطر تحمّل الخسائر الناجمة عن عدم نجاح العمليات الداخلية أو الأشخاص أو عدم كفاءة الأنظمة أو حوادث خارجية.
 
لذلك فإن الإدارة السليمة لمخاطر التشغيل لا بدّ من أن تنبع من سياسة سليمة تُقسّم فيها أنشطة المصرف الى خطوط أعمال وتُرصد الخسائر الناتجة عن كل نشاط أو خط أعمال حتى يمكن خفضها الى أكبر درجة.
 
متى ظهرت مخاطر التشغيل؟
ظهرت مخاطر التشغيل لأول مرة في تسعينيات من القرن الماضي نتيجة للعديد من حالات فشل المخاطر التشغيلية التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، على سبيل المثال ما حصل عند انهيار بنك بارينجز أو فضيحة لايبور التي أسفرت عن خسائر في المخاطر التشغيلية بمليارات الدولارات حتى نهاية 2015، فهذه الأحداث المتعلقة بالمخاطر التشغيلية سلطت الضوء على الخطر المستمرّ الذي يشكله هذا النوع من المخاطر.
 
ما أهمّية مخاطر التشغيل؟
أصبحت المخاطر التشغيلية تخصّصاً مستقلاً في الأعوام العشرين الماضية، بينما كانت البنوك على دراية بالمخاطر المرتبطة بالعمليات أو أنشطة الموظفين لفترة طويلة، قامت لجنة بازل للرقابة المصرفية (BCBS)، في سلسلة من الأوراق المنشورة بين عامي 1999 و2001، برفع المخاطر التشغيلية إلى فئة المخاطر المتميّزة التي يمكن السيطرة عليها في العقد الأول من بناء قدرات إدارة المخاطر التشغيلية، وبينما كانت هذه الأحداث تشق طريقها عبر النظام المصرفي، فقد سلطت الضوء على نقاط الضعف في ممارسات المخاطر السابقة. استجابت المؤسسات من خلال القيام باستثمارات كبيرة في قدرات المخاطر التشغيلية. لذلك طوّروا تصنيفات المخاطر ووضعوا عمليات جديدة لتحديد المخاطر وتقييمها ووضعوا ضوابط واسعة وعمليات اختبار التحكم إلا أن الخسائر من المخاطر التشغيلية بقيت مرتفعة.
 
كيف تنشأ مخاطر التشغيل؟
تنشأ مخاطر التشغيل عند ممارسة المصرف لأنشطته المختلفة التي تنتج عنها أنواع مختلفة من الأخطاء، منها البشرية التي تكون بسبب عدم الكفاءة والتدريب على أساليب العمل، ومنها الفنّية التي تحدث نتيجة أعطال في أجهزة الحاسوب أو الاتصالات المختلفة، ومنها الأخطار المتعلقة بالعمليات التي تحدث في المواصفات وعدم الدقة عند تنفيذ العمليات.
 
وفي ما يلي نذكر بعض صور مخاطر التشغيل:
أولاً، الاحتيال المالي والاختلاس والجرائم الناجمة عن فساد ذمم الموظفين، حيث إنه بناءً على دراسة اعتمدت لخمس سنوات في عدد من المصارف العالمية تبيّن أن 60% من حالات الاختلاس قام بها موظفون في المصرف منها 20% قام بها مديرون، وأن ما نسبته 85% من خسائر المصارف كانت بسبب عدم أمانة الموظفين، وهذه الاختلاسات التي تعرّضت لها المصارف عبر الشيكات السياحية من الفروع وأجهزة الصراف الآلي، مع العلم بأن استعادتها عملية بالغة التعقيد والصعوبة.
 
ثانياً، مخاطر ناجمة عن أخطاء بشرية للموظفين، وقد تكون هذه الأخطاء غير مقصودة ونتيجة للإهمال أو عدم الخبرة، وتندرج تحتها الأخطاء المهنية وعدم الدقة في تنفيذ الأعمال.
 
ثالثاً، مخاطر التزوير، وتشمل تزوير الشيكات والمستندات والوثائق المختلفة وهي تشكل 10-18% من أسباب خسائر المصارف، ويؤدّي تزايد استخدام التقنيات في العمليات المصرفية دوراً كبيراً في تطوير البيئة الإجرامية لأساليبها، الأمر الذي يشكل صعوبة في اكتشافها من خلال الوسائل العادية.
 
رابعاً، تزييف العملات، قدّرت إحدى الجهات الأميركية المسؤولة أن كمّية العملات النقدية المزوّرة من فئة الدولار والمتداولة خارج الولايات المتحدة والتي لا يمكن كشفها، بحدود البليون دولار أميركي، وهذا يبيّن حجم المشكلة ويعود أساساً الى تطوّر الوسائل التكنولوجية في معظم الدول الأمر الذي ساعد على ازدياد جرائم تزييف العملات.
 
خامساً، المخاطر الناجمة عن الجرائم الإلكترونية، وخاصة بعد التوسّع في استخدام التقنيات المختلفة في المعاملات المصرفية وتشمل بطاقات الائتمان ونقاط البيع بالبطاقات واستخدام الانترنت والهاتف الجوّال وعمليات التجزئة كسداد الفواتير المختلفة وتبادل المعلومات إلكترونياً.
 
سادساً، السرقة والسطو، إن ازدياد استخدام معايير السلامة الأمنية لدى المصارف أدّى الى خفض جرائم السرقة والسطو التي تتزايد وتيرتها بازدياد حالات جرائم تعاطي المخدّرات والمتاجرة فيها والتي تنتشر في العديد من دول العالم.
 
سابعاً، المخاطر القانونية، وتحدث من جرّاء نقص أو قصور في مستندات المصرف، مما يجعلها غير مقبولة قانوناً، وقد يحدث هذا القصور سهواً عند قبول مستندات الضمانات من العملاء التي يتضح لاحقاً أنها غير مقبولة لدى المحاكم، كما ترتبط بعدم وضوح العقود المالية موضوع التنفيذ، أي إنها ترتبط بالنظام الأساسي والتشريعي والأوامر الرقابية التي تحكم العقود والالتزامات، كالمخاطر الناجمة عن عدم فعالية النظام القضائي في بلد معيّن أو المخاطر الناجمة عن التأخّر في اتخاذ الإجراءات القانونية في مواعيدها الملزمة والمخاطر الناجمة عن مخالفة القوانين والاتفاقيات الملزمة لناحية مكافحة تبييض الأموال أو مكافحة الإرهاب.
ثامناً، المخاطر السيبرانية، أو مخاطر الإنترنت، فهي تشير الى مخاطر الخسارة المالية أو تعطل الأعمال أو الإضرار بسمعة المنظمة من حدث يؤثر على الأصول المعلوماتية أو الحاسوب موارد الاتصالات، ومن المخاطر السيبرانية الأكثر شيوعاً التي تتعرّض لها المصارف: اختراق البيانات، التجسّس السيبراني، سوء الاستخدام من الداخل، هجمات تطبيقات الويب، اختراق بطاقات الدفع، الابتزاز الإلكتروني.
 
تاسعاً، مخاطر السمعة، فهي تنشأ عن السمعة التي يتمتّع بها المصرف لناحية التزام موظفيه بالقوانين وعدم تلقيهم الرشى مما يعزز صورة المصرف ويمنح المقترضين والمودعين الثقة للتعامل مع هذا المصرف. فالتشغيل السليم للمصرف له تأثير كبير لأن طبيعة العمل الذي تقوم به المصارف يعتمد على السمعة الحسنة لدى المودعين والمقترضين. تتركز السمعة المصرفية على صعيد دولي على مدى تطبيق المصارف للمعايير والقرارات الدولية خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والالتزام الضريبي ولبنان ملتزم بها والمصارف ساعدت على الحدّ من مخاطر السمعة.
 
وأخيراً، بعد عرضنا لمخاطر التشغيل ولصورها، لا بدّ لنا من تصوّر حجم الخطر الذي يدهم مصارفنا من ناحية التشغيل، فضلاً عن مخاطر عدم التسديد والمخاطر الأخرى، لذلك لا بدّ من إقرار قانون لحماية المودعين من ناحية، ومن ناحية ثانية لا بدّ من تحسين ظروف عمل موظفي المصارف ورواتبهم من أجل خفض مخاطر التشغيل، فالراتب لا بدّ من أن يكفي الأجير لناحية السكن والصحة والتعليم، أما بقاء رواتب هؤلاء الموظفين على ما هي عليه فسيطرح علامات استفهام قوية حول المقدار الذي يستطيع تحمّله هؤلاء للحفاظ على المصارف العاملين فيها...؟
 

*متخصّص في القروض المصرفية والديون المتعثّرة

 

اقرأ في النهار Premium