حذّر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان إرنستو ريغو من أنّ "لبنان في وضع خطير للغاية"، معتبراً أنّ "تقدُّم الإصلاحات بطيء جداً بالنظر إلى درجة تعقيد الموقف". وقال: "كنّا نتوقع المزيد من حيث إقرار وتنفيذ التشريعات الخاصة بالإصلاحات المالية في لبنان".
كلام ريغو جاء في ختام الزيارة التي قامت بها بعثة الصندوق الى لبنان لاجراء مشاورات "المادة الرابعة وتقييم الوضع الاقتصادي ومناقشة اولويات السياسات"، حيث حضّ "السلطات اللبنانية على تسريع تنفيذ الإصلاحات للحصول على حزمة الإنقاذ"، معلناً أنّ "لا تقديرات جديدة للخسائر في القطاع المالي اللبناني".
وطالب الحكومة بـ"التوقُّف عن الاقتراض من البنك المركزي"، مؤكداً أنّه سيتعيّن على الجميع تحمّل خسائر نتيجة الأزمة المالية في لبنان.
وأشار الى ان النظام المصرفي اللبناني "يفتقر إلى السيولة ورأس المال في هذه المرحلة، ويجب أن ينتقل لبنان إلى سعر صرف يحدده السوق لأنّ سعر صيرفة يحدّده البنك المركزي".
ولفت ريغو إلى ان "إضعاف القدرات في الإدارة العامة وعدم قدرة المصارف على تقديم الائتمان للاقتصاد والودائع المصرفية للمودعين، إضافة إلى وجود عدد كبير من اللاجئين، يزيد من التحديات أمام اللبنانيين".
وإذ أشار الى "تقدم محدود في تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، المنصوص عليها في اتفاقية مستوى الموظفين"، أكد أن "خطورة الوضع تستدعي اتخاذ إجراءات فورية، ما يوجب على الحكومة والبرلمان والبنك المركزي العمل بسرعة لمعالجة نقاط الضعف المؤسسية والهيكلية الطويلة الأمد لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتمهيد الطريق لتحقيق انتعاش قوي".
وأكد "استمرار معاناة الإقتصاد من الكساد الشديد بعد الانكماش السريع بنحو 40 في المئة منذ بداية الأزمة، علماً أن النشاط الاقتصادي قد استقر إلى حد ما عام 2022، مدفوعا ببعض الانتعاش في السياحة، والمزيد من تقليص المديونية في قطاع الشركات، واستمرار تدفقات التحويلات القوية، التي دعمت الاستهلاك. ومع ذلك، لا يزال العديد من الاتجاهات الاقتصادية سلبية".
وقال ريغو: "لبنان على مفترق طرق خطير، ومن دون إصلاحات سريعة سيكون غارقا في أزمة لا تنتهي أبدا. سيظل الفقر والبطالة مرتفعين، وستستمر الإمكانات الاقتصادية في التدهور، في حين ان استمرار الوضع الراهن من شأنه أن يقوّض الثقة في مؤسسات الدولة وسيؤدي التأخير الإضافي في تنفيذ الإصلاحات إلى إبقاء الاقتصاد في حالة ركود، مع عواقب لا رجعة فيها على الدولة بكاملها، وخصوصا الأسر ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط. وستؤدي حالة عدم اليقين المرتفعة إلى إضعاف الوضع الخارجي بشكل أكبر وسيستمر مصرف لبنان في خسارة الاحتياطات الدولية النادرة. سيظل انخفاض سعر الصرف والتضخم المتصاعد بلا هوادة، مما يؤدي إلى تسريع الدولرة النقدية المرتفعة بالفعل للاقتصاد".
واعتبر أنه "من دون الاعتراف بالفجوة المالية الكبيرة في القطاع المصرفي ومعالجتها بصدقية، لن تتمكن البنوك من تقديم ائتمان ذي مغزى لدعم الاقتصاد، وسيواصل صغار المودعين تكبد خسائر كبيرة في عمليات سحب العملات الأجنبية الخاصة بهم، بينما الودائع المتوسطة إلى الكبيرة ستبقى "محبوسة" إلى أجل غير مسمى". الى ذلك، أكد الصندوق أن "الهجرة ستتسارع، ولا سيما العمال المهرة، مما يقوض آفاق النمو في المستقبل بشكل أكبر".
أمام هذا الواقع، رأت بعثة الصندوق أن ثمة طريقا بديلا يؤدي إلى الاستقرار والنمو، وأكدت الضرورة الملحّة لتنفيذ حزمة الإصلاحات الشاملة الآتية:
"- استراتيجية مالية متوسطة الأجل لاستعادة القدرة على تحمّل الديون وخلق مساحة لزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنمائي. يجب أن تكون الخطوة الأولى هي اعتماد موازنة 2023 التي تستخدم سعر صرف موحدا للسوق لأغراض الجمارك والضرائب، وتعديل الضرائب المحددة للتضخم، واتخاذ الخطوات الأولى نحو استعادة الإدارة العامة. ويجب أن توفر الميزانية أيضا التمويل اللازم للإنفاق الاجتماعي الأساسي والبدء بإصلاحات مهمة في القطاع العام من شأنها تحسين الكفاءة بمرور الوقت.
- في السنوات اللاحقة، سيتطلب تعزيز المالية العامة إصلاحات لتعبئة الإيرادات تركز على توسيع القاعدة الضريبية، وسد الثغرات القائمة، وتحسين الامتثال الضريبي عبر دافعي الضرائب من خلال إدارة ضريبية معززة وحديثة. فجهود تعبئة الإيرادات أمر بالغ الأهمية لدعم الزيادة التدريجية في الإنفاق الاجتماعي والإنمائي ذي الأولوية إلى مستويات أكثر ملاءمة.
- ينبغي دعم استراتيجية المالية العامة الشاملة بإصلاحات للتخلص من خسائر الشركات المملوكة من الدولة والتخلص التدريجي من التحويلات من الميزانية، لا سيما إلى قطاع الطاقة، وتحسين الإدارة العامة، وتعزيز إصلاحات نظام التقاعد المستدام. سيكون الضبط التدريجي لأوضاع المالية العامة بالغ الأهمية لاستكمال إعادة هيكلة الديون المطلوبة التي ينبغي أن تهدف إلى خفض الدين العام إلى مستوى يمكن تحمّله على المدى المتوسط.
- إعادة هيكلة موثوق بها للنظام المالي لاستعادة صلاحيته ودعم الانتعاش الاقتصادي. وهذا يتطلب الإقرار والمعالجة المسبقة للخسائر الكبيرة التي يتكبدها البنك المركزي والبنوك التجارية، واحترام التسلسل الهرمي للمطالبات، وحماية صغار المودعين، والحد من اللجوء إلى القطاع العام بالنظر إلى وضع ديونه الحالي الذي لا يمكن تحمّله".
ورغم كل ما ورد، أكد ريغو أن "صندوق النقد سيبقى ملتزماً دعم لبنان ومواصلة تعاونه الوثيق مع السلطات من خلال تقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية. كما أن التعاون والدعم من الشركاء المتعددي الأطراف والثنائيين ضروريان للتنفيذ الناجح لجهود الإصلاح التي تبذلها السلطات. ومع ذلك، فإن هذا الدعم سيتوقف أيضًا على التزام لبنان وتنفيذه الثابت لبرنامج إصلاح شامل وطموح. في هذا الصدد، نرحب بالتزام السلطات العمل مع صندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين الآخرين لتنفيذ سياسات لمواجهة التحديات الحالية ووضع الاقتصاد اللبناني على مسار مستدام، بما في ذلك في إطار برنامج يدعمه صندوق النقد الدولي".