النهار

لماذا التهليل لقرار مجلس شورى الدولة؟!
المصدر: "النهار"
لماذا التهليل لقرار مجلس شورى الدولة؟!
تعبيرية.
A+   A-
د. محمد فحيلي، الخبير في المخاطر المصرفية
 
كان من الأفضل لو لجأ مجلس شورى الدولة لشراء الوقت وأجّل النظر بإدّعاء جمعية مصارف لبنان بانتظار أن تصدر الصياغة النهائية لخطة مجلس الوزراء للنهضة المالية ليبنى على الشيء مقتضاه.
 
سارعت جمعية مصارف لبنان لتقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة على خلفيّة احتمال أن يصدر قرار عن مجلس الوزراء لإعفاء مصرف لبنان من جزء من التزاماته بالعملات الأجنبية تجاه المصارف. هذه العجلة، وإن كانت بالمضمون جيّدة، بالشكل جاءت لحماية المصرفيين، وليس لحماية المودعين و/أو المصارف. إطالة أمد الأزمة يُترجم استمرار السحوبات من أرصدة الحسابات التي تحمل تصنيف وتوصيف مصرف لبنان بالدولار المحلي على سعر الـ15000 ليرة (التعميم الأساسي رقم 151)، واستمرار العمل بأحكام التعميم الأساسي رقم 158، وهذا يعني تجفيف أرصدة الحسابات بالدولار المحلي المثقل بالمخاطر الائتمانية لدرجة التعثر الكامل، الذي كان سببه سوء تقييم مخاطر هذه التوظيفات من قبل أصحاب القرار في المصارف التجارية، وفساد وهدر ولا مسؤولية الطبقة السياسية، وليس بسبب ارتكابات خاطئة للمودعين، رغم أنه في هذه الممارسة (إطالة أمد الأزمة) تُحَمِّل للمودع تداعيات هذه المخاطر. وفي المقلب الآخر، الإطالة المتعمدة لأمد الأزمة سوف توسّع مساحة العمل بأحكام التعميم الأساسي رقم 165 الذي يعزّز موقع الحسابات بالدولار الفريش على حساب الحسابات بالدولار المحلي. أي "العفو العام الاقتصادي" لطبقة سياسية أهلكت البلاد والعباد لسنوات عديدة.
 
تقدم فريق عمل رئيس مجلس الوزراء بمشروع قانون للنهوض المالي لمناقشته وإقراره وتحويله إلى السلطة التشريعية لمناقشته وإقراره في قانون. وحتى اليوم لم ينضج هذا المشروع، ولم يسلك طريقه إلى المجلس النيابي. وفي نظرة خاطفة إلى أداء مكونات السلطة السياسية، من السهل الاستنتاج بأن مشروع النهضة المالية لن يختلف مصيره عن مصير مشروع قانون الكابيتال كنترول، أو التدقيق الجنائي، أو الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي في الاتفاق المبدئي الموقع مع الحكومة اللبنانية في نيسان من سنة 2022.
 
وجاء قرار مجلس شورى الدولة في الساعات القليلة الماضية ليعكس هذا الواقع. قرّر المجلس قبول المراجعة شكلاً:
1. وهذا يعني بأن جمعية مصارف لبنان لها حق الادّعاء.
2. وأن مجلس شورى الدولة هو السلطة صاحبة الاختصاص للنظر في هذا الادّعاء.
3. وأخيراً، بالمبدأ لا يحقّ لأيّ شخص أو مجموعة أو كيان إعفاء نفسه (ذاته) من دفع التزاماته أو/و القيام بواجباته تجاه الغير.
 
رغم إيجابيات التعميم الأساسي 165، سوف يمنح إصرار الطبقة السياسية على إطالة أمد الأزمة هذا التعميم بإعطاء "الدولار الفريش" أولوية على "الدولار المحلي" في صياغة مشاريع الإنقاذ والتعافي والنهضة المالية والاقتصادية؛ وبهذا تكون قدرة مكوّنات القطاع الخاص على الصمود والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية نقمة لجهة مصير حسابات الدولار المحلي، ونعمة الفاسد والفاشل في الطبقة السياسية.
 
مسؤولية الدولة هي إعادة رسملة مصرف لبنان، ولكن ليست السلطة صاحبة القرار لجهة إعفاء المركزي من جزء من التزاماته تُجاه المصارف. أنا على ثقة بأن قراراً من هذا الثقل الماليّ والحجم في تداعياته الاقتصادية بحاجة إلى قانون.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium