انعكست الأزمة بشكل كبير على سوق العقارات، كما باقي القطاعات في لبنان. فبعدما تحرّك السوق في أوجّ الانهيار وحجز المصارف لأموال المودعين، بحيث صاروا يشترون العقارات لإخراج أموالهم من المصارف بأي طريقة، شهد العام 2022 ركوداً كبيراً على مستوى العقارات من أراضٍ وشقق وتطوير عقاري، مع الانخفاض المتزايد بالقدرة الشرائية والانهيار الإضافي بسعر الليرة، ما انعكس انخفاضاً في الطلب على شراء العقارات.
في هذا الإطار، ومع انسداد أفق الحلول الاقتصادية، هل يشهد العام 2023 تغيّراً في سوق العقارات؟
رئيس نقابة المقاولين في لبنان، مارون الحلو، وفي حديثه لـ "النهار"، يوضح أنّ "سوق العقارات العام المقبل يشبه هذا العام بجموده، طالما أنّ هناك عدم استقرار سياسي بغياب انتخاب رئيس للجمهورية، فالاقتصاد ككل حالياً، في مهب الريح، وعلى الأرجح أن يضم العقارات أيضاً".
التلاعب بالعملة المحلية وغياب الاستقرار النقدي وعدم إقرار خطة التعافي، كلّها عوامل، يراها الحلو، لا تشجّع على استقرار اقتصادي. و"مع غياب كلّ من الاستقرارين الاقتصادي والسياسي، لا يمكن للقطاع العقاري أن يتحرّك في العام 2022، إذ مرّ القطاع بمرحلة شبه ثابتة على 40 في المئة من قيمة العقارات الفعلية قبل العام 2018"، وفق الحلو.
وفي حين كان التداول بالشيكات المصرفية مع اشتداد الأزمة في القطاع العقاري، أصبح اليوم بالدولار الفريش. فالشقة التي كان سعرها حوالي مليون دولار، لا يصل سعرها اليوم إلى الـ 400 ألف دولار نقداً. والسوق العقاري في العام 2023، برأي الحلو، "مرتبط كلياً بإعادة هيكلة المصارف وتنفيذ خطة التعافي". لذلك، لا يمكن إسداء أي نصيحة عقارية للعام المقبل في ظل الوضع الراهن الذي يراوح مكانه.
هل تبدّلت فكرة أنّ العقار هو استثمار آمن؟
بحسب الحلو، لا يمكن تطمين المستثمِر في ظل الظروف غير المستقرة. لكن مَن هو بحاجة إلى شراء شقة لابنه مثلاً ولديه المال الكافي، يمكنه أن يستغل الظرف عبر شراء العقار الذي أصبح بقيمة 40 في المئة عن السابق. وبمجرد استقرار البلد، سيرتفع ثمن العقارات والمباني السكنية. بالتالي، يمكن اعتبارها فرصة للشراء لمَن هو بحاجة، فسعر العقار الآن يُعتبر متدنّياً.
أمّا في ما يتعلق بالتطوير العقاري والبناء، فيؤكّد الحلو، أنّ المقاولين لن يتجرّأوا ، رغم زيادة الطلب على الشقق الصغيرة في جميع المناطق اللبنانية، على المضي بأي عمل بناء، لأنّهم غير قادرين على تحديد كلفة العقارات ولا سعر عرضها، ولا يمكنهم تقصّي قدرة السوق على الشراء، "فالإقدام على أي مشروع بناء حالياً هو مغامرة".
كان يُنصح سابقاً، ولتجنّب التأثّر بأي تدهور بسعر الصرف، التحوّط بشراء عقار. أمّا الآن، فالنصيحة تغيّرت. فمَن لديه أموال بالدولار، ويمكث خارج لبنان، إذا كان بحاجة إلى شراء شقة، يمكنه شراؤها إذا وجد سعرها أقل بنسبة 30 إلى 40 في المئة من سعر كلفتها، يشرح الباحث في شؤون الاستثمار، جهاد الحكيّم، لـ"النهار".
لكن كيف يمكن معرفة كلفة الشقة؟ يوضح حكيّم أنّ العامل المحدِّد لسعر العقار هو القدرة الشرائية في غياب تمويل المشاريع العقارية، فالقدرة الشرائية للمواطن اللبناني غير جيدة محلياً وخارجياً. وهنا، يجب اللجوء إلى أهل الثقة والخبرة للاستفسار وتقصّي النسبة التقديرية للكلفة.
ويرى حكيّم أنّ الفرصة الجيّدة تكمن في شراء الشقة التي تُباع بأقل من كلفتها، والتي يبيعها أصحابها بداعي السفر أو لاعتبارات أخرى، فأسعار الشقق انخفضت ووصل بعضها إلى حوالي 70 في المئة من قيمتها السابقة، و"هنا يمكن الحديث عن شراء جيّد".
وصحيح أنّ هناك شريحة مقتدرة في لبنان، لكنّها لن تشتري يومياً شقة، ونسبة هذه الشريحة ضئيلة جداً في المجتمع. إضافة إلى أنّه أصبح لدى البعض وعي أكبر بضرورة تنويع محفظته الاستثمارية، وصار استثماره بين لبنان والخارج وفي قطاعات عديدة وليس فقط في العقارات، كما كان الحال سابقاً. كلّها عوامل تقلّل من التوجّه نحو الاستثمار بالعقارات.
وعلى مستوى التطوير العقاري، فإنّ المطورين العقاريين على دراية بالمشاكل التي تحول دون تنفيذ مشاريعهم، من اهتراء البنى التحتية إلى غياب التمويل، وفقدان القدرة الشرائية لدى المواطن، ما يصعّب عمليات البيع. وحتى اللبنانيون الذين هاجروا إلى الخليج في ظل هذه الأزمة، هاجروا بمرتبات متدنية لا تخوّلهم شراء هذه العقارات، إضافة إلى أنّ نسبة الولادات تراجعت في لبنان بشكل ملحوظ، والزواج كذلك، ما يقلّل من الدافع لشراء الشقق، وفق حكيّم. فكلفة البناء اليوم، إذا ما حيّدنا سعر الأرض الذي انخفض وأصبح أرخص من السابق، لم تختلف كثيراً عن السابق.
لكن هناك مقاولين بنوا مشاريع سكنية قبل الأزمة ويريدون بيعها بأقلّ من الكلفة بسبب فقدانهم الثقة في السوق العقارية اللبنانية وبالاقتصاد اللبناني، خصوصاً بعد أن خسروا أموالاً طائلة في المصارف في ظل الأزمة.
وما يزيد الأمر سوءاً، أنّ هذا الواقع الصعب يتزامن مع انسدادٍ في أفق الحل. لذلك، فإنّ "سوق العقارات العام المقبل باقٍ على حاله كالعام 2022، فحالة عدم اليقين السياسية والاقتصادية تؤخّر أي استثمار فردي في العقارات".